العالم
الغموض يحيط بجيران الصين مع تصاعد التوترات التجارية
ـ بكين ـ رغم أن بكين تتنفس الصعداء الآن بفضل الهدنة التجارية التي تمتد لثلاثة أشهر مع واشنطن، فإن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تؤثر على تجارة الأخيرة مع مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا، بحسب ما يراه الخبراء.
ويقول المحلل الاقتصادي المستقل هو شينجدو إنه في حال اشتعلت حرب باردة جديدة بين الصين الولايات المتحدة، كما ألمح إلى ذلك نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، فإن “دول جنوب شرق آسيا قد تجد نفسها مضطرة للانحياز لأحد طرفي الحرب.
تنفذ الصين خططا طويلة المدى لإقامة مشروعات للبنية التحتية، وشق طرق تجارية تربطها مع دول جنوب شرق آسيا في إطار مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج المعروفة باسم “مبادرة الحزام والطريق” التي تقدر استثماراتها بتريليون دولار.
ولكن إذا احتدمت المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وقررت واشنطن فرض قيود وعقوبات على الدول التي تقيم علاقات تجارية واقتصادية مع بكين، فإن هذه الدول قد تضطر للانسحاب من المبادرة الصينية كي تحافظ على علاقاتها بالولايات المتحدة.
ويقول المحلل الاقتصادي هو: “تمثل الولايات المتحدة التيار السائد في العالم… أما قيم الصين وأيديولوجيتها وثقافتها فهي مجرد رافد صغير. وفي مثل هذه الظروف، ستقف أغلب الدول إلى جانب الولايات المتحدة إذا ما اضطرت إلى الاختيار. وإذا صار الأمر في هذا الاتجاه، ستكون الصين في موقف صعب”.
فيتنام من المتوقع أن يصل معدل نمو الاقتصاد الفيتنامي خلال العام الحالي إلى 7ر6% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يزيد عن المعدل الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام نفسه وهو 6ر6%، وذلك لأول مرة بالنسبة لفيتنام خلال ثلاثة عقود، لكن لي دانج دوانه المستشار الاقتصادي لخمسة رؤساء وزارة في فيتنام، أوصى بلاده بالحذر في التعامل مع الموقف الراهن، حيث قال: “لا أرى نهاية للحرب التجارية، وربما تشتد بعد انتهاء هدنة التسعين يوما”.
وقال الخبير الاقتصادي الفيتنامي إنه يتعين على بلاده التعامل مع التطورات الدولية غير المواتية بالمزيد من الإصلاح الاقتصادي “لتعزيز القدرة التنافسية في ظل حالة الغموض والاضطراب المتزايدة التي تواجهها التجارة العالمية”.
وفي الوقت نفسه، هناك فرص مواتية في ظل هذه المخاوف، حيث بدأت الشركات نقل مراكزها الإنتاجية من الصين إلى فيتنام، فراراً من الرسوم الأمريكية.
ففي تشرين أول/أكتوبر الماضي، أعلنت شركة “جويرتك” الصينية التي تنتج أجهزة “أير بود” لصالح شركة الإلكترونيات الأمريكية العملاقة “آبل” اعتزامها نقل مصنعها إلى فيتنام بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، في حين قال “جيم ويبر”، الرئيس التنفيذي لشركة “بروكس” لإنتاج الأحذية والتابعة لمجموعة الملياردير الأمريكي وارين بافيت، لقناة “سي.إن.بي.سي” إنه يبحث اتخاذ خطوة مماثلة، مضيفاً أن مثل هذا التغيير يمكن أن يكون دائماً.
وثمة تقارير أن شركة “فوكسكون” الصينية، التي تنتج هواتف “آيفون” الذكية لصالح شركة “آبل” في الصين، تدرس إمكانية فتح مصنع جديد في فيتنام، كسبيل لتجنب الرسوم الأمريكية على المنتجات الصينية.
وقالت بام شي لان، المحللة الاقتصادية والمستشارة السابقة لاثنين من رؤساء الوزارة في فيتنام، إن من الجوانب الإيجابية للرسوم الأمريكية انتقال شركات الإلكترونيات المتقدمة وغيرها من الصناعات مرتفعة القيمة إلى فيتنام.
وأضافت أن هذه الشركات ستأتي غالبا من أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.
كمبوديا: سيكون للنزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة “تأثير غير مؤكد” على كمبوديا، لكن في ظل اعتماد البلاد المتزايد على الصين كمصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والسياحة والمساعدات التنموية، ستتراجع توقعات نمو اقتصاد كمبوديا بسرعة نتيجة التباطؤ السريع للاقتصاد الصيني، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في تشرين أول/أكتوبر الماضي.
ووفقا البنك الدولي، أسهمت الصين بحوالي 60% من إجمالي مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في كمبوديا في عام 2017، دون حساب استثمارات القطاع المالي، وحوالي 90% من حجم هذه المشروعات خلال النصف الأول من العام الحالي. ومازال الاقتصاد الكمبودي يحقق معدل نمو نحو 7% سنوياـ منذ 2011.
وفي الوقت نفسه، يقول ميجول تشانكو كبير خبراء الاقتصاد الآسيوي بمؤسسة “بانثيون ماكرو إيكونوميكس” إنه إذا تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فإنه سيؤدي إلى زيادة خروج الشركات الصناعية من الصين لتستفيد من ذلك دول مثل كمبوديا”.
وأضاف تشانكو أن كمبوديا ستواجه منافسة شرسة لاستقطاب مثل هذه الشركات لأن دول أخرى في جنوب شرق آسيا، مثل فيتنام تحظى بوضع أفضل وقدرة أكبر على جذب الشركات.
ويقول سوفيل إير أستاذ مساعد دراسات الدبلوماسية والشؤون الدولية في “كلية أوكسدينتال” بلوس أنجليس، إن احتمالات اتجاه الشركات الصينية إلى كمبوديا لإقامة مصانع هناك تظل ضعيفة نظرا لضعف إنتاجية الاقتصاد الكمبودي وارتفاع أسعار الطاقة وضعف شبكات الإمداد والتموين.
إندونيسيا يقول دارمين ناسوتشن ـ وزير التنسيق الاقتصادي في إندونيسيا، إن الهدنة التجارية بين الصين والولايات المتحدة أدت إلى ارتفاع قيمة الروبية الإندونيسية التي وصلت في أيلول/سبتمبر الماضي إلى 15 ألف روبية لكل دولار، وهو أقل مستوى لها منذ 20 عاما. ويبلغ سعر العملة الإندونيسية حاليا 5ر14 ألف روبية لكل دولار. وأضاف الوزير: “الروبية في مقدمة عملات الدول الصاعدة التي تحسنت قيمتها”، مشيرا إلى أن تسوية النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة سيعزز قيمة الروبية بصورة أكبر، وهو ما سيتيح لإندونيسيا فرصة أكبر لتنفيذ برامجها الاقتصادية.
ويقول إيكو ليستيانتو، المحلل الاقتصادي في “معهد التنمية الاقتصادية والتمويل” إن الأوضاع الحالية تمثل فرصة لإندونيسيا، لالتقاط الأنفاس، وخاصة القطاع المالي.
ويضيف: “ولكن يجب على إندونيسيا أن تبذل جهدا متواصلاً للتعامل مع المشكلات الهيكلية في اقتصادها.. في ظل وجود حرب تجارية، أو عدم وجودها، نعاني من زيادة في عجز الحساب الجاري ويجب بذل جهود كبيرة للتعامل معه، من خلال زيادة الصادرات وخفض الواردات”. (د ب أ)