السلايدر الرئيسيشرق أوسط
اللبنانيّون يحصدون التضامُن في قضيّة الأنفاق… والإسرائيليّون يطمسون الأدلّة على الإخفاق!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ ربَّما ليس من باب المبالغة القول في سياق استعراض النتائج المترتِّبة تِباعًا عن عمليّة “درع الشَمال” التي كان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قد أطلَقَها عند تخوم حدود الدولة العِبريّة مع لبنان يوم الرابع من شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الجاري إنَّ الحصيلة النهائيّة للآمال التي علَّقَتها تلّ أبيب على فُرَص نجاحها في مساعيها الرامية إلى دقِّ إسفينٍ ما بين الشرعيّة الدوليّة في مجلس الأمن وما بين الشرعيّة اللبنانيّة في قصر بعبدا من جهةٍ، وبالتالي، ما بين رموز التيّارات السياسيّة المحلّيّة وما بين رموز قيادة “حزب الله” من جهةٍ ثانيّةٍ، باتَت تحمِل في طيّاتها ما يكفي من الدلائل الدامِغة للتأكيد على أنَّ “سِحْر” نتنياهو انقَلَبَ في آخِر المطاف عليه، ولا سيَّما إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ التفسير الأكثر تناغُمًا مع المنطِق لخطوة تدمير الأنفاق المزعومة التي أقدَم عليها الجيش الإسرائيليّ الليلة الفائتة لا يمكن أن يخرُج في مختلف الأحوال والظروف عن نطاق تجلِّياته الدالَّة إلى وجودِ رغبةٍ عارمةٍ عند “الساحِرين” لطمْس الأدلَّة على حالة الإخفاق غيرِ المسبوقة التي أوصلَتهم إليها “تعاويذهم” المتوارَثة أبًا عن جدٍّ، ناهيك عن أنّ لبنان، وهذا هو الأهمّ، خرَج من الأزمة المفتعلَة سالمًا ومتعافيًا أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، تمامًا مثلما خرَج متمسِّكًا أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى أيضًا بآليّات معادلة “الردع الاستراتيجيّ” التي لا يختلف اثنان على أنّ لـ “حزب الله” الفضل الأكبر في إرساء ركائزها على أرضيّة النتائج اللافتة التي أسفرت عنها “حرب تمّوز” عام 2006، وهي الأرضيّة التي ما لبث الجيش اللبنانيّ أن حفظَها وصانَها وقوّاها من دون أدنى شكٍّ منذ ذلك التاريخ ولغاية اليوم.
هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ لذرِّ الرماد في عيون العديد من الأفرقاء اللبنانيّين الذين لم يفوِّتوا فرصةً على مدى السنوات الاثنتيْ عشرةَ الماضية إلّا وحاولوا فيها إخضاع آليّات المعادلة الآنفة الذكر لمزاجيّة التجاذبات الدوليّة والإقليميّة عن طريق انتهاج أسلوب التشكيك المتواصِل في جدواها، خدمةً لمصالِحِ دولٍ معيَّنةٍ على حسابِ مصالِحِ دولٍ أخرى، ولكنّ الهدف الأساسيّ من وراء إسقاطه هنا يتمثَّل في وجوب الإضاءة على بديهيّةٍ مؤدّاها أنّ خروج لبنان من “أزمة الأنفاق” على هذا القدْر من القوّة والمناعة، سواءٌ في الساحة المحلّيّة أم في المحافل الدوليّة، بات يُحتِّم على جميع المشكِّكين التوقُّف عن مساعيهم الرامية إلى تعكير المياه اللبنانيّة بغية الإيحاء بقدْرتهم على الاصطياد فيها، تمامًا مثلما بات يُحتِّم عليهم أيضًا الإسراع في الوقوف إلى جانب عهد الرئيس العماد ميشال عون بصيغته الحاليّة من حيث خارطة تحالفاته السياسيّة الداخليّة والخارجيّة على حدٍّ سواء، من دونِ زيادةٍ أو نقصان، وبكلِّ ما تقتضيه المصلحة الوطنيّة من مواقفَ وواجباتٍ تتَّسم بالشجاعة والمسؤوليّة، بما يمكن أن يساعده على البدء بالاستفادة من المناخات الدوليّة والإقليميّة المائلةِ باضطرادٍ في هذه الأيّام لصالح كلّ اللبنانيّين، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المواقف التضامنيّة التي حصدها لبنان نهار أوّل من أمس الأربعاء من كافّة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدوليّ في نيويورك، باستثناء الولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل، في مواجهة تداعيات قضيّة الأنفاق المزعومة، لا بدَّ من أن تشكِّل في مجملِها الأساس الأمثل للانطلاق منه نحو بناء دولة السيادة والمؤسّسات، بحيث يُوضَع لبنان قبْلَ أيِّ اعتبارٍ آخَر، وفوقَ كلِّ اعتبارٍ آخَر، تمهيدًا للوصول إلى الهدف المنشود.
وإذا كانت مندوبة لبنان في الأمم المتّحدة أمال مدللي قد أبدعَت خلال جلسة الأربعاء في عرضِ قوائمَ بآلافِ الانتهاكات الإسرائيليّة الشهريّة للمياه والأجواء اللبنانيّة، ولا سيّما لدى تأكيدها على أنّه “مع أنّ لبنان ليس مهتمًّا بالسياسة الداخليّة الإسرائيليّة فإنّه يرفض استخدامه بيدقًا في معادلات القوّة الإسرائيليّة”، فإنّ موقف مندوبة بريطانيا كارين بيرس الذي تضمَّن إدانةً مباشِرةً “للانتهاكات الإسرائيليّة جوًّا وبرًّا وبحرًا للسيادة اللبنانيّة”، معطوفًا على موقف مندوب الكويت منصور العتيبي الذي جاء فيه ما حرفيَّته: “نؤكِّد هنا على حقّ لبنان المشروع في إنهاء الاحتلال واستعادة أراضيه وحقّه في مقاومة الاحتلال بأيٍّ من الوسائل المشروعة، والتأكيد على ضرورة وأهمّيّة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضدَّ الاحتلال الإسرائيليّ”، سرعان ما جعلَت من كافّة الخرائط والصوَر التي حملها مندوب الدولة العِبريّة داني دانون في جعبته أشبه ما تكون إلى الأوراق البالية، وبالتالي، سرعان ما غيَّرَت وجهة الغاية المحدَّدة أصلًا لهذه الجلسة في الخطّة الأميركيّة – الإسرائيليّة في محاولة شيطنة “حزب الله”، وفي دقِّ الإسفين الآنف الذكر ما بين الشرعيّة الدوليّة وما بين الشرعيّة اللبنانيّة، لتُصبِح النتيجة في نهاية المطاف واحد – صِفر لصالح لبنان بكلِّ مكوِّناته السياسيّة والعسكريّة والاجتماعيّة الراهِنة… وحسبي أن أجدِّد التذكير هنا بأنّ ما حصَل في تلك الجلسة هو فرصةٌ نادرةٌ تحتِّم على كافّة الأفرقاء اللبنانيّين التمسُّك بها وعدم تفويتها بأيِّ شكلٍّ من الأشكال… والخير في العهد اللبنانيّ الحاليّ دائمًا من وراء القصد.