مصطفى زين
السوريون الأكراد فريسة للصراع التركي – الأميركي في شمال شرقي الفرات. يكررون تجربة «اقترفوها» في محطات كثيرة من تاريخهم، فلا واشنطن في وارد التضحية بعلاقاتها التاريخية مع أنقرة، ولا الأخيرة تستطيع الإستغناء عن الحلف الأطلسي. وما التجاذبات الحالية بين الطرفين سوى تعبير عن الخلاف بينهما على مدى نفوذ كل منهما على الأرض السورية، تمهيداً لفرض شروطه خلال المفاوضات السياسية مع موسكو ودمشق في مؤتمر يعقد في جنيف لاحقاً، وفي يد كل من المفاوضين أوراق قوة، أو فلنقل جماعة سورية يتكلم باسمها ويطالب بـ «حقوقها».
الولايات المتحدة غيرت الجماعات التي تتكلم باسمها في سورية مرات عدة، فبعدما كانت تدعم «المسلحين المعتدلين»، و»الجيش الحر» تخلت عنهما، وحاولت تشكيل جماعتها الخاصة لكنها فشلت، بعدما اكتشفت أن معظم الذين دربتهم التحقوا بالجماعات الإرهابية. وامتنعت فترة طويلة عن اعتبار «النصرة» جبهة إرهابية ثم اقتنعت وأقتعت انقرة بذلك. ثم غيرت حجتها في إقامة قواعد عسكرية شرق الفرات بالقضاء على «داعش» وربطته بالوجود الإيراني، على ما أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون الأسبوع الماضي. وهذه هي الحقيقة، فمعروف أن هدفها الإستراتيجي منع التواصل الإيراني السوري – العراقي والحد من نفوذ طهران في بلاد الشام امتداداً إلى بيروت. هدف لا يتناقض مع طموحات أردوغان الساعي، منذ بداية الحروب على سورية، إلى تحقيق حلم عثماني – تركي قديم باقتطاع أجزاء من سورية وتنصيب الإخوان المسلمين في سدة الحكم في دمشق لضمان نفوذ دائم في هذا البلد.
لكن الحلم الأردوغاني يصطدم باستراتيجية البيت الأبيض في ما يتعلق بالأكراد، فواشنطن ترى فيهم أداة للفصل بين بغداد ودمشق من خلال إقامة كانتون خاص بهم، يشبه إقليم كردستان في العراق ويشكل عنصر تهديد دائم لأي نظام في سورية، بينما ترى فيهم تركيا خطراً يهدد وحدتها، نظراً إلى علاقاتهم مع أكرادها الذين يخوضون صراعاً مسلحاً ضدها منذ ثمانينات القرن الماضي. وتصاعد هذا الخلاف بين الحليفين في الآونة الأخيرة، ففيما تصر واشنطن على دعم «وحدات الشعب» وتمكنها من بسط سلطتها على المزيد من الأراضي في شرق الفرات، وتحميها وترعى تغييرها ديموغرافية المنطقة بطرد العرب منها واعتماد مناهج دراسية لا تقرها الحكومة السورية، تهدد أنقرة باجتياح المدن التي تسيطر عليها هذه «الوحدات»، معتمدة على قواتها العسكرية الخاصة بدلاً من «جبهة النصرة» و»حركة نور الدين زنكي» ومسلحي «الإيغور» الصينيين وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي رعتها منذ بداية الأحداث في سورية.
في إعلان عزمه على تحريك جيشه إلى شرق الفرات، حيث القواعد الأميركية، قال أردوغان إن هدفه «القضاء على الإرهاب» في هذه المنطقة، يقصد «وحدات الشعب» الكردية بطبيعة الحال، وأكد أنه لن يصطدم بالجيش الأميركي، أي أن تحركه لن يتجاوز العمل للحد من تعاظم نفوذ الأكراد، ووقف مخططهم لإقامة «حكم ذاتي» يهدد الأمن القومي التركي، مثلما يهدد الأمن القومي العراقي والسوري والإيراني أيضاً.
ليس سراً أن العسكريين الأتراك ينسقون كل خطوة يتخذونها مع نظرائهم الأميركيين، كما ليس سراً أن التنسيق قائم بين البلدين على المستوى السياسي، وحل الخلافات بينهما لن يكون على حساب اي منهما بل على حساب الذين يقاتلون ويتقاتلون نيابة عنهما، متوهمين انتصاراً في حرب ليست حربهمم، تغريهم تجربة بارزاني المعزول في شمال العراق.
الأكراد مؤمنون لكنهم يلدغون من جحر الدول الكبرى في كل مفصل من مفاصل التاريخ.
الحياة اللندنية