السلايدر الرئيسيشرق أوسط
قضيّةُ الأنفاق الحدوديّة إلى مجلس الأمن الأربعاء المقبل.. وتضاربٌ حول موعد زيارة موفد بوتين لبيروت!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ في انتظار عودة رئيس الوزراء اللبنانيّ المكلَّف سعد الحريري من العاصمة البريطانيّة في غضون الساعات القليلة المقبلة بغية استقراءِ ملامحِ أيِّ خرقٍ محتمَلٍ من شأنه أن يؤدّي إلى تحريك ملفّ الولادة الحكوميّة المتعثِّرة منذ ما يزيد عن سبعةِ أشهرٍ من الزمان، جاءت التسريبات الصحافيّة التي تحدَّثَت البارحة عن اعتزام الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إيفادَ ممثِّلٍ شخصيٍّ له إلى لبنان قبل حلول موعد عطلة عيد الميلاد لتعكس مدى الأهمّيّة التي باتت تحظى بها الأوضاع الداخليّة اللبنانيّة في أجندات صنّاع القرارات الدوليّة الكبرى في العالم، سواءٌ من حيث تداعيات أزمة تشكيل الحكومة العتيدة وتعقيداتها المتشعِّبة أم من حيث التطوُّرات المفتوحة على كافّة الاحتمالات في ضوء استمرار عمليّة “درع الشمال” الإسرائيليّة عند تخوم المناطق الحدوديّة مع لبنان، ولا سيّما بعدما تزامنَت هذه التسريبات مع الإعلان عن أنّ مجلس الأمن الدوليّ سيعقد جلسةً خاصّةً نهار الأربعاء المقبل لبحث ما بات يُعرَف بـ “قضيّة الأنفاق الهجوميّة” التي تزعم إسرائيل أنّ “حزب الله” تمكَّن من فتحها عبْر المناطق الحدوديّة، وهي الجلسة التي يُقال إنّها تأتي في سياق مسعى كلٍّ من تلّ أبيب وواشنطن لنقل ملفّ القضيّة إلى المجلس تمهيدًا لطرحِ فكرةِ إدخالِ تعديلاتٍ على القرار الدوليّ رقم 1701، بما في ذلك تعديل مهمّة قوّات الـ “يونيفيل” على جانبيْ “الخطّ الأزرق”، الأمر الذي يستوجب الإسراع في اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بتحصين الساحة الداخليّة اللبنانيّة في مواجهة التحدّيات المرتقَبة، أقلّه عن طريق إنهاء الأزمة الحكوميّة الراهنة وإخراجها من نطاق التجاذبات الكيديّة ومتاهات لعبة شدّ الحبال.
وعلى رغم أنّ مصادرَ مقرَّبةً من دوائر صنْع القرار في موسكو كانت قد استبعدَت في اتّصالٍ هاتفيٍّ مع “” اليوم السبت أن تتمّ زيارة الموفد الرئاسيّ الروسيّ لبيروت في الموعد الذي أشارَت إليه تسريبات البارحة، أيْ قبل عطلة عيد الميلاد المجيد، فإنّ ذلك لا يُلغي بالطبع الفرضيّة القائمة على أنّ سياسة الكرملين حيال لبنان تتركَّز في الوقت الراهن على اتّجاهيْن اثنيْن، أحدهما يتعلَّق بوجوب العمل على تثبيت الهدوء والاستقرار في الجنوب تفاديًا لأيِّ أمرٍ طارىءٍ قد ينجُم عن عمليّة “درع الشمال” الإسرائيليّة، والآخَر يتمثَّل في الدعوة إلى تشكيل الحكومة في وقتٍ سريعٍ من أجل الحفاظ الحفاظ على الاستقرار الداخليّ والاستفادة من حزمة المساعدات الدوليّة للبنان، سواء من خلال مقرَّرات مؤتمر “سيدر” وغيره من المؤتمرات المشابِهة أم من خلال استمرار التوافُق الإقليميّ والدوليّ على تحييد الساحة اللبنانيّة عن مخاطر الاحتراق بلهيب صراعات المنطقة، وهما الاتّجاهان اللذان تقول المصادر إنّهما نابعان من طبيعة النظرة التاريخيّة الروسيّة إلى لبنان باعتباره الوطن – الرسالة، وليس الوطن – صندوق البريد، ناهيك عن أنّهما يجسِّدان بالتالي الرغبة التي غالبًا ما يعبِّر عنها المسؤولون الروس لدى استقبال المسؤولين اللبنانيّين في مجال تحويل بيروت إلى بوّابةٍ اقتصاديّةٍ لموسكو على طريق عمليّة إعادة إعمار سوريا الوشيكة جدًّا، وكذلك في مجال تنشيط حركة الاستثمارات الروسيّة في الأسواق اللبنانيّة، الأمر الذي كان قد تجلّى، على سبيل المثال وليس الحصر، بعدما تمَّ التوقيع في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحاليّ على اتّفاقيّةٍ يقوم بموجبها الكونسورتيوم المؤلَّف من شركات “نوفاتيك” الروسيّة و”توتال” الفرنسيّة و”إيني” الإيطاليّة بالعمل على استخراج النفط والغاز من كتلتيْن كاملتيْن تقعان في مياه لبنان الإقليميّة، إيذانًا بافتتاح موسم الاستفادة من مكامِن مصادر الطاقة، للمرّة الأولى في التاريخ اللبنانيّ الحديث، اعتبارًا من منتصف عام 2019 المقبل.
وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ موسكو عادةً ما تنظر إلى مثل هذه الاتّفاقيّات والصفقات باعتبارها امتدادًا لمجموعةِ أدواتٍ تستخدمها في سياساتها الخارجيّة من أجل توفير المزيد من فرص الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط وإظهار قوّتها في حوض البحر الأبيض المتوسّط، فإنّ اثنين لا يمكن أن يختلفا أيضًا على أنّ الحرص على ترسيخ ركائز ومقوِّمات الأمن والاستقرار في بلدٍ مثل لبنان يُعتبَر شرطًا أساسيًّا لضمان المحافظة على استمراريّة نجاح تلك الفرص، ولا سيّما بعدما أدَّت إرهاصات الأزمة الحكوميّة الراهنة، معطوفةً على إرهاصات أزمة الأنفاق الحدوديّة المفتعَلة، إلى تعديل النظرة المستقبليّة لتصنيف لبنان من مستقرَّةٍ إلى سلبيَّةٍ جرّاء تصاعُد التوتُّرات الداخليّة والجيوسياسيّة، وفقًا للإعلان الأخير الصادر عن وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانيّة، الأمر الذي دفع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل إلى التعقيب عليه في تغريدةٍ عبْر حسابه على موقع “تويتر”، معتبِرًا أنّ “تقرير موديز الذي حافظ على تصنيف لبنان مع تغيير النظرة إلى سلبيّةٍ يفرض على الجميع الانتباه إلى المضمون الصحيح الذي يؤكِّد على أهمّيّة تشكيل الحكومة والبدء بالإصلاحات لإعادة الثقة وتخفيف معدَّل المخاطر وتخفيف العجز”، ومنوِّهًا بأنّه “إذا كان هذا الأمر ممكنًا الآن، فربّما سنخسر فرصته بعد أشهرٍ إذا ما بقيت النظرة السلبيّة نفسها”.
على هذا الأساس، يُصبح في الإمكان القول بكلِّ أمانةٍ إنّ الكرة باتت مرميّةً اليوم في ملعب اللبنانيّين دون سواهم للاستفادة من فرص الاهتمام الدوليّ بشؤونهم وشجونهم قبل فوات الأوان، سواءٌ إذا تمَّت زيارة الموفد الرئاسيّ الروسيّ في غضون الأيّام القليلة المقبلة أم إذا كانت ستتمُّ في مراحلَ لاحقةٍ بعد عطلة الأعياد، ولا سيّما أنّ الخطوة الأمريكيّة – الإسرائيليّة في نقل قضيّة الأنفاق الحدوديّة إلى مجلس الأمن الدوليّ نهار الأربعاء المقبل سوف يترتَّب عليها بالطبع المزيد من التحدّيات التي تستوجب الإسراع في تشكيل حكومةِ وحدةٍ وطنيّةٍ متماسِكةٍ وقادرةٍ على المواجهةِ والردِّ وفقًا للقواعد المعمول بها لدى تعامُل الأطراف المتواجِهين مع بعضهم البعض على أساس الندِّ للندِّ، وخصوصًا إذا أضفنا إلى ما تقدَّم أنّ الغاية من وراء تلك الخطوة تتمثَّل في محاولة التمهيد لدقِّ إسفينٍ أمميٍّ، بغطاءٍ أميركيٍّ وإسرائيليٍّ، ما بين الدولة اللبنانيّة وما بين “حزب الله”، سعيًا إلى زعزعة الأسس التي قامت عليها معادلة “الشعب الجيش والمقاومة” الراسخة حتّى النخاع في وجدان اللبنانيّين… وحسبي أنّ أيَّ تهاوُنٍ من قِبل أيِّ طرفٍ لبنانيٍّ في مجال وجوب التمسُّك بآليّات هذه المعادلة للحفاظ على سيادة البلد في هذا الوقت بالتحديد، وحتّى إشعارٍ آخَر، سيكون إثمًا عظيمًا بكلِّ ما يحمله التوصيف من معاني… والخير دائمًا في المعادلات التي تحفظ لبنان “من شرِّ كلِّ حاسِدٍ إذا حسَدَ” من وراء القصد.