أوروبا
المستشار النمساوي يتعرض لانتقادات من داخل تياره المحافظ حول الهجرة رغم شعبيته الجارفة
ـ فيينا ـ تدفق نحو 17 ألف متظاهر ينتمون إلى تيار اليسار إلى شوارع العاصمة النمساوية فيينا في مطلع الأسبوع الحالي ، للاحتجاج على سياسات الحكومة النمساوية المناهضة للهجرة، ولم تكن معارضة سياسات الهجرة مقتصرة على اليسار، بل واجه المستشار النمساوي سباستيان كورتس بشكل متزايد انتقادات من داخل معسكره الحاكم.
ومن المؤكد أن الائتلاف الحاكم المكون من حزب الشعب ذي الاتجاه المحافظ الذي يتزعمه كورتس، وحزب الحرية اليميني المتطرف يتمتع بتأييد واسع تبلغ نسبته 57% من إجمالي عدد الناخبين، في الوقت الذي يحتفل فيه اليوم الثلاثاء بمرور عام على توليه الحكم.
ومع ذلك فإن الشخصيات المؤثرة داخل حزب الشعب وأيضا داخل دوائر جماعات الضغط التجارية المحافظة تطرح تساؤلات، حول ما إذا كانت الحكومة قد تجاوزت في سياساتها الرامية إلى وضع قيود على الساعين للحصول على اللجوء من الشباب وعلى المهاجرين بشكل عام.
وهذا التيار المعارض ظهر للعيان وبشكل يسبب الحرج لكورتس الشهر الماضي في فورارلبيرج، وهي ولاية صغيرة تقع في القطاع الغربي من النمسا وتعرف بأنها معقل تقليدي للتيار المحافظ.
وكان المستشار النمساوي الذي يبلغ من العمر 32 عاما قد حضر اجتماعا مع مواطني بلدة بريجينز عاصمة ولاية فورارلبيرج، تناول القضايا المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، وهو نوع من الاجتماعات يواجه فيه كورتس عادة جمهورا متعاطفا معه.
ومع ذلك بدأ العديد من الحاضرين يقاطعونه وهو على وشك المغادرة، طالبين منه أن يناقش سياسة الهجرة، خاصة في ظل محاولة مثيرة للجدل قامت بها الشرطة مؤخرا لتسليم امرأة أرمينية حامل وأسرتها لسلطات بلادها.
وصاح رجل من وسط جموع الحاضرين قائلا “إذا كنت لا تريد أن تتحدث إلينا هنا، فيمكننا أن نتظاهر في الشارع”.
ووجد المواطنون بالبلدة مساندا بارزا لهم في حاكم الولاية ماركوس فالنر وهو سياسي بحزب الشعب، حيث وصف عملية تسليم المرأة بأنها “خاطئة وغير إنسانية”.
وطالب فالنر بأن يكون للحكومات المحلية في النمسا سلطة في منح تأشيرات الدخول للبلاد في حالات إنسانية، الأمر الذي يحمي طالبي اللجوء من الأسر من الترحيل بعد أن يتم رفض منحهم وضع المهاجرين.
كما يعد حاكم الولاية من بين المحافظين الذين يمارسون الضغط لصالح الشباب الذين تم رفض طلبات لجوئهم ، والذين يتعلمون حرفة في النمسا، وطالب بأن يتم السماح لهم باستكمال عملية تدريبهم قبل ترحيلهم إلى بلادهم.
ويتفق معه في هذا المطلب كل من اتحاد الصناعات النمساوي والغرفة التجارية النمساوية، حيث أنهما يعتبران أن الشباب المهاجر بمثابة إضافة مرحب بها للأيدي العاملة الماهرة.
وعندما رفضت الحكومة منح استثناءات قال كارلهاينز كوف مدير الغرفة التجارية النمساوية في مقابلة إذاعية “إننا نشعر بالدهشة إزاء هذا القرار ونعتقد أنه مؤسف للغاية”.
كما تشعر جماعات الضغط التجارية بالقلق إزاء أجندة الحكومة الرامية إلى “تطفيش” الأجانب الذين يتمتعون بمهارات عالية ويبحثون عن وظائف في النمسا لإبعادهم، وذلك عن طريق الشروط التي تضعها في طريقهم، ومن بينها حضور حصص دراسية منفصلة بالمدارس الابتدائية للتلاميذ الذين لا يتحدثون بالألمانية، إلى جانب تخفيضات في برامج الرعاية الاجتماعية للأطفال الذين يعيشون في الخارج بينما يعمل آباؤهم في النمسا.
وقال جورج كابش رئيس اتحاد الصناعات النمساوية في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي “ليس لدينا ثقافة ترحيب بالمهاجرين”.
وقدمت الحكومة تنازلا عندما أعلنت في أوائل كانون أول/ديسمبر الحالي، أنها ستخفض العقبات البيروقراطية لتسهيل الحصول على تأشيرة دخول للمهاجرين من أصحاب المهارات العالية.
غير أن شعبية كيرتس بين الناخبين تحصنه ضد الانتقادات الآتية من داخل معسكره.
وقالت الخبيرة السياسية كاترين شتائينر هامرلي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) : “ما دام كيرتس يتمتع بهذه المرتبة المرتفعة في استطلاعات الرأي العام، فلن تكون لديه أية مشكلة”.
وعندما سأل أحد الصحفيين كيرتس في مؤتمر صحفي عقد في أوائل الشهر الحالي عن التوترات داخل حزبه، لم يرد المستشار النمساوي على السؤال مباشرة وإنما أشار إلى الانتخابات العامة التي فاز فيها العام الماضي، وإلى الانتخابات المحلية الأريعة التي حقق فيها الفوز خلال العام الحالي وحقق فيها أيضا حزب الشعب نتيجة جيدة.
وأضاف “إننا يجب أن نبدي مزيدا من الامتنان إذا استمرت الأمور على هذا المنوال”.
ومع ذلك حذرت شتائينر همرله من أن كيرتس قد يواجه متاعب العام المقبل عندما تسلم النمسا رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي إلى رومانيا.
وقالت إن فرص لقاءات كيرتس مع زعماء دول الاتحاد الأوروبي والعالم ستتراجع حينذاك، ولن يكون قادرا على أن ينأى بنفسه عن الخلافات المتفرقة داخل حزب الحرية.
وأضافت إنه “ستكون هناك تصدعات في التناغم” بين حزبي الائتلاف الحاكم.
وأوضحت شتائينر همرله أنه على سبيل المثال كانت هناك خلافات حول حظر تجول طالبي اللجوء الذي سعى إليه الشريك اليميني المتطرف في الائتلاف الحاكم، وحول حادث مداهمة الشرطة لوكالة الأمن الداخلي التي تراقب النازيين الجدد وغيرهم من المتطرفين.
وامتنع كيرتس حتى الآن عن توجيه اللوم إلى حزب الحرية، تاركا أعضاء آخرين في حزبه للتعليق، على سبيل المثال ، عندما تحدث سياسيون في الحزب الحرية عن “نظريات المؤامرة” حول الملياردير ورائد الأعمال الخيرية جورج سورس.
ومع مرور عام على توليه منصبه كان هذا النهج سببا في حصول كيرتس على مكانا في كلمة العام السنوية للغة الألمانية.
وتم اختيار كلمة “شفيجيكانزلر” الألمانية التي تعني “المستشار الصامت” ككلمة العام 2018 في النمسا، وفقا لما أعلنته مجموعة من الباحثين الشهر الحالي. (د ب أ)