السلايدر الرئيسيشرق أوسط
نتنياهو يواصل اللعب في “الوقت الضائع” مع غزّة ولبنان.. والكنيست يبحث عن دعمٍ لإسرائيل في موسكو!
جمال دملج
– بيروت – من جمال دملج – لم تكد موسكو تودِّع أعضاء البعثة العسكريّة الإسرائيليّة الذين قاموا بزيارتها نهار أوّل من أمس الثلاثاء بغية إطلاع نظرائهم في المؤسّسة العسكريّة الروسيّة على حيثيّات عمليّة “درع الشمال” الجارية على قدمٍ وساقٍ عند تخوم الحدود اللبنانيّة، حتّى شرَّعت أبوابها مجدَّدًا اليوم الخميس لاستقبال وفدٍ برلمانيٍّ إسرائيليٍّ قرَّر أن يزورها على عجلٍ للغاية نفسها، الأمر الذي يعكس في أحد أبرز تجلّياته مدى رغبة الدولة العبريّة في طيّ صفحة التوتُّر الذي استجدّ على مسار علاقاتها مع روسيا بسبب “دورها المشبوه” في حادثة إسقاط طائرة الـ “إيل 20” قبالة سواحل اللاذقيّة يوم السابع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) الفائت، وبالتالي مدى حرصها على إيجادِ تفهُّمٍ في أوساط إدارة الرئيس فلاديمير بوتين لتحرُّكاتها الأخيرة بالقرب من كلٍّ من قطاع غزّة وجنوب لبنان، ولا سيّما بعدما بات في حُكم المؤكَّد أنّ مجرَّد الإقدام على أيِّ خطواتٍ مفصليّةٍ في منطقة الشرق الأوسط من دون التنسيق مع روسيا، منذ بداية مرحلة انخراطها العسكريّ المباشِر في الساحة السوريّة قبل ثلاثِ سنواتٍ وحتّى يومنا الراهن، لا بدَّ من أن يبدو في المحصِّلة النهائيّة أشبه ما يكون إلى “التغريد خارج السرب”، وبالتالي، لا بدَّ من أن يؤول إلى الفشل المحتَّم، على غرار ما شهدناه خلال الأشهر القليلة الماضية إثر نجاح القيادة الروسيّة في وضْعِ حدٍّ نهائيٍّ لتغريد المقاتلات الإسرائيليّة خارج سرب خططها الاستراتيجيّة الموضوعة للمنطقة بمجرَّدِ تسليمِ المؤسّسة العسكريّة السوريّة منظومة صواريخ “إس 300” الدفاعيّة الجوّيّة، علمًا أنّ الصفقة المبرَمة بين موسكو ودمشق بهذا الخصوص تعود أصلًا إلى أكثر من ثمانيةَ عشرَ عامًا من الزمان.
على هذا الأساس، لم يكن من المستغرَب أن تستبِق صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسيّة وصول وفد البرلمانيّين الإسرائيليّين بنشر مقالٍ للكاتب إيغور سوبوتين تحت عنوان: “إسرائيل تنتظر من بوتين دعم درع الشمال”، وهو المقال الذي يندرج في سياق ما درجت العادة على تسميته بـ “المكتوب الذي يُعرَف من عنوانه”، ولا سيّما بعدما ركَّز سوبوتين على أنّ تدمير أنفاق “حزب الله” على الحدود مع لبنان سيكون أحد الموضوعات الرئيسيّة التي سيثيرها أعضاء الوفد مع نظرائهم من البرلمانيّين الروس، لافتًا إلى أنّ هذا اللقاء سيكون الأوّل من نوعه منذ أن توتَّرَت العلاقات بين روسيا وإسرائيل على خلفيّة حادثة إسقاط طائرة الـ “إيل 20” الآنفة الذكر، وناقلًا عن عضو الكنيست الإسرائيليّ ورئيس “مشروع الديبلوماسيّة العامّة في الكونغرس اليهوديّ – الأوراسيّ” أرييل بولشتاين قوله: “عندما تشتكي إسرائيل بحقٍّ من أنّ حربًا إرهابيّةً تُشنُّ ضدَّها في الجنوب من قِبل حماس وفي الشمال من قِبل حزب الله، نودُّ أن تقوم روسيا، التي تقول دائمًا إنّها ضدَّ المعايير المزدوَجة، ضدَّ الإرهاب وضدَّ تقسيم الإرهابيّين إلى خيِّرين وشرِّيرين، باعتماد كلماتها كدليلٍ عمليٍّ”.
وعلى رغم أنّ هذا الكلام لا يمكن أن يكون قابلًا للصرف في أوساط القيادة الروسيّة التي دائمًا ما أثبتَت براعتها وجدارتها من حيث قدرتها الفائقة على الإبحار في مضائق الأزمات الإقليميّة والدوليّة بما لا يتنافى مع قواعد الشرعيّة الدوليّة وأسس العلاقات الثنائيّة أو التحالفات المشترَكة بين الدول، فإنّ كاتب المقال المذكور في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” مضى في نقل وجهة نظر البرلمانيّ الإسرائيليّ من خلال التأكيد على أنّ وصول ممثِّلي الكنيست لا صلة له بأيِّ شكلٍ من الأشكال بزيارة الوفد العسكريّ إلى موسكو، وإنّما يدلّ إلى أنّ الأشياء في إسرائيل مفهومةٌ للجميع، بحيث “من الضروريّ تعزيز العلاقات مع أكبر عددٍ ممكنٍ من البلدان، بما في ذلك روسيا، خاصّة عندما تكون هناك اختلافات في المواقف بين بلدينا”، على حدِّ تعبيرِ بولشتاين الذي أضاف قائلًا: “عندما تجدُ أيّ قوّةٍ تتحدّى الولايات المتّحدة فجأةً تفهُّمًا معيَّنًا في موسكو، فهذا نهجٌ قصيرُ النظر، لأنّ هذه القوّة، مثل إيران، ستُظهر عاجلًا أم آجلًا جوهرها الحقيقيّ، ليس فقط فيما يتعلَّق بأعدائها الرئيسيّين مثل الولايات المتّحدة وإنّما الآخرين”، وهي وجهة النظر التي بدَت كما وأنّها تستهدف في المقامِ الأوّلِ التمهيدَ لدقِّ إسفينٍ في مسار العلاقات الروسيّة – الإيرانيّة، من دون الأخذ في الاعتبار أنّ كافّة تجارب الماضي أظهرَت بوضوحٍ أنّ هذه العلاقات ظلَّت محصَّنةً ضدَّ عوارض الإصابة بالاهتزاز حتّى في أوقاتِ الشدّة.
وإذا كان السؤال الذي يُفترَض أن يطرَح نفسه في ضوء ما تقدَّم لا بدَّ من أن يتركَّز على محاولة معرفة الأسباب التي أوصلَت الإسرائيليّين إلى هذا الدرَك المتمثِّل في الإقدام على خوض مغامراتٍ محكومةٍ بالفشل مسبَّقًا، ومقامراتٍ محكومةٍ بالخسارة الأكيدة، فإنّ أيَّ إجاباتٍ عن هذا السؤال خارج نطاق التسليم بالبديهيّة القائمة على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو المأزومَ سياسيًّا، والمحاصَرَ وزوجته سارة بتهمٍ تتعلَّق بالفساد، هو الذي تسبَّب بكلِّ هذا الكرِّ والفرِّ، ستكون بمثابةِ ضحكٍ على الذقون، أو ربّما ستندرج في سياق محاولاتٍ مستميتةٍ لتبرير التستُّر، ولو إلى حينٍ، خلف الآمال التي يضعُها الخاسرون عادةً على النتائج المتوخّاة من مواصلة اللعب في الوقت الضائع… وحسبي أنّ الهدوء اللافت الذي تمايزت به ردود أفعال “حزب الله” على قضيّة الأنفاق المزعومة لغاية الآن إنْ دلّ إلى شيءٍ، فهو يدلّ إلى أنّ قيادة الحزب باتت تعرف مسبَّقًا، شأنها شأن القيادات السياسيّة والعسكريّة اللبنانيّة، طبيعة هذه النتائج في شتّى الأحوال والظرف… والخير دائمًا من وراء القصد.