السلايدر الرئيسيتحقيقات

لبنان والملفّ السوريّ عام 2018: بين أزمة النازحين المستفحِلة ومرسوم التجنيس المريب!

جمال دملج

– بيروت – من جمال دملج – على رغم كافّة تداعيات المشكلات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والديموغرافيّة التي تراكمت خلال الأعوام السبعة الماضية جرّاء استمرار أزمة النازحين السوريّين الذين يُقدَّر عددهم بحوالي مليونٍ ونصفِ المليونِ نازحٍ في لبنان، أيْ ما يُعادِل نسبة الثلُث تقريبًا من مجموع عدد المواطنين اللبنانيّين، فإنّ كافّة المؤشِّرات السياسيّة والعسكريّة التي ما زالت تظهَر تباعًا بخصوص اقتراب موعد وصول الحرب السوريّة إلى خواتيمها الوشيكة لصالح مؤسّسات الدولة متمثِّلةً بنظام الرئيس بشّار الأسد، معطوفةً على ما بات في حُكم المؤكَّد عن أنّ مساحة أصغر منطقةٍ آمنةٍ في سوريا تفوق بالأضعاف مساحة لبنان بأكمله، لم تحمِل في مجملها أيَّ دلالةٍ واضحةٍ من شأنها أن تشي بوجودِ خطّةٍ جدّيّةٍ لإعادة هؤلاء النازحين إلى ديارهم، باستثناء المبادرة الروسيّة التي ما زالت تشكِّل محورًا للتجاذب الداخليّ بين فريقٍ لبنانيٍّ يدعو إلى الالتزام بآليّاتها المتاحة وفريقٍ لبنانيٍّ آخَر يصرُّ على رفض مبدأ التواصُل مع الحكومة السوريّة ما لم يتمَّ الانتهاء من وضع الصيغة النهائيّة للتسوية السياسيّة برعاية الأمم المتّحدة، الأمر الذي أبقى الأبواب اللبنانيّة مشرَّعةً أمام كافّة أشكال التحدّيات والاحتمالات ذات الصلة بهذه الأزمة المستفحِلة طيلة أيّام العام الحاليّ.

العودة الآمنة

وإذا كانت هناك لغةٌ وحيدةٌ تتّسم بالمنطق لدى التعاطي مع التداعيات الآنفة الذكر في لبنان، فهي تلك اللغة التي دأب رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون على تجسيدها في مختلف المناسبات المحلّيّة والعربيّة والدوليّة، على غرار ما فعله في خطابه الأخير أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويوررك يوم السادس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وخصوصًا عندما قال إنّ “أزمات الجوار لا تزال تضغط علينا بثقلها وبنتائجها”، مشيرًا إلى أنّ لبنان “حاول قدْر إمكاناته تأمين مقوِّمات العيش الكريم للنازحين، ولكنّ الأعداد الضخمة وتداعياتها على المجتمع اللبنانيّ من نواحٍ عدّةٍ، أمنيًّا، بارتفاع معدَّل الجريمة بنسبةٍ تخطَّت 30%، واقتصاديًّا بارتفاع معدَّل البطالة إلى 21%، وديموغرافيًّا بارتفاع الكثافة السكّانيّة من 400 إلى 600 في الكيلومتر المربَّع الواحد، مُضافةً إلى محدوديّة إمكاناتنا، وندرة المساعدات الدوليّة للبنان، تجعل الاستمرار في تحمُّل هذا العبء غيرَ ممكنٍ، خصوصًا أنّ الجزء الأكبر من الأراضي السوريّة أصبح آمنًا. لذلك قلت بالعودة الآمنة في كلمتي من على هذا المنبر في العام الماضي، وميَّزت بينها وبين العودة الطوعيّة، فالسوريّون الذين نزحوا إلى لبنان ليسوا بلاجئين سياسيّين، باستثناء قلَّةٍ منهم، فمعظمهم نزح بسبب الأوضاع الأمنيّة في بلادهم أو لدوافعَ اقتصاديّةٍ وهؤلاء هم الأكثريّة”.

التقصير الدوليّ

ومع الأخذ في الاعتبار أنّ رئيس الجمهوريّة جدَّد التأكيد في كلمته على موقف لبنان “الساعي لتثبيت حقّ العودة الكريمة والآمنة والمستدامة للنازحين إلى أرضهم، والرافض كلّ مماطلةٍ أو مقايضةٍ في هذا الملفّ الكيانيّ، أو ربطه بحلٍّ سياسيٍّ غيرِ معلومٍ متى سيأتي، والرافض قطعًا لأيِّ مشروعِ توطينٍ، سواءٌ لنازحٍ أو للاجئٍ”، مسجِّلًا ترحيبه في هذا السياق “بأيِّ مبادرةٍ تسعى لحلّ مسألة النزوح على غرار المبادرة الروسيّة”، فإنّ تقصير المجتمع الدوليّ في مجال تحمُّل مسؤوليّاته الإنسانيّة حيال أزمة النزوح بقيَ على حاله، كما أنّ إرهاصات التجاذب السياسيّ الداخليّ اللبنانيّ الآنف الذكر حيال هذه الأزمة بقيَت على حالها أيضًا، الأمر الذي جعل حركة عودة النازحين السوريّين إلى ديارهم أشبه ما تكون إلى حركةٍ خجولةٍ جدًّا قياسًا بنسبة تواجدهم المرتفِعة جدًّا على طول الخارطة اللبنانيّة وعرضها، وذلك على رغم المسؤولين الروس من أمثال وزير الخارجيّة سيرغي لافروف والمبعوث الرئاسيّ إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف لا يفوِّتون عادةً أيَّ فرصةٍ من دون التطرُّق إلى هذا الملفّ الهامّ لدى استقبال زوّارهم من المسؤولين الرسميّين والحزبيّين اللبنانيّين، ناهيك عن أنّ السفير الروسيّ في بيروت ألكسندر زاسبكين غالبًا ما يطرح الملفّ نفسه من خلال اتّصالاته مع مختلف الأفرقاء الفاعلين في البلد.

كعكة التجنيس

وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ تسوية ملفّ أزمة النازحين السوريّين ما زال خاضعًا حتّى الآن لمزاجيّة لعبة شدّ الحبال بين الدول التي راهنت في الماضي على إمكانيّة إسقاط النظام السوريّ الحاليّ والدول التي لا تزال تراهن على فرص صموده، فإنّ أغرَب ما يمكن التوصُّل إليه من استنتاجاتٍ في خضمّ استمرار التجاذب اللبنانيّ الذي يستمدّ ديناميّته في الأصل من تواتُر هذه اللعبة وتوتُّرها هو أنّ الفريقَ المصرَّ على رفض التواصُل مع “نظام الأسد” لم يتردَّد لدى قيامه بتمرير مرسوم التجنيس خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي في إدراجِ أسماءِ شخصيّاتٍ مقرَّبة جدًّا من الرئيس بشّار الأسد نفسه، وهو المرسوم الذي سرعان ما خضَع للتعديل بعدما لوحظ فيه أنّه ركَّز على المتموِّلين وأصحاب الرساميل أكثرَ بكثيرٍ من سواهم، ناهيك عن أنّه حمَل في طيّاته ملامح صفقاتٍ ماليّةٍ مريبةٍ تندرج في سياق ما يمكن وصفه مجازًا بالاستعدادات الاستباقيّة لـ “تقاسُم الكعكة” لدى انطلاق عمليّة إعادة إعمار سوريا في القريب العاجل… وحسبي أنّ التركيز على نهَم المصالح فوَّت على رموز هذا الفريق النظر بالاهتمام اللازم إلى أنّ التركيز الأساسيّ كان من المفترَض أن ينصبَّ بالدرجة الأولى على نزع صاعق ما يُسمّى بالقنبلة الموقوتة الناجمة عن تأخير تسوية ملفّ النازحين السوريّين وترحيل هذا الملفّ من العام الحاليّ إلى العام المقبل، وربّما إلى أعوامٍ قادمةٍ أخرى… والخير دائمًا في القادرين على التعجيل بفضّ هذه الأزمة المستفحِلة في أقرب وقتٍ ممكنٍ من وراء القصد.

 

(يتبع غدًا: لبنان والأوضاع الداخليّة عام 2018: بين الانتخابات البرلمانيّة والولادة الحكوميّة الصعبة)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق