تحقيقات

تحقيق”سانتياجو، إيطاليا”… كيف أنقذت روما مئات من سكان تشيلي من ديكتاتورية بينوشيه؟

ـ  روما ـ في سبعينيات القرن الماضي، تمكن مئات المعارضين من تشيلي من الفرار من براثن القمع الوحشي الذي كان يمارسه النظام العسكري للجنرال أوجوستو بينوشيه، وذلك بفضل جهود السفارة الإيطالية هناك والتي مكنتهم من الرحيل إلى أوروبا.

ويقول المخرج الايطالي ناني موريتي 65/ عاما/، الذي تم طرح فيلمه الوثائقي “سانتياجو، إيطاليا” في إيطاليا هذا الأسبوع: “إنها قصة إنسانية بسيطة” تستحق أن يتذكرها الناس في ظل الاتجاه الحالي للسياسة الأوروبية، المناهض لللاجئين.

وفي أعقاب الانقلاب الذي قام به الجنرال أوجستو بينوشيه في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 1973 والذي أطاح بحكومة سلفادور أليندي اليسارية الراديكالية، بدأت مطاردة شرسة تستهدف النشطاء اليساريين، فلاذ كثيرون بالسفارة الإيطالية في العاصمة سانتياجو.

وكانت جدران السفارة منخفضة إلى درجة تسمح للناس بما فيه الكفاية بالقفز من فوقها. واستقبلت السفارة خلال الفترة بين عامي 1973 و1975 ، نحو 600 شخص، وأجرى الدبلوماسيون الايطاليون مفاوضات مع النظام ليتم نقل هؤلاء جوا، إلى إيطاليا وإلى دول أوروبية أخرى، تحت غطاء دبلوماسي.

يقول روبرتو توسكانو، وهو أحد الدبلوماسيين الذين تعاملوا مع الأزمة والذي صار في وقت لاحق سفيرا لبلاده لدى إيران والهند: “أعتقد أنها كانت أكثر الأمور القيمة في حياتي المهنية”.

وكان توسكانو آنذاك في أول مهمة له خارج بلاده، وعندما وقع الانقلاب، تصرف وزميله بيترو دي ماسي دون انتظار التعليمات من روما، حيث كان السفير الإيطالي خارج تشيلي، وأرسلت لهم الخارجية الإيطالية تعليمات قليلة.

أما باتريشيا مايورجا، فكانت واحدة من الذين تمكنوا من الفرار بمساعدة إيطاليا. وكانت مايورجا، وهي صحفية تابعة للحركة اليسارية الثورية المتشددة، فرت إلى السفارة وهي مختبئة داخل سيارة، وذلك في تشرين ثان/نوفمبر من عام 1974، ثم غادرت على متن طائرة إلى العاصمة الإيطالية بعد أربعة أشهر.

وتقول مايورجا، التي كانت تبلغ من العمر 23 عاما وقت وقوع انقلاب بيونشيه: “لم أكن شخصا مهما، ولم يكن الأمر يبدو كما لو كانوا يبحثون عني بصورة فعالة، لكن سيرتي الذاتية كانت سيئة بما يكفي بالنسبة للحكم العسكري، وكنت على قائمة /أعداء النظام/”.

وتضيف مايورجا: “الوضع (كان) سرياليا” داخل السفارة، حيث تم تقسيم الناس وفقا لانتماءاتهم الحزبية والوضع الاجتماعي لكل منهم. فعلى سبيل المثال، شغل الاشتراكيون المرآب، في حين غير المتزوجين والعائلات، ينامون في طوابق مختلفة.

كما كان هناك مزيج من الانضباط الحزبي والحيوية الشبابية. وتسترجع مايورجا كيف كانت العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، منتشرة داخل مجمع السفارة. كما تسرد كيف تم طرد أحد الاشتراكيين من حزبه حيث رفض المساعدة في أعمال الطهي داخل السفارة، وتقشير البطاطا.

وتواصلت الجهود الإيطالية، حتى بعد أن زعم النظام العسكري بأن الناشطة الشابة لومي فيديلا، التابعة للحركة اليسارية الثورية المتشددة، قد لقت حتفها خلال حفل ماجن داخل السفارة. وفي الواقع ، كانت فيديلا قتلت بسبب تعذيب الشرطة لها، وقد تم إلقاء جثمانها فوق جدران السفارة لدعم الادعاء الكاذب من قبل النظام.

واستمرت حقبة بينوشيه الديكتاتورية حتى عام 1990، وقد لقي أكثر من 3000 شخص حتفه في ظل حكمه العسكري، الذي كانت تدعمه الولايات المتحدة. كما تم سجن، أو تعذيب، أو خطف عشرات الآلاف.

ولدى وصول لاجئي تشيلي إلى إيطاليا، كان يتم تسكينهم في فنادق لبضعة أسابيع، ثم يتم عرض أموال عليهم وتوفير فرص عمل لهم، ويرجع ذلك بصورة كبيرة إلى جهود الحزب الشيوعي الإيطالي المعارض، الذي كان آنذاك في أوج نفوذه.

وتقفز إلى الذهن مقارنة هذا الوضع بما تشهده إيطاليا اليوم، حيث يتولى زعيم حزب “الرابطة” اليمينية المتطرفة ماتيو سالفيني، منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وقد أدخل إصلاحات في الاونة الأخيرة تحد من اللجوء بدرجة كبيرة.

ويقول موريتي، وهو واحد من كبار صانعي الأفلام والمثقفين اليساريين في إيطاليا: “لسوء الحظ، تحرك قطاع كبير من المجتمع الإيطالي، في الاتجاه المعاكس، بعيدا عن قيم الضيافة والتضامن.”(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق