حازم الأمين
هل يمكن أن تتحول “البذاءة” إلى سبب لحرب أهلية؟ فقد صورت لنا الوقائع اللبنانية هذا الأسبوع أن هذا الاحتمال صار ممكنا! السجال بين شخصية “هامشية” مثل وئام وهاب، وبين زعامة متداعية هي زعامة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أوحت بأننا على وشك حرب أهلية سببها شتيمة. والحال أن الشتيمة ليست ملك صاحبها فقط، ذاك أنها استعانت بنظام سياسي وإعلامي واجتماعي يتيحها. أطلقها وئام وهاب ونقلتها وسائل إعلام تستثمر بقوة الشتيمة وبفعاليتها، واستقبلها جمهور ورد عليها بشتائم موازية. وهذا كله جرى في ظل خواء يعم مختلف أوجه الحياة العامة في لبنان.
والحال أن الشتيمة لم تكن لوحدها درة عين الحياة العامة في لبنان هذا الأسبوع، فقد أعقبها حفلة فضح متبادل اكتشف فيها اللبنانيون وقائع كانت وصلتهم على شكل إشاعات لكنها اليوم صارت وقائع مثبتة. كشف لنا وئام وهاب أن صديقه (السابق ربما) وزير الداخلية نهاد المشنوق والقريب من رئيس الحكومة سعد الحريري، كان رافقه برحلات مكوكية إلى دمشق أثناء ذروة المواجهة بين الحريري والنظام السوري، وهو فعل ذلك من دون علم الحريري والتقى هناك برموز أمنية على علاقة مباشرة بملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
رد المشنوق على وهاب، ولم ينف الزيارات، وصوب بعض الوقائع، إلا أنه أيضا ألمح إلى أن مرحلة صداقته مع وهاب شهدت إقدام الأخير على النيل من بشار الأسد وحسن نصرالله. راح الرجلان يشيان ببعضهما لمشغليهما. جرى ذلك أمام أعيننا، والأرجح أن كل المجتمعات العربية غبطتنا على هذا العرض المعلن.
يُطلق اللبنانيون على هذا النوع من الفضح المتبادل الـ”ردح”. السياسة بصفتها ردحا ولا شيء آخر. فوقائع أسبوع كامل من الشحن الخطابي ومن الشتائم والفضح المتبادل، ومن المخاوف على الوضع الأمني، لا مكان لها في السياسة ولا انعكاسات لها سوى أنها ذهاب بالبذاءة إلى مستويات جديدة. القول مثلا بأن وئام وهاب كسب الجولة على رغم مقتل مرافقه، لا يعني شيئا. ماذا كسب وئام وهاب؟ إطلالات تلفزيونية؟ هذه مؤمنة له دائما. مقعد وزاري؟ هذا شبه مستحيل. أنصار جدد؟ وليد جنبلاط أقفل هذا الطموح في وجه كل من يسعى إليه في الشوف (المنطقة التي يتحدر منها وهاب).
وفي مقابل ذلك يبدو القول بأن الحريري خسر عبر فتحه مواجهة مع شخصية هامشية مثل وهاب، غير دقيق. الحريري أيضا في موقع ضعيف، و”حزب الله” يحاصره في طائفته كما في حكومته، ومعركة مع وئام وهاب لا تخلو من تشويق يشعر الرجل بأنه قد يكون سبيلا وإن وهميا لتصريف الضيق الذي يعيشه في قصره.
لبنان اليوم بلا سياسة وبلا وظيفة. بلد معلق بفساد طوائفه وبتفاهة سياسييه، وبكارثة اقتصادية على وشك أن تقع. علينا أن ننتظر كل مساء نشرات الأخبار لكي نعرف المزيد عن أسرار العلاقة بين وئام وهاب ونهاد المشنوق.
اليوم، أضاف وهاب معلومة جديدة أدرجها في سياق اعتذاري من صديقه البيروتي. قال إنه أخطأ بحق رفيقه في الرحلات إلى دمشق، ذاك أن “المجالس بالأمانات”، وما كان له أن يكشف عنها، لكن ما أضاره من المشنوق تحديدا هو أن الأخير، وهو وزير للداخلية، أرسل دورية لتوقيفه في بيته مع ما تجره هذه الخطوة من احتمالات مواجهة مع مرافقيه قد تعرض حياة ابنته التي لطالما عبر له المشنوق خلال زياراته له عن شعوره بأنها بمثابة ابنته!
الأمر مسل فعلا ومستدرج لرغبة في المتابعة وفي تعقب القصة وانتظار المزيد من التشويق. ثم إن لهذا الانتظار بعدا تعويضيا، ذاك أننا نملأ فراغا بفراغ، وهذا تمرين يساعدنا على الاستمرار وعلى القبول وعلى تفادي الاختناق.
لبنان على وشك انهيار اقتصادي لا قوة لنا على الحؤول دونه. إذا لا بأس بحكاية مشوقة تساعدنا على نسيان ما نحن فيه، والصداقة بين الوزير والوزير فيها من الأسرار ما يعيننا على التخفف من مصيبتنا.
الحرب على وشك أن تقع فوق رؤوسنا، لكن بماذا يفيدنا وعينا بها طالما أننا لا نقوى على منعها. هي قدر سقط على رؤوسنا من خارجنا. إذا فلنمض إلى نشرة الأخبار لتسقط وقائع “الردح” الجديد بين الوزير والوزير.
لا شيء يشبه الخواء أكثر من ذلك. لكن من قال إن الخواء هو المستحيل أو هو العدم. المرء يمكن أن يعيش في الخواء من دون أن يكونه، إذ أننا، ومثلما فرض علينا الانهيار الاقتصادي، وفرضت علينا الحروب، فرض علينا الخواء أيضا. لا نقوى على الاستيقاظ منه في الوقت الراهن، لكننا محكومون بانتظار ما يعقب الخواء. ولا بأس هنا من أن يعقبه خواء مواز، ففي ذلك تأجيل لمصيبة أفدح.
الحرة