د. عماد بوظو
اعتمدت منظمة الصحة العالمية اليوم الأول من كانون الأول/ديسمبر من كل عام كيوم عالمي للإيدز (فيروس نقص المناعة)، يخصص للتوعية من مخاطر هذا المرض وطرق انتقاله وكيفية التعامل السليم مع المصابين وحاملي الفيروس المسبب له.
وفي هذه المناسبة، قال المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية إن العدد السنوي للإصابات الجديدة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية قد انخفض عالميا بنسبة 18 في المئة، لكن الإصابات الجديدة بالفيروس ارتفعت في إقليم شرق المتوسط.
أرفقت منظمة الصحة العالمية تقريرها بمجموعة من الإحصائيات عن وضع الإيدز في هذا الإقليم حتى نهاية عام 2017، بينت فيها أن عدد حالات الإصابة بالفيروس بلغت 350 ألفا، بينها 12 ألف طفل دون الرابعة عشرة من العمر، وأن هناك 36 ألف حالة إصابة جديدة بالفيروس، و16 ألف حالة وفاة ناجمة عن هذا المرض.
وبالمقارنة مع عام 2010 فقد ارتفعت نسبة حالات العدوى الجديدة 28 في المئة وهو أعلى معدل بين جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية. كما ارتفع عدد حالات الوفيات الناجمة عن هذا الفيروس بنسبة 31 في المئة، وارتفعت نسبة الأطفال حاملي المرض 44 في المئة، وقالت المنظمة إن 18 في المئة فقط من أصحاب الإصابات المعلنة في الإقليم يتلقون العلاج.
وكان شعار حملة هذا العام “أوقفوا الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية الآن، وقاية، اختبار، علاج”.
الإيدز، هو مرض يصيب جهاز المناعة في الجسم ما يؤدي إلى إضعافه تدريجيا ليجعل المصابين به عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية والجرثومية والأورام، يسبّبه فيروس إتش آي في، والذي ينتقل نتيجة اتصال مباشر بين سائل جسدي يحمل هذا الفيروس مثل الدم أو السائل المنوي أو المفرزات المهبلية مع غشاء مخاطي أو المجرى الدموي لشخص آخر.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن 75 في المئة من الإصابات الجديدة، ما عدا دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، تحدث عند المشتغلين بالجنس، أو نتيجة العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور، أو عند متعاطي المخدرات حقنا، بالإضافة للشركاء الجنسيين لهذه الفئات.
لا يوجد حتى اليوم علاج شاف لهذا المرض رغم وجود أدوية تلطيفية قللت كثيرا من معدل الوفيات الناتجة عنه، ولكنها مرتفعة التكلفة، لذلك يتم التركيز دائما على الوقاية في سبيل التحكم بانتشار مرض الإيدز كوباء.
احتلت إيران المركز الأول بين دول الإقليم من ناحية تزايد أعداد المصابين بالإيدز حسب منظمة الصحة العالمية، تلتها في المرتبة الثانية السودان ثم الصومال ثم مصر. قالت صحيفة كيهان في نهاية عام 2017 إن نائب وزير الصحة فريد براتي سده حذر من تفشي الإيدز في إيران، فقد نشرت دائرة الإيدز في الوزارة أن هناك 66 ألف و359 شخصا مصابون بالإيدز بينهم 30 ألفا و360 حالة تم اكتشافها حديثا، بينما تتحدث أغلب التقديرات شبه الرسمية عن 90 إلى 100 ألف إصابة؛ ولكن أطباء ونشطاء إيرانيين مستقلين يشككون في هذه الأرقام ويقدرون أن عدد الإصابات الحقيقي أضعاف ذلك.
من الطبيعي أن يكون لانتشار الإيدز في إيران انعكاسات مباشرة على العراق وسوريا ولبنان نتيجة انتشار الميليشيات الإيرانية في هذه البلدان والتداخل السكاني نتيجة رحلات الحج والسياحة والبعثات الدراسية المتبادلة بين هذه البلدان، ورغم ذلك فإن الأرقام الرسمية العراقية تتحدث عن أن مجموع المصابين بالإيدز في العراق هو 241 شخصا فقط، وهذا الرقم لا يبدو واقعيا، ولكن قد يكون سببه أن الاعتراف بالإصابة بالإيدز في العراق، ضمن واقع ضعف أجهزة الدولة وهيمنة الميليشيات وزعماء العشائر، يعني الحكم اجتماعيا، وربما جسديا، بإعدام الشخص المصاب خاصة إذا كان امرأة لأن هذا يعتبر دليلا على علاقة جنسية.
أما في الدول الفاشلة، مثل سوريا، فإن ارتفاع أعداد المصابين بالإيدز يبدو متوقعا نتيجة تفشي المخدرات والدعارة بسبب تدهور الوضع المعيشي للمواطنين لحدود المجاعة؛ لكن ذلك لم ينعكس في الإحصاءات الرسمية لأن الاعتراف بانتشار هذا المرض يكشف جانبا إضافيا للمأساة السورية التي سبّبها النظام.
تتحدث الأرقام في لبنان عن 108 إصابة جديدة عام 2016، وقفز الرقم إلى 205 إصابة مسجلة عام 2017 وإن ارتفاع العدد لقريب الضعف خلال سنة واحدة يؤكد على صحّة تقديرات منظمة الصحة العالمية.
تقول وزارة الصحة المصرية إن عدد المصابين بالفيروس لا يتجاوز السبعة آلاف، ولكن صحيفة “واشنطن بوست” قالت في نهاية عام 2017 إن الإيدز ينتشر بصمت بين الشباب والمراهقين في مصر.
ويتوقع الدكتور أحمد خميس من وكالة الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز، أن هناك زيادة سنوية في حالات الإصابة بمعدل بين 25 و35 في المئة بسبب نقص التمويل ونبذ وعزلة المجتمع للمصابين. وتتحدث تقديرات المؤسسات المستقلة غير الحكومية عن أرقام مختلفة تماما تتراوح بين مئتي ألف وربع مليون إصابة، وهذا يعني عشرات أضعاف الأرقام الرسمية بما يوضح حجم المشكلة التي ستظهر للعلن عاجلا أو آجلا.
وفي عام 2017 كان عدد المصابين بالإيدز في السعودية، حسب الإحصاءات الرسمية، بحدود 24 ألفا بينهم 7188 سعوديون أغلبيتهم من الذكور بنسبة أربعة إلى واحد. 94 في المئة من الإصابات نتجت عن العلاقات الجنسية؛ تتماشى هذه النسب مع الانطباع بأن الدعارة وتعاطي المخدرات عن طريق الحقن في السعودية أقل من بقية دول الإقليم نتيجة العقوبات المشددة تجاه هذه الممارسات، ولكن في المقابل تشير النسبة المرتفعة للذكور المصابين مقارنة مع الإناث إلى أن العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور تلعب دورا رئيسيا في انتشار هذا المرض، نتيجة المجتمع المغلق الذي يقيّد الاختلاط بين الجنسين بما يشبه وضع السجناء والبحارة والجنود.
بينما في الكويت ونتيجة الانفتاح الاجتماعي الأكبر نسبيا وهامش الحرية السياسي الأوسع، فإن من الممكن أخذ فكرة أكثر دقة عن واقع المرض وطرق الإصابة به؛ تقدر الأرقام الرسمية أن عدد المصابين في الكويت في نهاية عام 2017 كان 400 حالة، ولكن الدكتورة هند الشومر الرئيسة السابقة لمكتب الإيدز والإحصائيات والمعلومات في وزارة الصحة الكويتية تقول إن هذه الأعداد تمثل قمة جبل الجليد، لأنها تكتشف في سياق فحوصات طبية تشمل شرائح محدودة من المجتمع، بينما إذا أردنا معرفة الأعداد الحقيقية فعلينا إجراء الفحوصات الطوعية للمواطنين الأكثر عرضة للإصابة. وحسب صحيفة الرأي الكويتية فقد ارتفعت نسبة الإصابة إلى الضعف بين العامين 2010 و2016 ورغم أن هذه النسبة ما زالت أقل من المعدل العالمي، ولكن هذا مؤشر ذو أهمية، وقبل سنوات أثيرت في الكويت قضية شقة الإيدز وهي منزل استخدم كشبكة دعارة للمثليين جنسيا تردد عليها ألف شخص قبل اكتشافها من دون تحديد دقيق لعدد من انتقل إليهم المرض فعلا؛ وشقة الإيدز هذه تكشف إحدى طرق انتقال المرض في دول الخليج.
الإيدز مرض خطير صحيا واجتماعيا واقتصاديا، وأعداد المصابين فيه في شرق المتوسط في ارتفاع. أول خطوة في مواجهته هي الاعتراف بوجود المشكلة بدل إصرار حكومات دول الإقليم على إنكار وجودها ومحاولة إعطاء أرقام أقل من الواقع عن حجمها، ومن ثم وضع استراتيجية شاملة لمواجهة هذا المرض.
قد تكون البداية بفك الحظر المفروض على التطرق إلى المواضيع الجنسية بصراحة مع المراهقين والشباب حتى يستطيع الأهل أو المدرسة أو وسائل الإعلام شرح أهمية استعمال الواقي الذكري في العلاقات الجنسية، لأنه كان السبب الرئيسي في انخفاض عدد الإصابات الجديدة في بقية دول العالم؛ والتعامل مع مرض الإيدز كمشكلة طبية بدل اعتباره دليلا على سلوك غير مقبول اجتماعيا مما يجعل المصاب لا يبوح بحقيقة مرضه مع ما يحمله ذلك من مخاطر نقل المرض لأشخاص آخرين. كذلك يجب الحرص على سرّية المعلومات المتعلقة بالمصابين بالإيدز الذين يراجعون المراكز المتخصصة بما يشجع الآخرين على مراجعة هذه المراكز وإجراء الفحوصات المطلوبة دون الخوف من تسريب معلوماتهم للمحيط الاجتماعي، بالإضافة لقيام السلطات الرسمية بدور حقيقي فعال لعلاج المدمنين على المخدرات باعتباره مرضا قابلا للعلاج بدل اعتباره جريمة لا حل لها سوى العقاب.
الحرة