ثقافة وفنون

رحيل ….

ميديا النعيمي

الثامنة صباحاً، وصوت جهوري من المذياع  ينبئ بالحرب …
السماء ملبدة بغيوم سوداء، والصمت يعم المكان …
ونسمات برد مصحوبة بدخان مبهم في سماء بغداد …

***
لحظات صمت وتوجس يدعونا إلى الرحيل ….
فتحت أبواب البيوت كلها في حارتنا
واندفع الجيران خارجين …
أين أبي؟ أين أمي؟ أين الجميع !!!

***
اندفعت قافلتنا بسيارتين تحملان أرقاماً خاصة
انطلقت السيارتان تسابقان الريح، واحدة تحملنا، والثانية للتموين …
الطريق معبد، لكنه كان مزدحماً بأصوات  المنبهات، وصرخات الأطفال …
إنها  الحرب !!!

***
قادنا أبي إلى مشروع شُيد على نهر دجلة
بساتين تحمل من كل التمور؛ البرحي والزهدي، الكثير الكثير
وأسماك تجتمع عند السدّ، كانت هدفاً للصيادين
ربما الخير قادم …..

***
وصلنا، واستقبلتنا سلمى بابتسامة ترحاب
حلّ الليل
ظلام وضوء شموع، زحام أفكار وقلق ..
حوار ساذج حول أي موضوع بعيد، لعلنا نغيب عن الواقع  …..
حتى انطفأت الشموع، وغطّ الجميع بنوم مليء بالكوابيس

***
أشرقت شمس الصباح على المكان
رائحه قهوة، وأقداح شاي، وضحكات اطفال
ودردشة نساء، اجتهدن ونزلن الشاطئ لغسل الأواني
إنها الحياة في ظلال الموت

***
لم يعد الحديث مناسباً عن فقدان الماء والكهرباء وقد شغلتنا أخبار الدمار ..
ولم يعد مهماً الاستعداد لليوم التالي …
إذ يكفي يقين أنّ نزيفاً في الوطن لا ضماد له قد بدأ
وكأنّ غربان الخراب قد جثمت هنا إلى الأبد
وأنّ رحيلنا سيكون بلا عودة لبيتنا القديم

كانون الثاني ١٩٩١
يوم الخروج من بغداد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق