ـ باريس ـ من أحمد كيلاني ـ أكملت السلطات الفرنسية استعداداتها لمواجهة تظاهرات “السترات الصفراء” يوم غد السبت في ظل توقعات تشير إلى احتمال تكرار سيناريو السبت الماضي بشكل أكبر وأخطر وتحذيرات من حدوث أعمال عنف واسعة وحرب شوارع في العاصمة باريس، بينما يعتزم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلقاء كلمة مطلع الأسبوع المقبل يتطرق فيها للأزمة التي تعيشها البلاد منذ السابع عشر من الشهر الماضي.
وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب عن نشر 89 ألف رجل أمن في جميع أنحاء فرنسا تحسباً لوقوع أعمال عنف خلال التظاهرات.
وقال فيليب لقناة “تى إف 1” الفرنسية إنه سيتم نشر “إثنتي عشرة سيارة شرطة مدرعة إضافة إلى 8 آلاف رجل شرطة في باريس”، موضحاً أن عمليات نشر القوات تأتي انطلاقاً من “كوننا نواجه أشخاصاً لم يخرجوا بغرض التظاهر، ولكن بغرض التخريب، ولن ندعهم يقومون بذلك”.
وخلال الأيام الماضية، حذرت العديد من الشخصيات الفرنسية من مخاطر توسع رقعة الاحتجاجات وحدوث حرب شوارع لم تشهدها باريس من قبل.
وعلى اثر ذلك، قررت السلطات الفرنسية إغلاق برج إيفل وساحة دار الأوبرا في باريس والعديد من المتاحف والمواقع السياحية في المدينة، وتم إلغاء خمس مباريات في الدوري الفرنسي الممتاز لكرة القدم كان من المقرر أن تقام في عدة أنحاء من البلاد في بداية الأسبوع بناء على طلب السلطات.
ومن بين المواقع التي تم إغلاقها متاحف القصر الكبير (جراند باليه) والقصر الصغير (بيتي باليه) قبالة شارع الشانزليزيه، واللوفر الذي أعلن أيضاً أن حديقة التويلري القريبة ستغلق بسبب “ظروف استثنائية”.
وطلبت السلطات الفرنسية من أصحاب متاجر جادة الشانزليزيه إبقاء متاجرهم مغلة السبت، في حين أعلنت بلدية مدينة بورودو عن إغلاق نحو عشرة مراكز عامة وثقافية.
وعلى الرغم من تجاوب السلطات الفرنسية مع مطلب حركة “السترات الصفراء” الرئيسي بإلغاء زيادة الضرائب على المحروقات، إلا أن الحركة تريد استغلال لحظة ضعف وارتباك الحكومة الذي بدا واضحاً على مدى أيام الأزمة.
وقررت “السترات الصفراء” المضي قدماً في التظاهرات بهدف انتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من الحكومة، إذ تطالب الحركة أيضاً بزيادة الحد الأدنى للأجور ورفع المعاشات التقاعدية والمساعدات المالية للطلاب.
في المقابل يبدو أن السلطات الفرنسية تعيش في حالة من التخبط والعجز تجاه التعامل مع مطالب “السترات الصفراء”، خصوصاً وأن بعض نشطاء الحركة أصبحوا يطالبون بإجراء انتخابات تشريعية جديدة في حال فشل الحكومة بتلبية مطالبهم.
وأبدت السلطات الفرنسية مخاوفها الكبيرة من تحول تظاهرات السبت إلى اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن حيث تحدثت صحيفة “لوفيغارو”، عن معلومات أمنية مخيفة بشأن التظاهرة ودرجة العنف التي من الممكن أن تصل إليها.
وامتد التململ إلى صفوف طلبة المدارس الثانوية والجامعات والمزارعين الذين اغتنموا الفرصة من أجل تقديم مطالبهم.
وشهدت حوالي 200 مدرسة ثانوية ومعهداً وبعض الجامعات إغلاقات أو اضطرابات أمس، وتحول العديد من التظاهرات الطلابية إلى أعمال شغب، وأحرقت صناديق قمامة وأصيبت سيارات بأضرار، واشتبك المتظاهرون مع الشرطة في مختلف المدن في جميع أنحاء فرنسا.
ومنذ عودته من قمة العشرين في الأرجنتين يوم الأحد الماضي، وتفقده للأضرار التي حدثت في جادة الشانزليزيه، التزم الرئيس ماكرون الصمت حيال التطورات التي تشهدها البلاد، إلا أن رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية ريشار فيران قال لوكالة “فرانس برس” اليوم الجمعة إن ماكرون سيلقي خطاباً “مطلع الأسبوع المقبل” حول أزمة “السترات الصفراء”، موضحاً أنه اختار هذا الموعد لتجنب “صب الزيت على النار” قبل تظاهرات السبت.
وأضاف فيران أن “الرئيس الذي يعي السياق والوضع”، قرر أن ينتظر قبل أن يتحدث.
وكان ماكرون قد طالب الأحزاب السياسية والنقابات وأصحاب الشركات بتوجيه “دعوة صريحة وواضحة للهدوء”، واستجابت سبع نقابات للدعوة ونددت “بكل أشكال العنف لدى التعبير عن المطالب”.
ودعا زعيم حزب “الجمهوريون” اليميني المعارض لوران فوكييه المحتجين إلى تجنب “كل أشكال التعبير العنيف خلال تظاهرات السبت”، بينما أملت كتلة النواب الاشتراكيين أن تجري التظاهرة دون مواجهات.
وفي ظل الهزات العنيفة التي تعرضت لها الحكومة نتيجة التظاهرات، تعتزم العديد من الجماعات السياسية اليسارية طرح تصويت بحجب الثقة ضدها.
وذكرت وكالة “بلومبرغ” أن حزب “فرنسا الأبية” الذي ينتمي إلى أقصى اليسار، جنباً إلى جنب مع الاشتراكيين والشيوعيين، الذين يحتلون معاً 62 مقعداً من أصل مقاعد الجمعية الوطنية البالغ مجموعها 577 مقعداً قالوا إنهم بصدد طرح التصويت في أقرب وقت ممكن بحلول يوم الاثنين المقبل.
وقال نائب رئيس حزب “فرنسا الأبية”، أوجو بيرناليسيس ” لدينا حكومة تسير مباشرة في طريق مسدود”، مضيفاً أنها “مسؤوليتنا أن نضع حدا لهذا، والتأكد من أننا سنغير الحكومة وبالتالي سياساتها”.