صحف
“هآرتس”: بعد نشرها صورة الإستاد المركزي لمباريات مونديال 2022.. حرج كبير يلحق بقطر
ـ رام الله ـ يكتب تسفي برئيل في “هآرتس” أن حرجا كبيرا لحق بقطر، الأسبوع الماضي، حين نشرت الصور الأولى للإستاد المركزي الذي ستجرى فيه مباريات المونديال في 2022. للكثيرين يبدو المبنى المميز، الذي صممته زهوة حديد، المعمارية البريطانية – العراقية التي توفيت هذه السنة، كالعضو الجنسي الأنثوي – وسرعان ما حظي بلقب “استأد المهبل”. ودافعت قطر بتفان عن المبنى الرائع، وأوضحت بانه يجمع تصميما شرقيا مع أفضل التطويرات الحديثة، وان من يرى فيه شيئا آخر – فهذه مشكلته.
40 ألف مكان سيحتوي المبنى المكيف، والذي يفترض فيه، إلى جانب الاستادات المكيفة السبعة الأخرى، أن يلبي الطلب لنحو مليون ونصف مشاهد سيصلون لمشاهدة المباريات. فالتحديات الهندسية والتصميمية التي وقف أمامها المخططون لا تنفس إلا مسألة كيف سيكون ممكنا “إشغال” الزوار في ساعات الفراغ بين المباريات وبعدها.
أكثر من 1.7 مليون عامل أجنبي يشتغلون في قطر، قسم كبير منهم مجند خصيصا لإنشاء البنية التحتية الرياضية في الدولة، التي يبلغ عدد مواطنيها الأصليين 450 ألف نسمة. وتم تخصيص ميزانية سخية على نحو خاص، بمقدار 8 – 10 مليار دولار فقط لبناء الاستادات؛ واستثمرت نحو 200 مليار دولار في السنوات الأخيرة وستستثمر، في البنية التحتية المحيطة، مثل الطرق، شبكة المواصلات، بناء نحو 60 الف غرفة فندقية وقطار خاص سيعمل في خدمة المونديال.
ولكن بالنسبة لــ “ما بعد الحفلة” سيضطر السياح للاكتفاء بأروقة الفنادق، بالمجمعات التجارية – وإذا كانت حالة الطقس تسمح بذلك، فبالرحلات الصحراوية وبالجولات في الأسواق. أما المشجعون الذين يرغبون في تعاطي الكحول فلا يمكنهم ان يجدوه إلا في بضعة فنادق ومطاعم تلقت إذنا خاصا بذلك. أما باقي الوقت فسيضطرون إلى قضائه على ما يبدو بالقراءة أو مشاهدة التلفزيون. ولكن بعد كل شيء فانهم جاءوا ليشاهدوا كرة القدم وليس للترفيه.
بالنسبة لقطر، فان استضافة مباريات كأس العالم هي قناة أخرى لتنويع مصادر دخل الدولة، الذي يعتمد اليوم على تصدير النفط والغاز – وليس اقل أهمية من ذلك، تشكل لها رافعة هائلة لاعتراف دولي، بالذات في فترة فرض عقوبات عليها من جانب قسم من جيرانها. عندما قررت السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان إلى جانب دولة اتحاد الأمارات، البحرين ومصر، ان تفرض قبل نحو سنة ونصف حصارا بريا، بحريا وجويا على قطر، كان يخيل أن الأمارة الصغيرة ستحني الرأس وتستجيب للمطالب الـ 12 التي طرحها عليها جيرانها. ضمن أمور أخرى طولبت قطر بقطع علاقاتها مع إيران، إخلاء القوة التركية المرابطة فيها، إغلاق قناة “الجزيرة” وتعويض الجيران عن الضرر الذي لحق بهم.
ولكن قطر استنجدت لمساعدتها بتركيا التي سارعت إلى فتح خط تسويق جوي، وإيران التي وفرت لها رواقا جويا وبحريا، وكذا عمان والكويت اللتين لم تنضما إلى المقاطعة. وفي غضون سنة ضاعفت قطر عدد المصانع المحلية الموجهة لإنتاج الغذاء، كي تحرر الدولة من الحاجة إلى استيراد غلا ثمنه عقب إطالة مسافة خطوط الطيران؛ وضخت نحو 40 مليار دولار إلى البنوك كي تغطي فجوة الودائع التي سحبها منها مستثمرون من الخليج؛ ووسعت صندوق الاستثمارات الوطني إلى حجم أكثر من 320 مليار دولار. ومكان الضائقة المؤقتة والخوف من الخنق الاقتصادي، حل نمو بمعدل نحو 2.7 في المئة، وحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع حدوث نمو آخر في السنة القادمة أيضا.
قطر الذي تضرب رقما قياسيا عالميا في الدخل للفرد، تعهدت باستثمار نحو 15 مليار دولار في تركيا، كي تبطن الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمة عسيرة ومكافأة تركيا على المساعدة التي قدمتها لها حين فرضت عليها العقوبات. كما أنها توسع استثماراتها في أرجاء العالم وكأنه لم يفرض عليها حصار.
يبدو أن مكانتها السياسية في الساحة الدولية لم تتضرر رغم مساعي السعودية لعرضها كدولة مؤيدة للإرهاب وكشريكة لإيران. ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد كـ “شريك عزيز وصديق قديم”، بعد ان كان وصف قطر قبل سنة من ذلك كدولة مؤيدة للإرهاب. كما تجند ترامب للوساطة بين السعودية وقطر، ولكن حاليا بلا نجاح.
ولكن يحتمل أن تورط بن سلمان في قضية قتل خاشقجي ستحدث تغييرا في موقف السعودية، وقد توافق على إرضاء ترامب كمقابل للدعم الذي منحه لولي العهد في قضية القتل. وحتى إسرائيل، التي سوقت قطر كدولة إرهاب بسبب تأييدها لحماس، أدارت عيونها في اتجاه آخر، في ضوء الاضطرار لمساعدة سكان غزة، ووافقت على السماح لقطر بتحويل نحو 15 مليون دولار لدفع الرواتب وتمويل إضافي بحجم أجمالي يبلغ 90 مليون دولار.
ان الشكل الذي خرجت فيه قطر من الخناق السعودي يمكن أن يفيد بشيء أيضا عن استراتيجية العقوبات الاقتصادية التي تمارسها الدول، ومنها الولايات المتحدة أو روسيا على من لا يعجبها سياسته. وطالما لم تكن خطوة كهذه قادرة على ان تضمن إغلاقا تاما لحدود الدولة المحاصرة، فان العقوبات وان كانت ستجعل الحياة صعبة إلا أنها لن تمنع استمرار أدائها لمهام الدولة المحاصرة بل وتطورها أيضا. إيران، عراق صدام حسين، السودان والان قطر، هي الدليل على ذلك.