ـ غزة ـ من محمد عبد الرحمن ـ رغم كل ما يعصف بالفلسطينيين من أشكال المعاناة التي تنغص حياتهم بأشكال مختلفة عن غيرها من حياة الشعوب، إلا أن الفن بأشكاله المتنوعة يعد حاضرا في هذه الحياة، شباب اتخذوا على عاتقهم تلوين حياة الشعب المقهور بالأعمال الفنية المتنوعة، ليوصلوا رسالة للعالم بأن الإبداع يولد من رحم المعاناة.
فن النحت أحد الفنون الذي يبرز في حياة الفلسطينيين وإن كان بجهود فردية، فهناك منحوتات فنية تزين الجدران وسط الدمار، وأعمال نحتت على الفخار تعكس صورة مشرقة للفن الفلسطيني، فيما تؤرخ أعمال نحتية أخرى تاريخ فلسطين.
أول فنان ينحت بالطين
بسام الحجار يعد الفنان الأول في فلسطين الذي يستطيع أن ينحت بالطين على الجدران في فلسطيني، ويشكل الآيات القرآنية والوجوه وصور المعارك على قطع الفخار، كما يعتبر من المبدعين في رسم الزيت منذ أن كان طفلا.
خطت أقدامها المرسم المتواضع للفنان الحجار والذي عج بالكثير من اللوحات الفنية التي تعبر عن أصالة وعراقة المجتمع الفلسطيني، وتؤرخ التاريخ الإسلامي، فقد نحتت يداه على فخاريات الطين رسومات لشخصيات ومعارك تاريخية.
ويتحدث الفنان الحجار عن مشواره في النحت على الطين قائلاً:” لقد امتهنت الحفر على الفخار والجداريات “رليف” منذ الصغر، فقد بدأت يدي تخط الألوان والأشكال والوجوه باستعمال الطين والصلصال وأنا عمري 5 سنوات، وعندما أصبحت في سن التاسعة بدأت أرسم بالقلم، لأبدع في سن الشباب بالرسم بالزيت على اللوحة مباشرة، وكان أبي هو من يشجعني على ذلك، ويجلب لي ألوان الزيت والصلصال لمواصلة مشواري”.
ويضيف:” في العشرينات من عمري تمكنت من رسم الجداريات والحفر على الفخار، وواصلت هذا المشوار حتى أبدعت في لوحاتي وجدارياتي التي زينت البيوت والمعارض الفلسطينية”.
ومن الأعمال النحتية التي صنعها الحجار، جداريات عن أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى وانتفاضة الأقصى المباركة، كما كانت المعارك الإسلامية القديمة كمعركتي “حطين” و”اليرموك” نحتت على الجداريات والفخاريات، كما حفر وجوه القادة والرموز المناضلة منذ القدم على قطع الفخار.
ومن المفلت لنظر من يشاهد هذه اللوحات يلاحظ مدى إتقان الفنان الجار في رسم أدق التفاصيل لوجوه الشخصيات التاريخية وكأنك أمام الشخصية تتفحصها.
ويتابع الحجار حديثه الممزوج بالألوان والأشكال الفنية الرائعة قائلا:” أقضي يومي في مرسمي المتواضع أخطط الصور والأشكال والوجوه، وأفضل أن أحتفظ بهذه الجداريات والأعمال الفخارية في معرضي لأنها ذاكرة طفولتي وشبابي، سأورثها لأبنائي وأحفادي من بعدي”.
منحوتات في البيوت
ويكمل الحجار حديثه:” لقد عملت على رسم جداريات في البيوت، حيث يأتي مواطن يريد لوحة تراثية نادرة في بيته من الطين ومن ثم أقوم برسمها على الجدران بالطين، ومن هذه الأعمال صور لمدينة القدس وقبة الصخرة المشرفة ومسجد الأقصى المبارك، إضافة إلى أشكال هندسية مختلفة، وصور عن الحياة الفلسطينية ما قبل نكبة عام 1948″.
النحت بالأسمنت
أعمال النحت في فلسطين متنوعة تتجاوز استعمال مادة واحدة في النحت مثل الطين، فهناك عدد من الفنانيين الفلسطينيين يبدعون في النحت الجداري بخامة الأسمنت، ويرجع الفضل الأكبر لنشر هذا الفن إلى قطاع غزة عام 1992 الفنان الفلسطيني محمد الفرا، ليقوم بعد ذلك عدد من الفنانيين بمتابعة أعماله النحتية التي كانت في بدايتها غريبة عليهم.
ومن الفنانين الذين أبدعوا في هذا المجال الفنان ماجد مقداد 29 عاما، حيث كانت له الأسبقية في هذا المجال كونه صاحب فكرة أطول جدارية نحت في فلسطين بهذا الأسلوب، وهي جدارية “جذور بلادي” التي نحتت على أحد جدران جامعة الأقصى بمدينة غزة عام 2009، بمشاركة 12 فنانا تشكيليا.
وبلغ امتداد هذه اللوحة النحتية، بحسب مقداد، 70 مترا، بينما بلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، محققة بذلك لقب أطول جدارية في فلسطين، لتسجل التاريخ الفلسطيني الذي طالما حاول الاحتلال طمس ملامحه.
ويوضح الفنان مقداد أن أهداف أطوال جدارية تراوحت بين تسجيل حكاية الوطن الأليم بمراحله المختلفة وتفاصيل الحياة الدقيقة فيه، إضافة إلى تعزيز المعرفة البصرية لدى الأجيال الفلسطينية بأصالة الحضارة الفلسطينية والتراث الفلسطيني من خلال مزجهم بين المراحل التاريخية وأدوات التراث الفلسطيني فيها كفن التطريز الذي ظهر جلياً في تفاصيل المنحوتة.
ويقول الفنان مقداد الذي يعمل مدرسا للتربية الفنية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية منذ عام 2006:” إن النحت في الحجر أعمق وأقوى في التعبير من الوسائل الأخرى كالرسم بالزيت على لوحة خشبية أو حتى على جدارية، معللاً أن النحت يبقى حتى وإن تآكلت أجزاء من الجدارية، فالمظهر العام لا يتأثر كثيراً حيث تبقى أماكن النحت بارزة”.
أعمال الفنان مقداد الذي أسس هو وثلاثة فنانيين فلسطينيين شركة متخصصة للأعمال النحتية، لم تتوقف عند النحت بالأسمنت، حيث له أعمال نحت جدارية، ونقش حجري، بالإضافة إلى صناعة شلالات ونوافير من الفخار متنوعة الأشكال والأحجام، كما نحت الفنان مقداد والثلاثة الفنانين نصب تذكاري من الأسمنت لشهداء جامعة الأقصى في غزة.