ماهر ابو طير
في المعلومات أن الأردن يعيد تقييم علاقاته مع دمشق، والمؤكد هنا، أن الحذر يطغى على كل الاستخلاصات النهائية، بشأن أية خطوات مقبلة.
التقييم يخضع لاعتبارات مختلفة، أبرزها المصالح الأردنية أولا، ثم الموقف العربي للدول التي اتخذت مواقف متشددة ضد النظام السوري، ثم الموقف الإقليمي التركي والإيراني، وما تريده واشنطن في المنطقة، ثم سياسات الإسرائيليين القائمة على خلط الأوراق كل فترة، وما هو أهم يرتبط باحتمال التغيرات المفاجئة مجددا في كل المشهد السوري.
في عمان تتوالى النداءات لتحسين العلاقات الأردنية السورية، وتعيين سفير أردني في دمشق، والوفود الأردنية تسابق بعضها البعض لزيارة دمشق، على أكثر من مستوى، بما في ذلك الزيارات التي قد تستجد قريبا لوزراء من البلدين.
المفارقة أن عودة السوريين إلى بلادهم بطيئة جدا، كما أن كل المؤشرات في عمان تدل على أننا أمام لجوء سوري طويل الأمد، بما يصح وصفه باللجوء المزمن، وبحيث تتحول الكتلة السورية في الأردن إلى كتلة مقيمة، بدلا من لاجئة، لاعتبارات سياسية واقتصادية، وبسبب المحاذير الأمنية، وهذا هو رأي الأوروبيين الذي قيل مرارا للأردن، وأن عليه أن يتوقع إقامة طويلة الأمد للسوريين، حتى لو توقفت الحرب.
التيار المؤيد لدمشق في عمان، يبتهج بكل دعوة للانفتاح على نظام الاسد، باعتبار أن النظام قد انتصر، وان قوافل التائبين والعائدين إلى دمشق، باتت طبيعية يوما بعد آخر، واللهجة الاحتفالية تتعامى عن كل ضحايا الحرب.
لا أحد يحدثك هنا عن كلفة الحرب، ولا الكلفة الأخلاقية، ولا حتى الملفات العالقة من لاجئين وغير ذلك، وكلفة إعادة الإعمار المالية، وكلفة إعادة الإعمار الوجدانية، بعد حالة التشظية التي شهدتها الهوية السورية على خلفية صراع تم صبغه بروح مذهبية وطائفية، وأورث الغضب والرغبة بالثأر في قلوب مئات الآلاف، فوق تدمير الدولة السورية.
ينتظر الأردن إشارات أقوى تحضه على الانفتاح على دمشق بشكل أعلى، وإذا كانت العلاقات التجارية وعلى مستويات نيابية ونقابية ووزارية-فنية، تتغير نحو نمط جديد، فإن عمان تتصرف بحذر حتى الآن، ولا تريد الدخول في قوافل الذين يبايعون الأسد دون أن تكون هناك صفقة أوسع في المنطقة.
ربما أعلى الخيارات المتاحة الآن، من حيث السقف، قبول تعيين سفير سوري في عمان، وتعيين سفير أردني في دمشق، إذا اتخذت دول عربية جديدة قرارات مشابهة، إضافة إلى عدم الممانعة من عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، بطلب من العرب، مع العلم أن دمشق تأبى التقدم بطلب لعودتها حتى الآن، باعتبارها لم تخرج طوعا، وإنما تم إخراجها عنوة.
من المبالغة هنا الحديث عن زيارات متبادلة على مستوى رؤساء الدولتين حاليا، مع المعلومات التي تتدفق على الأردن بشأن اعتراضات إيرانية جزئية على أي تصعيد إيجابي للعلاقات الأردنية – السورية، مثلما كان الاعتراض الإيراني ذاته على تحسين العلاقات الأردنية – العراقية، في ظل رغبة طهران ان يكون الانفتاح العراقي والسوري على الأردن جزءا من تفاهم إقليمي يرتبط بمصالح إيران في كل المنطقة.
المفارقة هنا أن هناك حسابات سورية وعراقية قد تنفصل إلى حد قليل عن حسابات إيران في الإقليم، فوق أن هناك حسابات عربية مستجدة تقول إن خير وسيلة لطرد إيران من المنطقة، استعادة العلاقات مع العواصم التي تسللت إليها، حتى لو بدت هذه الخطوات اعتذارية بأثر رجعي، فيما هي خطوات لها غاية وظيفية.
ما يمكن قوله هنا، ان العلاقات الأردنية السورية لن تعود إلى سابق عهدها، ما لم تكن هناك صفقة عربية وإقليمية في المنطقة، بشراكة دولية، أي أن الأردن لن يتخذ خطوات منفردة تماما، بل سوف يسعى إلى أن تكون ضمن حزمة أوسع في المنطقة، وهذا يعني اننا قد نرى انفتاحا متدرجا وبطيئا ومحسوبا، في ظل كثرة الحسابات في منطقة حافلة بالتقلبات.