أقلام مختارة

رأس السنة حرام… القتل حلال

سناء العاجي

سناء العاجي

الاحتفال برأس السنة حرام.

وتهنئة الكفار بعيدهم حرام.

هكذا، بكل بساطة الجهل والتطرف.

بالمقابل، فالقتل والعنف والإرهاب والتطرف لا يكتسبون طابع الحرام ولا يشكلون مصدر إزعاج لمواطنينا.

النفايات في شوارعنا وأزقتنا… حلال.

التحرش بالنساء… حلال.

الطريقة الهمجية التي نسوق بها سياراتنا في الشوارع لا تزعج الأغلبية بقدر ما يزعجهم رأس السنة… الذي هو في الأصل، ليس احتفالا دينيا!

في الواقع، وخارج رمضان، قليلون منا يعرفون التاريخ بالتقويم الهجري. كما أنهم قليلون جدا بيننا أولئك الذين يعرفون تاريخ ميلادهم بالتقويم الهجري، على الأقل هذا هو الواقع في المغرب.

هذا دون أن ننسى أننا لم نسمع يوما أحدا يحدد لنا موعدا مهنيا أو شخصيا يوم الثالث من جمادى الأولى أو العاشر من ذي القعدة. لم يُجر طفل يوما امتحاناته يوم العشرين من ربيع الثاني ولم نتابع مباريات لكرة القدم في الأسبوع الأول من صفر.

باختصار، جميعنا نتعامل بالتقويم الميلادي في حياتنا اليومية والدراسية والمهنية… لذلك، فمن الطبيعي أن نحتفل بنهاية سنة وبداية سنة جديدة، حسب تقويم نعيش به بشكل يومي.

بل ما العيب أساسا في أن نهنئ أصدقاءنا وجيراننا المسيحيين ممن يحتفلون بعيد الميلاد المجيد يوم 25 يناير/كانون الثاني، خاصة بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في بلدان أوروبية أو أميركية، حيث أغلبية جيرانهم وزملائهم مسيحيون؟

أولا، فهؤلاء، حين يعرفون بأعيادنا أو بحلول شهر رمضان، يهنؤوننا بها في الغالب (وذلك ردا على من يتبجحون: “هل يهنؤوننا بأعيادنا حتى نهنئهم بأعيادهم؟”). ثانيا، ما العيب في أن نقتنص كل مناسبات الفرح لكي نحتفل؟ وسط أخبار الحروب والقتل والإرهاب، هل الأجدى أن نقتنص كل فرص الفرح والاحتفال مع الأهل والجيران والأصدقاء، أم أن نتغلف بتطرف يمنع عنا الحق في ابتسامة مشتركة؟

أكثر من ذلك، هل نعتبر أن الاحتفال برأس السنة أو تهنئة أصدقائنا وجيراننا وزملائنا المسيحيين بعيد الميلاد، سيؤثر على تديننا؟ هل إسلامنا هش لهذه الدرجة؟ حين يقول زميل بلجيكي مسيحي لزميله المسلم: “رمضان مبارك”، هل يصبح مسلما بتهنئته هذه؟ وبالتالي، هل مجرد تهنئة زميل أو جار مسيحي في لبنان أو إيطاليا أو كندا بعيد الميلاد، يجعلنا مسيحيين؟ ألا تهين مثل هذه التصورات الإسلام والمسلمين، أكثر من أي فكرة علمانية؟

في المغرب، انتشرت ظاهرة عجيبة منذ بضع سنوات لدى محلات الخبز والحلويات، في فترة رأس السنة. شرعت هذه المحال في نشر إعلانات تقول فيها إنها “لا تبيع حلويات رأس السنة لأن العيد ليس عيدنا”. نشر أحد الظرفاء على تويتر الإعلان معلقا عليه بما مضمونه: “وكأن البيتزا من علامات تراثنا و”الكرواصون” من أسس حضارتنا!”.

ما هذا التناقض الذي يجعلنا نفرح بكون العديد من الأسواق الأوروبية والأميركية تقترح على زبائنها عروضا خاصة برمضان مثلا ومنتوجات تساعدهم على تحضير وجباتهم المحلية (علما أن مهاجري السبعينيات والثمانينيات لم تكن تتوفر لهم هذه المنتوجات ما لم يبعثها الأهل من البلد الأصل)، ونرفض أن نوفر منتوجات توافق أعيادا واحتفالات، قد لا تحمل فوق ذلك أي طابع ديني مسيحي أو يهودي، كاحتفالات رأس السنة مثلا؟

باختصار، يبدو أننا صرنا نهرب من كل فرص الفرح الممكنة… ونغلف كل احتفال ممكن بتطرف يبعدنا أكثر فأكثر عن العالم… عن الحب وعن الاحتفال وعن الفرح…

لذلك، وفي تحد لكل أفكار الإقصاء والتطرف، لنتمنّ لبعضنا سنة سعيدة، علها تحمل لنا نصيبنا من الفرح ومن الحب…

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق