دارا عبدالله
في فترة مراهقتي ودراستي في دمشق، كان لدي هلع وهوس وخوف من تساقط الشعر والصلع، حتى أني كنت أتجنب النظر إلى أي مرآة، أو الرؤية إلى أرض الحمام، بعد الاستحمام، خوفا من رؤية الشعر المتساقط، وكأني أرى أشلاء شخص يخصني.
كوابيسي في تلك الفترة، تمحورت بأني ألمس رأسي، فأشعر بالجلد الأملس، وألمح كتل الشعر المتجمع المتساقط على الأرض، فأستيقظ مذعورا خائفا، وأتحسس رأسي فورا، وأطرد الذعر بالتأكد من وجود الشعر.
لم يبقَ دواء في سوريا لم أجربه، من الطب العادي إلى العشبي والنبوي والصيني والكردي والعلوي. أكد لي طبيب الجلدية بأن تساقط الشعر مشكلة لم يتمكن الطب من حلها، لأن العامل الوراثي أمر حاسم فيها، وصعب أن يقف المرء ضد مورثاته.
ولأن الهوس يبقى هوسا، ولا يزاح بالمقولات العلمية، كنت أصرف كل أسبوع مبلغ 150 ليرة سورية، على دواء اسمه “مينوكسيديل”، وهو بخاخ يوسع الأوعية الدموية في الرأس، ويساعد نسبيا في تخفيف التساقط. ولكن، بسبب قناعتي بأن الكثرة من الدواء مفيدة (وهذه قناعة سورية راسخة)، كان استهلاكي للدواء مرعبا. إذ كنت أغرق رأسي به تماما، فتختنق البصيلات من الفيضان، ويتضاعف التساقط. حقنت نفسي بإبر فيتامين B بعد فترة، وبالغت بالكمية، فظهرت عليّ أعراض التسمم.
كنت أشكل خلطات من زيوت نباتية غامضة، كالخروع والبصل وجوز الهند وزيت الزيتون وحبة البركة، وأغمس رأسي بها. كان وجود شيء على رأسي، يشعرني بأني بخير، وبأن بصيلاتي تتغذى، والشعر الكثيف الأسود قادم. حتى أني كنت أتجنب الاستحمام، لقناعتي بأن الدواء يجب أن يبقى لأطول فترة.
المهم، قرأت على منتدى خليجي بعنوان “عيون المها”، بأن زيت الأفعى هو أهم زيت على سطح الكرة الأرضية في معالجة تساقط الشعر، وهو يحيي الشعر من جذروه، ويجعله قويا سميكا صلبا غامقا. وزيت الأفعى، هو الزيت الذي يترشح من جسم الأفعى عند فصل جلدها عن جسدها.
اتجهت إلى سوق “البزورية” (اسم يطلق على سوق الأعشاب والتوابل والأمور القديمة) في دمشق القديمة، في عام 2008، وطلبت زجاجة زيت أفعى، وكان يبلغ سعرها، آنذاك، قبل هبوط الليرة السورية، حوالي 900 ليرة (18 دولارا) وهو مبلغ ضخم لطالب أو لأي مواطن سوري.
أعطاني صاحب المحل العلبة، وطلب مني أن أكون حذرا في استخدام الزيت، وأن أمدده بالمياه، لأن رائحته قوية وناخزة جدا.
في البيت، وبسبب إيماني بالكثرة وقناعتي بالتركيز، وضعت ربع القنينة على رأسي.
الرائحة التي كان يصدرها هذا الزيت، تشبه تقريبا رائحة أي جسد متعفن، رائحة مرعبة تحرض على الإقياء، وتنبه المخ مباشرة، وتبطل أي قدرة على التفكير، وتهيمن على كل الأحاسيس، ولا يحتملها أي مخلوق كوني.
لم أتحمل الرائحة، ودخلت إلى الحمام فورا، وفركت رأسي بالمياه لأكثر من نصف ساعة. ولكن الرائحة لم تخرج على الإطلاق.
ذهبت إلى المدينة الجامعية عند أصدقاء، فطلبوا مني الخروج من الغرفة فورا، لأن ثمة جثة في داخلي يجب أن أخرجها، على حد تعبيرهم.
المهم، بعدها، حلقت شعري على الصفر، وأنا حتى الآن على حافة الصلع. تحيّة لزيت الأفعى.
الحرة