أقلام يورابيا

صفقة الأسلحة السوفيتية لمصر

د. عادل عبد الناصر

د. عادل عبد الناصر

شن نظام السادات حملة شنيعة ضد جمال عبد الناصر، صورته بأنه كان رجل حرب، وهذا يخالف الواقع، فناصر كما يقول الوزير البريطاني انتوني ناتنج في كتابه الشهير “ناصر” كان رجل سلام عاقل، وكان حتى عام 1955 يسعى إلى حل كل المشكلات الموروثة من العصر الملكي بطريق التفاوض السلمي، ومنها عودة حقوق شعب فلسطين وغيرها، وكان هدفه التنمية وتطوير مصر الوطن.
لكن الغارات الصهيونية على غزة سنة 1955 غيرت كل الاوضاع نتيجة مؤامرة العناصر المتشددة، وقبلها حادث إحراق سينما مترو في الاسكندرية بتشجيع من الموساد، وتكونت جبهة الصقور تلك من بن غوريون الأب الروحي للكيان الصهيوني وغولدا مائير، في مواجهة جبهة الحمائم متمثلة في موسي شاريت ومن معه، وكانت الغارة الصهيونية على غزة نقطة تحول في تفكير عبد الناصر، فقد كانت الخسائر ضخمة من المدنيين، ومن هنا كان لابد من التحول عن طريق السلام إلى منطق أن القوة لا يُرد عليها إلا بالقوة، وكانت قرارات عبد الناصر هي إبرام معاهدات دفاعية بين مصر والعرب لمواجهة العدوان.
لتحقيق ذلك الغرض، بحث جمال عبد الناصر عن مصدر لشراء السلاح للتصدي للعدو المعتدي، ولاحت الفرصة حينما دُعي إلى مؤتمر دول عدم الانحياز في جاكرتا بإندونيسيا سنة1955، حيث جاءت وساطة رئيس وزراء الصين شوين لاي محملا برسالة من عبد الناصر إلى القادة الروس برغبة ناصر في شراء سلاح روسي لدعم قدرة الجيش المصري في مواجهة العدوان الصهيوني، ثم أنشأ ناصر مراكز لتدريب الفدائيين في قطاع غزة، والعمل على تنفيذ عمليات عسكرية وتخريبية داخل الارض المحتلة ضد حكومة الكيان الصهيوني.
هذا ولم يتوجه عبد الناصر إلى روسيا إلا بعد أن أغلق الغرب أبوابه أمامه، وكان ناصر يقوم بعمل اختبار حسن نوايا أكثر من أن يكون أملا حقيقيا، إذ جاءت بعثة أمريكية لزيارة مصر وبحث طلبات الجيش المصري للسلاح، ولكن وزير الخارجية الأمريكي ألن فوستر دلس وضع شرط انضمام مصر إلى حلف بغداد المؤيد لأمريكا وبريطانيا شرطا أساسيا للحصول على السلاح الأمريكي، كما أن بريطانيا بعد الغارة الصهيونية الكبيرة على غزة خفضت إمداد السلاح إلى الكيان الصهيوني بسبب ضغط الرأي العام البريطاني، إلا أن فرنسا استمرت بتزويد الكيان الصهيوني بشكل محموم بالأسلحة، وذلك ردا على دعم جمال عبد الناصر لثوار الجزائر، مع رضا ضمني من بريطانيا وامريكا على سلوك فرنسا، والدليل على ذلك هو موقف كل الغرب من جمال عبد الناصر وتضامنهم مع الكيان الغاصب.
كان نجاح عبد الناصر في مؤتمر عدم الانحياز في إندونسيا ضربة للغرب والكيان الصهيوني، حيث عمل ناصر على الحصول علي تأييد الدول المشتركة بضرورة عودة حقوق شعب فلسطين، وفي فبراير1953 انتهزت روسيا فرصة إلقاء قنبلة على سفارتها في تل أبيب ذريعة لقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، كما أنها استخدمت حق الفيتو ضد مشرع قرار في الأمم المتحدة سنة 1954 حول حق الكيان الصهيوني في العبور من قناة السويس.
تطورت العلاقة لاحقا، واستقبل صلاح سالم، عضو مجلس الثورة المصري، بعد عودة ناصر من مؤتمر عدم الانحياز، السفير الروسي في مصر والذي أكد بأن روسيا يسعدها تزويد مصر بأي كمية من السلاح مقابل أن تمد مصر روسيا بالقطن والأرز، كما أن روسيا مستعدة للتعاون في بناء السد العالي في أسوان لزيادة مخزون المياة والكهرباء، وهنا انقلب الموقف في الشرق الاوسط لصالح جمال عبد الناصر والقضية الفلسطينية، إذ غمر السلاح السوفيتي فيما عُرف بصفقة الأسلحة التشيكية، مصر وسوريا والعراق والسودان، مما أزعج الغرب إزعاجا كبيرا، وأحدث تحولا كبيرا في معادلة القوى والصراع في المنطقة العربية، إذ لم يعد الترغيب والترهيب بخصوص الإمداد بالأسلحة الغربية وسيلة للمقايضة حول تأييد أمريكا والكيان الصهيوني في الأمم المتحدة.

تحولات الصراع ما زالت تتشكل بلا نهاية، وذاك حديث آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق