أقلام يورابيا

لاعب الخفة السوداني.. عمر البشير

أحمد المصري

أحمد المصري

حين يكبر لاعب الخفة “الأكروبات”، فإن ترهله هو الذي يكشف عجزه في القفز فوق الحبال المشدودة، وربما هذا ما ينطبق تماما على الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي تمرس في القفز فوق الحبال طوال سنين حكمه الطويلة، لكنه لم يدرك بعد معطيين مهمين: الأول أنه تقدم في العمر حدا جعل قفزاته ثقيلة وغير متوازنة، والثاني ان الجمهور الذي يراقبه تغير وهناك جمهور جديد لا يثق بالحبال ولا يريد العرض كله.

البشير، الذي يدخل عامه الثلاثين في قمة السلطة في السودان، مارس كل انواع القفز العالي والمتوسط والمنخفض ليبقى الرئيس الأوحد في بلد، انقسمت دولته نصفين في عهده، وضربتها المجاعات والحروب الأهلية بل إنه أدين شخصيا من محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قضية دارفور، وهي واحدة من الأزمات العديدة التي وظفها الرجل دوما وبدهاء لتمديد مدة حكمه.

اليوم، ورغم تأكيده (وهو تأكيد مكرر منذ ثلاثين عاما) بأنه لا ينوي الترشيح لرئاسة قادمة، إلا أن حاكم السودان القوي والمنفرد يعيد تقديم أوراق ترشيحه من بوابات خلفية توحي أنه مطلب الجماهير السودانية والحل الضرورة، وكان آخرها ما تقدم به غالبية نواب البرلمان السوداني الـ840 بمقترح تشريعي يدعو إلى تعديل المادة 58 من الدستور السوداني، والتي تعرض لعدد المرات التي تسمح للرئيس السوداني (وهو هنا البشير طبعا) بالترشح للرئاسة، تمهيدا للترشح في انتخابات عام 2020.

السودان الذي كنا صغارا نجد تعريفه في مناهج الجغرافيا على أنه سلة غذاء العالم العربي، هو لا يزال سلة غذاء لكن مؤجرة بمعرفة البشير بينما أهله الطيبون يعانون الجوع والفقر والحاجة.

الاقتصاد السوداني الذي يعاني عجزا وصل إلى مرحلة أن موازنته لعام 2018 قدرت بمبلغ (173 مليار جنيه) وقد اعتمدت أساساً على الإيرادات الضريبية (117 مليار جنيه)، وهذه الضرائب كانت غير المباشرة منها نسبة 68% مما يعني أنها عبء ثقيل يقع على كافة المستهلكين من الفقراء والأغنياء، وهي ضرائب جاءت في ظل عجز في الدعم الحكومي اضطر الحكومة رفع الدعم عن سلع أساسية مثل الوقود والقمح والسكر، وتحتال سلطة البشير دوما والتي تنفق على الدفاع والأمن البوليسي أكثر مما تنفق على التعليم والصحة، بطباعة مزيد من أوراق النقد بلا رصيد يغطيها.

البشير، لاعب الخفة الذي فقد مهارات الخفة في عصر الثورة الرقمية التي تكشف كل شيء، لا يزال يعتقد أن القفز المستمر على حبال المصالح في الإقليم والعالم سيظل مخفيا، فهو الإسلامي في حال تطلبت مصلحته التقرب إلى قطر وتركيا التي قدم لها سواكن على طبق من ذهب، وهو العلماني عدو الإخوان إذا احتاج دعما سعوديا أو أراد مغازلة القاهرة.

من ذلك مثلا أنه و منذ شهرين، أقر مجلس شورى الحزب الحاكم في السودان باعتماد الرئيس عمر البشير كمرشح باسم الحزب في انتخابات 2020، البشير لم يفوت الفرصة بقفزة بهلوانية جديدة حين أدلى بتصريحات مفاجئة في ختام الجلسة حيث نفى أن يكون حزبه الحاكم حزبًا علمانيًا قائلًا “نحن حركة إسلامية كاملة الدسم، وليس لدينا عصبية لاسم، من جبهة الميثاق وحتى حزب المؤتمر الوطني”.

تلك التصريحات “البشيرية” الجديدة تأتي متناقضة كليًا مع تصريحات أخرى غير مسبوقة أدلى بها لصحيفة إماراتية رسمية واعتبر فيها أن الإخوان يهددون استقرار الدول العربية!

التصريح المفاجئ للبشير في ختام الشورى كان مفاجئًا حتى للإسلاميين أنفسهم لأنه جاء في وقتٍ كان الرئيس عمر البشير وقيادات الحزب الحاكم يجتهدون في إنكار الصبغة الإسلامية على حكمهم ويقولون لدول الخليج التي تعادي الإخوان “السعودية والإمارات” أن الإخوان المسلمين في السودان ليسوا إلا جزءا صغيرا من تحالف عريض يحكم البلاد تحت مسمى “حكومة الحوار الوطني”.

البشير يمارس ما مارسته حركة الاخوان المسلمين من التقية في مصر وغيرها من البلدان العربية سابقا ومجرد ما يتم لهم التمكين يكشفون عن صبغتهم الاسلاموية ومحاولة وضع الدين فوق المواطنة وتقسيم الشعوب وتوزيع صكوك الاسلام على مريديهم واتباعهم، لكن حالة البشير مختلفة، فهو يمزج بين العسكرتاريا والأيدولوجيا بأكروباتية لم تعد تثير دهشة أحد.

المشكلة الأكبر، أنه وطوال فترة “الحكم البشيري”، فإن سلطته أفرغت المشهد من بدائل سودانية حقيقية وجعلت السياسيين السودانيين المعارضين له على الهامش، مما يجعل انتخابات 2020 فعلا انتخابات صعبة على أي منافس له، ما لم تتحرك القوى الوطنية السودانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق