شرق أوسط
عائلات تفر تحت المطر بعيداً عن الجوع والقصف في آخر جيب للارهابيين في شرق سوريا
ـ الهول ـ خلال رحلة شاقة وفي أجواء ممطرة وضبابية، وضعت كاملة موسى مولودها الجديد فرج قبل أن تنهض وتكمل طريقها إلى مخيم الهول للنازحين، بحسب روايتها، بعدما فرت وعائلتها من آخر جيب يسيطر عليه تنظيم داعش في شرق سوريا.
وبرغم برد الصحراء القاسي، فرّ خلال الأشهر الماضية آلاف المدنيين من القصف والمعارك في الجيب الواقع في ريف دير الزور الشرقي حيث تخوض قوات سوريا الديموقراطية، تحالف فصائل كردية وعربية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، عملية عسكرية لطرد التنظيم المتطرف.
تحت خيمة ضخمة تضم عشرات النازحين الجدد في مخيم الهول في محافظة الحسكة (شمال شرق)، تجلس كاملة، الشابة العشرينية، مع زوجها وبناتها الثلاث وفي حضنها مولودها الجديد فرج، وعمره أيام قليلة فقط.
وتقول الشابة السمراء التي وضعت حجاباً وفوقه طاقية صوفية خضراء اللون تقيها البرد، لوكالة فرانس برس، “قاومت الجوع والخوف والمطر، لكننا الحمد الله وصلنا إلى هنا”.
وفرت كاملة وعائلتها من بلدة الشعفة التي تشكل إلى جانب بلدتي السوسة وهجين أبرز بلدات الجيب المحاذي للحدود العراقية. وعانت ومعها العشرات من الفارين من القصف والمعارك، من رحلة شاقة قطعوا خلالها عشرات الكيلومترات في الصحراء.
وتروي كاملة كيف اضطروا إلى المشي أياما عدة قبل أن يصلوا إلى حواجز قوات سوريا الديموقراطية، وتم نقلهم منها في حافلات إلى مخيم الهول.
وتقول المرأة التي لا تزال تعاني من ألم الولادة، “كنت خائفة جداً على حملي حين خرجت، لكنني وَلدت في الطريق، وابني يعيش اليوم”. وتضيف “بعدما وضعت طفلي، حملته في يدي ومشيت في مقدمة المجموعة”.
وتعيش كاملة حاليا مع عشرات النازحين في خيمة ضخمة في انتظار انتهاء الإجراءات اللازمة لتوزيع العائلات على خيم صغيرة مخصصة لها.
ويعبر زوج كاملة، أبو فرج، بدوره عن فرحته بانتهاء كابوس القصف والمعارك. ويقول الشاب الثلاثيني “دفعنا الجوع إلى الخروج من هناك، لم يتبق أي طعام، وكل شيء تدمر. خفنا على أطفالنا”.
وفرّ حوالى 16500 شخص من الجيب الواقع في ريف دير الزور منذ تموز/يوليو الماضي، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
“السوسة مدمرة”
ووصل على مراحل خلال الأيام الماضية أكثر من 1700 نازح منهم إلى مخيم الهول، وفق ما يقول مسؤول المخيم محمد ابراهيم لفرانس برس، مشيراً إلى أن العمل جار على تأمين البطانيات والاسفنجات والحصص الغذائية لهم.
تحت إحدى الخيم، جلس عشرات النازحين من رجال وأطفال ونساء يرتدون ثياباً سميكة، وغالبيتهم يلفون أنفسهم ببطانيات تقيهم البرد. وكان بينهم طفل يلعب ببالون أخضر، فيما كان عدد من الموجودين يأكلون الخبز أو المعلبات”.
وتقول ذيبة الأحمد، الخمسينية والوالدة لأربعة أطفال، وهي جالسة على الأرض، إنها فرت من بلدة السوسة، مضيفة “لا يزال زوجي وابنتي وجدتي وضرتي هناك، على أمل أن يلحقوا بنا ويأتوا بآلياتنا” الزراعية معهم.
وتوضح “بالي مشغول عليهم. لا نعلم ماذا سيحدث لهم، القصف مخيف والجوع شديد، الوضع كان مرعباً”.
وتتابع “لا أحد يحب أن يترك دياره، لكن الضغط كان كبيراً علينا وخصوصاً جراء الجوع، الاطفال كانوا جائعين ولم يتبق لدينا طعام”.
تتحسر الأحمد على بلدتها، وتقول “السوسة مدمرة تماماً، المنازل والمحلات سويت أرضاً”.
ويبدو التعب واضحاً على النازحين الجدد ممن امتلأت ثيابهم بالوحل وغطى الغبار وجوههم.
وتقود قوات سوريا الديموقراطية منذ 10 أيلول/سبتمبر هجوماً لطرد تنظيم داعش من آخر مناطق جبلية تحصنوا فيها بمحاذاة الحدود العراقية، إلا أن التنظيم يدافع بشراسة عن المنطقة التي تتعرض لغارات وقصف مدفعي عنيف. ويقدر التحالف وجود نحو ألفي ارهابي فيها.
ومنذ بدء الهجوم، قتل أكثر من 850 مقاتلاً من التنظيم و500 من قوات سوريا الديموقراطية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي وثق أيضاً مقتل نحو 320 مدنياً، بينهم 113 طفلاً، غالبيتهم في غارات للتحالف.
“ألغام وقيادات”
وفتحت قوات سوريا الديموقراطية، وفق مسؤولين، خلال الفترة الماضية “ممرات آمنة” لخروج المدنيين.
ويروي أبو عمر، أحد النازحين من الشعفة والذي فضل استخدام اسماً مستعاراً، “الحصار والجوع دفعا الناس للخروج من منازلهم والهروب من قراهم وترك أغراضهم وأرزاقهم خلفهم”.
ويضيف “الطرقات كلها مزروعة بالألغام القرى ومنازلنا تدمرت جراء القصف”. ويشير إلى أن “هناك قيادات كبيرة (من التنظيم) وبينهم أجانب (في الجيب)، لكن غالبيتهم ذهبوا إلى خطوط الجبهة” في بلدة هجين التي تشهد منذ أيام عمليات كر وفر بين قوات سوريا الديموقراطية والتنظيم المتطرف.
وخلال الفترة الماضية، استفاد التنظيم المتطرف من سوء الأحوال الجوية ومن خلاياه النائمة في محيط الجيب ليشن هجمات مضادة ضد قوات سوريا الديموقراطية ويجبرها على التراجع بعدما كانت قد أحرزت تقدماً ميدانياً. وأسفر هجوم واسع الشهر الماضي عن مقتل 92 عنصراً من تلك القوات.
وأرسلت قوات سوريا الديموقراطية خلال الأسابيع الماضية بدورها مئات المقاتلين إلى خطوط الجبهة، وتمكنت من التقدم في محيط بلدة هجين.
ويتوقع أبو عمر ألا يستسلم مقاتلو التنظيم “بسهولة”، ويقول “سيقاتلون حتى الموت، هذه عقيدتهم”. (أ ف ب)