السلايدر الرئيسيشرق أوسط
تعقيداتُ الأزمة الحكوميّة اللبنانيّة تتواصل.. ومحاولاتٌ لتعكير المياه بين الرئيسين عون والحريري!
جمال دملج
– بيروت – من جمال دملج – على رغم الوضوح البنّاء الذي تجلّى في فحوى ما عبَّر عنه المكتب الإعلاميّ في قصر بعبدا بخصوص الموقف العائد لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون عن أنّه “إذا ما استمرّ تعثُّر تشكيل الحكومة، فمن الطبيعيّ أن يضَع فخامة الرئيس هذا الأمر في عُهدة مجلس النوّاب ليُبنى على الشيء مقتضاه”، فإنّ ردود الأفعال السياسيّة على هذا الموقف المرتكِز أصلًا على المادّة 53\د من الفقرة العاشرة للدستور التي تنصّ على أنّ رئيس الجمهوريّة “يوجِّه عندما تقتضي الضرورة رسائلَ إلى مجلس النوّاب”، سواءٌ في أوساط الرئيس المكلَّف سعد الحريري أم في أوساط الرؤساء السابقين الذين تعاقبوا على السراي الحكوميّ مثل فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمّام سلام، سرعان ما أضفَت على معالِم وضوحه شيئًا من عدم اليقين عن طريق إساءة تفسيره جملةً وتفصيلًا، ولا سيّما بعدما راحت تلك الأوساط تعبِّر عن اعتقادها في السرّ والعلَن على حدٍّ سواء بأنّه موقفٌ يندرج في سياق محاولةٍ تستهدف “إحراج الرئيس الحريري من أجل إخراجه”، الأمر الذي ما لبث أن تجلّى على إيقاعِ نبراتٍ متشنِّجةٍ تمّ التركيز على تسويقها في بعض وسائل الإعلام المحلّيّة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بغية الترويج لفكرةٍ مؤدّاها، بحسب ما نُقِل عن مصادرَ مقرَّبةٍ من “بيت الوسط” في بيروت، أنّ الحقّ الدستوريّ “لا يصحّ أن يتّخذه البعض وسيلةً للنيل من صلاحيّات الرئيس المكلَّف وفرضِ أعرافٍ دستوريّةٍ جديدةٍ تُخالِف الدستور ومقتضيات الوفاق الوطنيّ”، علمًا أنّ ما في حوزة اللبنانيّين من الشواهد التاريخيّة ذات الصِلة بالتمايُز الوطنيّ اللافت للشخصيّة العونيّة، منذ مرحلة ما قبل الرئاسة ولغاية يومنا الراهن، لا بدَّ من أن يكون كافيًا في هذه الأثناء للوصول إلى درجة اليقين الكامل بأنّ رئيس الجمهوريّة المؤتمَن على الدستور اللبنانيّ لا يمكن أن يُقدِم بالتأكيد على أيِّ خطوةٍ من شأنها أن تؤدّي إلى مخالفته بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
على هذا الأساس، كان لافتًا أن تُبادر المصادر الإعلاميّة المعنيّة في القصر الجمهوريّ إلى وضع الأمور في نصابها تفاديًا لسوء التفسير أو التقدير أو لمحاولات البعض تعكير المياه بين الرئيسين عون والحريري من أجل الإيحاء بقدرتهم على الاصطياد فيها، الأمر الذي استوجب التنويه بأنّ الرئاسة الأولى ليست في وارد الدخول في سجالٍ أو جدالٍ مع الرئيس المكلَّف، وبأنّ الغرض من بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهوريّة لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ لاستهداف الرئيس الحريري بالنظر إلى حرص الرئيس عون على استمرار علاقته معه، وإنّما المقصود منها هو أن يعرف مجلس النوّاب ماذا يحصل على صعيد عمليّة تأليف الحكومة إذا ما تقرَّر توجيه الرسالة في حال وصول الأمور إلى أفقٍ مسدودٍ.
علاوةً على ذلك، فقد نوَّهت المصادر أيضًا بأنّ فكرة إرسال الرسالة إلى مجلس النوّاب، والتي لم تتحوّل إلى قرارٍ نهائيٍّ بعد، هي حقٌّ دستوريٌّ لرئيس الجمهوريّة، مشدِّدة على أنّها لا يُمكن أن تعني سحبًا للتكليف، وإنّما إعادةَ الملفّ إلى المنبع الأساسيّ، أيْ إلى مجلس النوّاب لاتّخاذ القرار، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ هذا المجلس هو الذي سمّى الرئيس الحريري، ناهيك عن أنّ سبب اللجوء إلى هذه الفكرة يعود إلى استمرار رفض الفريقين المتنازعين لكافّة الصيَغ التي تمّ طرحها للحلّ، وآخرها صيغة حكومة الـ 32 وزيرًا التي لم تلقَ تجاوبًا على رغم أنّها استهدفت إراحة تشكيل الحكومة وتوفير تمثيلٍ أوسعَ والانتهاء من الأزمة، وذلك بالنظر إلى أنّ البلاد لا يمكن أن تبقى من دون حكومةٍ إلى ما لا نهاية.
وإذا كان من المفترَض لهذه الإيضاحات أن تكون كافيةً لكي تحقِّق مبتغاها في مجال وضع النقاط على حروف أزمةٍ حكوميّةٍ لا تزال مستعصيةً على التشكيل منذ ما يزيد عن سبعةِ أشهرٍ من الزمان، فإنّ اللافت في موازاة وضوحها البنّاء هو أنّ المشكِّكين في صدقيّة الأهداف المرجوّة من فكرة إطلاع البرلمان على تداعيات هذه الأزمة، بموجب الصلاحيات الرئاسيّة الآنفة الذكر، لم يخفِّفوا من حدّة نبرتهم، بل على العكس، وهو ما تجلّى في المواقف المعلَنة وغيرِ المعلَنة لرؤساء الوزراء السابقين، بدءًا من فؤاد السنيورة الذي اعتبَر أنّ “معالجة مشكلة تشكيل الحكومة من خارج السياق الدستوريّ كوضعها بيد مجلس النوّاب من شأنه مخالفة أحكام الدستور والخروج عن مبدأ الفصل بين السلطات الذي يُحدِّد صلاحيّات المؤسّسات الدستوريّة والتنازل عن صلاحيّة تشكيل الحكومة من قِبل من فوَّضهم الدستور تشكيل الحكومة، أيْ رئيس الحكومة المكلَّف بالتعاون مع رئيس الجمهوريّة، وتفويضها إلى جهةٍ أخرى”، مرورًا بنجيب ميقاتي الذي درجت العادة على أن يلعب على التوازنات بالإيحاءات حتّى ولو اضطرّه الأمر لكي لا يتحدَّث في العلَن في مثل هذه الحالات، وانتهاءً بتمّام سلام الذي استغرب موقف رئيس الجمهوريّة لأنّه “يستبطن القول بأنّ النوّاب الذين منحهم الدستور حقّ تسمية الرئيس المكلَّف بإمكانهم إعادة النظر بهذا التكليف”، معتبِرًا أنّه يُشكِّل “بدعةً جديدةً تُضاف إلى سلسلة البدع التي تُرمى في ساحة النقاش السياسيّ منذ فترةٍ بهدف خلقِ أعرافٍ منافيةٍ للنصّ الدستوريّ”، ومشيرًا إلى أنّه “إذا كان الدستور الذي توافَق عليه ممثِّلو الشعب اللبنانيّ في الطائف أعطى رئيس الجمهوريّة الحقّ في توجيهِ رسائلَ إلى مجلس النوّاب عندما يرى ضرورةً لذلك، فإنّه لم يمنح الرئيس صلاحيّة وضع مسألة تشكيل الحكومة في عُهدة مجلس النوّاب، كما لم يعطِ المجلس حقّ مراجعة التكليف الذي يحصل عليه رئيس الحكومة بموجب الاستشارات الملزِمة”… وحسبي أنّ هذه المواقف مجتمِعةً إنْ دلَّت إلى شيءٍ، فهي تدلُّ إلى أنّها لم تلحَظ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ أنّ ممثِّلي الشعب الذين وقَّعوا على “اتّفاق الطائف” عام 1989 كانوا قد دخلوا إلى البرلمان إثر فوزهم في دورة الانتخابات النيابيّة التي أُجريَت عام 1972، بمعنى أنّهم لا يعبِّرون عن طموحات الجيل اللبنانيّ الحاليّ، ناهيك عن أنّ الاتّفاق المذكور، وإنْ كان قد نجَح في تدوير الزوايا الوطنيّة في ذلك الزمان، ولكنّه لم يُفلِح على الإطلاق في إيجاد المخارِج الوطنيّة اللازِمة من تلك الدوائر، الأمر الذي حوَّل الوطن إلى حلقةٍ مفرَغةٍ يلفُّ فيها اللبنانيّون على بعضهم البعض تحت مسمّى “الصيغة التوافقيّة” التي لم تُنتِج في المحصِّلة النهائيّة التوافُق المطلوب لبناء دولة المؤسّسات، على شاكلة ما نشهده تمامًا في هذه الأيّام… والخير دائمًا من وراء القصد.