السلايدر الرئيسيشرق أوسط
أنباءٌ عن بدء مرحلة الانسحاب الأمريكيّ والفرنسيّ من سوريا… واللبنانيّون يترقّبون ساعة الجدّ!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ في مؤشِّرٍ جديدٍ على اقتراب موعد طيِّ الصفحةِ الأخيرةِ من ملفِّ الأزمةِ السوريّة وفقًا للآليّات التي حدَّدتها الدول الثلاث الضامنة لمسار التسويات السياسيّة والعسكريّة بموجب مرجعيّة أستانا، أيْ روسيا وتركيا وإيران، وبالتنسيق الكامل مع المرجعيّة الدوليّة ممثَّلةً بمبعوث الأمم المتّحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ونتائج ما قام به من جهودٍ حثيثةٍ مع مختلف الأفرقاء السوريّين على مدى الأعوام الخمسة الماضية في إطار سلسلة المؤتمرات الأمميّة في كلٍّ من جنيف وفيينّا، جاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الأربعاء عن أنّ إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” هو السبب الوحيد لتواجد القوّات الأمريكيّة في سوريا خلال فترة رئاسته ليشكِّل نقطةَ تحوُّلٍ كبرى في موازين القوى العسكريّة المحدَّدةِ أصلًا لقياس منسوب تأثير القوّات الأجنبية العاملة على الساحة السوريّة في مجال تحديد إبرة بوصلة الصراع الدائر هناك لصالح هذا المحور الدوليّ – الإقليميّ أو ذاك، ولا سيّما أنّ الإعلان بحدِّ ذاته، معطوفًا على ما كانت وكالات الأنباء قد تناقلَته عن لسانِ مسؤولٍ أمريكيٍّ في وقتٍ سابقٍ من اليوم الأربعاء أيضًا بخصوص اعتزام واشنطن سحب قوّاتها بالكامل من سوريا بالتزامُن مع قرب نهاية حملتها لاستعادة المناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابيّ، سرعان ما استُتبِع بإجراءاتٍ عمليّةٍ على الأرض بعدما نقلَت وكالة “سبوتنيك” الروسيّة في ساعات المساء الأولى عن مصدرٍ مقرَّبٍ من “قوّات سوريا الديمقراطيّة” المعروفة اختصارًا بـ (قسد) قوله إنّ “القوّات الأمريكيّة انسحبت من نقطة الكازيّة في مدينة الشيوخ شرقِ منبج ومن مواقعها في قرية العاشق بريف مدينة تلّ أبيض إلى القاعدة الأمريكيّة في مدينة عين عيسى بريف محافظة الرقّة تمهيدًا لانسحابها الكامل من سوريا”، تمامًا مثلما نقلَت تأكيده على أنّ “القوّات الفرنسيّة انسحبت أيضًا من بعض النقاط في منبج بريف حلب وعين عيسى بريف الرقّة تمهيدًا للانسحاب الكامل من سوريا”.
وعلى رغم أنّ هذه الخطوة الأمريكيّة كانت متوقَّعةً جدًّا منذ إعلان الرئيس ترامب في شهر أيلول (سبتمبر) الفائت عن أنّ بلاده ستتَّخذ قرارًا قريبًا بشأن وجود قوّاتها في سوريا بعد القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابيّ، فإنّ توقيت وضْع هذا الإعلان اليوم حيِّز التنفيذ لا بدَّ من أن يشكِّل عنوانًا عريضًا يطغى بأهمّيّته على أهمّيّة العنوان الرئيسيّ للحدث نفسه، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ هذا التوقيت جاء بعد مرورِ ساعاتٍ قليلةٍ فقط على ظهور جملةٍ من المواقف الإقليميّة والدوليّة ذات الدلالات المفصليّة الهامّة فيما يتعلَّق بمستقبل الأوضاع في سوريا، بدءًا من الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس السودانيّ عمر حسن البشير لدمشق ولقائه التاريخيّ مع الرئيس بشّار الأسد، مرورًا بإعلان وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو بخصوص استعداد بلاده للتعاون مع الرئيس الأسد شريطة أن يفوز مجدَّدًا في انتخاباتٍ ديموقراطيّةٍ، وانتهاءً بما أفضى إليه اجتماع جنيف البارحة بخصوص تشكيل لجنة صياغة الدستور السوريّ الجديد، وهي المواقف التي يدلُّ ظهورها بالتزامُن مع بدء مرحلة الانسحاب الأمريكيّ والفرنسيّ إلى أنّ القطار السوريّ وُضِع بالفعل هذه المرّة، وأكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، على سكّة التسوية والحلّ، تمامًا مثلما يدلُّ أيضًا إلى أنّ الأمور السياسيّة والعسكريّة بكافّة مقاييسها وأبعادها الاستراتيجيّة حُسِمت في نهاية المطاف، وأكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، لصالح نظام الرئيس السوريّ الحاليّ ودول الارتصاف التي دعمته سياسيًّا وعسكريًّا على المحور الروسيّ – الإيرانيّ – التركيّ.
وإذا كانت التوقُّعات المتوافِرة في ضوء هذه المعطيات تؤكِّد على أنّ أبواب دمشق ستكون مشرَّعة على المدى المنظور أمام حركةٍ نشِطةٍ لتوافد كبار المسؤولين العرب وغير العرب من دون أدنى شكٍّ، سعيًا إلى ترسيخ مقوِّمات هذا الواقع الجديد والاستفادةِ ممّا بات يُعرَف بـ “عمليّة إعادة إعمار سوريا” التي يُفترَض أن تدور عجلتها بزخمٍ شديدٍ في القريب العاجل، فإنّ ذلك كلَّه لا بدَّ من أن يفرض على لبنان المجاوِر، أكثرَ من أيِّ دولةٍ عربيّةٍ أخرى، واجب الإسراع في إجراءِ مقارباتٍ جديدةٍ وموَّحَدةٍ لكافّة هذه التطوُّرات المتواتِرة تباعًا على الساحة السوريّة… وحسبي أنّ أيَّ تأخيرٍ على هذا الصعيد لن يكون أكثر أو أقلّ من مجرَّد لعبٍ في الوقت الضائع بالتزامُن مع حلول ساعة الجدّ… والخير دائمًا من وراء القصد.