بكر عويضة
نعم، المقصود قطاع غزة. بلا إجهاد الذات في زخرف القول، أو تنميق العبارات، بوسع كل ذي ضمير حي إلقاء سؤال مباشر على ضمائر قيادات الفصائل الفلسطينية: أما آن لكم الإقرار بما اكتسبت أيديكم من مظالم ابتغاء مكاسب تجنيها جيوب عواصم ليس يعنيها من أمر القطاع سوى ما يخدم مصالحها، حتى لو أحال الانقسام أحوال القطاع إلى مستنقع جرائم تتنوع ملفاتها؛ من مآسي إدمان المخدرات في أوساط شباب ضائع يعاني البطالة، إلى بعض أبشع أشكال هتك الأعراض واغتصاب المحارِم؟! يحدث كل هذا فوق أرض ضُرب بها المثل منذ نكبة 1948، ليس في خُلق العمل السياسي فحسب، بل الأهم في أخلاق التعامل بين أهلها.
تلك كانت غزة زهير بشير الريس، وخميس أبو شعبان، وسليم أديب الزعنون، وموسى عيسى سابا، والشيخ إسماعيل جنينة، وجمال عمر الصوراني، ومحمد زكي آل رضوان، وحيدر عبد الشافي، والشيخ جميل الريس، ومعين بسيسو، ويسرى البربري، وسامي أبو شعبان، والشيخ هاشم الخزندار، وإلياس بولس عزام، وناهض منير الريس، وعبد الكريم السبعاوي، وحسن أبو عاصي، وجمال عايش، وحمدي عابد، ومروان برزق، ومحمد المسلمي، وزين العابدين الحسيني، ودرويش عبد النبي، وحكمت برزق، ومازن الشوا، ومحمد حسيب القاضي، وأسامة علي شُرّاب، ومحمد صوان، وعبد الوهاب الهندي، وخليل طافش، وغيرهم ممن لم تتح لي فرصة متابعة مواقفهم عن قرب، أو الشرب من نبع تجربتهم في بداياتي الصحافية. أولئك كانوا بعض رجالات غزة المنتمين لمختلف تيارات العمل السياسي، المستقل والحزبي، ولأطياف الفكر كافة، العروبي والإسلامي والأممي. كان جيلي، زمنذاك، يتعلم من أساليب تحاورهم أدب الحوار وخُلق الاختلاف في الرأي.
أين توارت غزة المثُل والقيّم تلك – ليس الأشخاص – في قطاع عاث فيه الاغتيال السياسي، بل استشرى فيه أيضاً اغتيال منظومة قيم أخلاقية عُرف بها الفلسطينيون كلهم أجمعون، إلا من فسد منهم؟ بدءاً، تجب المسارعة إلى توضيح، خلاصته أن الوضع المشار إليه هنا ليس مسؤولية حركة حماس حصرياً، كونها تحكم غزة منذ أحد عشر عاماً فقط. كلا، ليس من الإنصاف، موضوعياً، تحميل قيادات التيار الإسلامي كامل المسؤولية عن تردي مستويات التعامل بين زعامات الفصائل الفلسطينية إلى ما وصلت إليه. الواقع الموّثق يقول إن مسلسل الاغتيالات السياسية بدأ زمن حكم حركة فتح للقطاع. صحافياً، أستطيع القول إنني شاهد على ذلك. بعد مرور ستة أيام على توقيع اتفاق أوسلو (13-9-1993)، كنتُ أستعد لبدء أول نهار عمل في غزة، بتكليف من «الشرق الأوسط». ثالث أيام وصولي، اغتيل المحامي محمد هاشم أبو شعبان، وهو آنذاك من القيادات الفتحاوية الشابة. تابعت تشييع الجثمان من الجامع العُمري، وسمعت – كما غيري – الهمس الذي شاع بين المشيعين، وخلاصته أن مُصدري الأمر، والأصابع التي نفذت، هي من داخل «فتح». لم يمض طويل وقت حتى وقع اغتيال أسعد الصفطاوي (21-11-1993)، وهو كذلك كان من القيادات الفتحاوية الشابة. واستمر حوار لغة الرصاص الفتحاوي بشوارع غزة، فقَتل كلاً من الإعلامي هشام مكي (17-1-2001)، والصحافي خليل الزبن (3-3-2004)، والمسؤول الأمني موسى عرفات (7-9-2005)، وهم من وجوه «فتح» المعروفة، إضافة إلى اغتيالات عدة راح ضحيتها شبان أقل شهرة.
خلاصة ما سبق أن حكم «فتح»، السابق لتولي «حماس» السلطة، هو الذي فتح طريق الاغتيال، وأوقع جروح الثأر في النفوس. والواقع يقول، كذلك، إن سنوات الحكم الفتحاوي فتحت كل الطرق أمام أوجه فساد تمثلت في انتشار وباء العمولات والرشى، بل طالت حتى الجانب الأخلاقي، على نحو لم يعرفه أهل القطاع من قبل. ماذا كانت المحصلة؟ بالطبع، انتصار «حماس» في انتخابات ربيع 2006. فهل صانت قيادات حركة المقاومة الإسلامية الأمانة، وأدت مسؤولياتها مجردة من الهوى التنظيمي، وبلا تحالفات خارجية ذات أهداف بعيدة المدى؟ كلا، باختصار. ثم إن زعامات «حماس» بدل أن تمد جسور الإصلاح مع غيرها فور فوزها الانتخابي، اختارت نسف تلك الجسور تماماً، بالاستيلاء الكامل على السلطة صيف 2007، وبدء مسيرة انقسام سوف يُسجل التاريخ عليها وصمة أنها بدأته، وعلى قيادات الحركتين معاً مصيبة الاستمرار به أحد عشر عاماً. تُرى، مع إطلالة 2019، أما من درهم أمل في مقابل قناطير التشاؤم؟ لستُ أدري، ربما لدى غيري ما يعزز التفاؤل، وهو الأفضل دائماً.
تلك كانت غزة زهير بشير الريس، وخميس أبو شعبان، وسليم أديب الزعنون، وموسى عيسى سابا، والشيخ إسماعيل جنينة، وجمال عمر الصوراني، ومحمد زكي آل رضوان، وحيدر عبد الشافي، والشيخ جميل الريس، ومعين بسيسو، ويسرى البربري، وسامي أبو شعبان، والشيخ هاشم الخزندار، وإلياس بولس عزام، وناهض منير الريس، وعبد الكريم السبعاوي، وحسن أبو عاصي، وجمال عايش، وحمدي عابد، ومروان برزق، ومحمد المسلمي، وزين العابدين الحسيني، ودرويش عبد النبي، وحكمت برزق، ومازن الشوا، ومحمد حسيب القاضي، وأسامة علي شُرّاب، ومحمد صوان، وعبد الوهاب الهندي، وخليل طافش، وغيرهم ممن لم تتح لي فرصة متابعة مواقفهم عن قرب، أو الشرب من نبع تجربتهم في بداياتي الصحافية. أولئك كانوا بعض رجالات غزة المنتمين لمختلف تيارات العمل السياسي، المستقل والحزبي، ولأطياف الفكر كافة، العروبي والإسلامي والأممي. كان جيلي، زمنذاك، يتعلم من أساليب تحاورهم أدب الحوار وخُلق الاختلاف في الرأي.
أين توارت غزة المثُل والقيّم تلك – ليس الأشخاص – في قطاع عاث فيه الاغتيال السياسي، بل استشرى فيه أيضاً اغتيال منظومة قيم أخلاقية عُرف بها الفلسطينيون كلهم أجمعون، إلا من فسد منهم؟ بدءاً، تجب المسارعة إلى توضيح، خلاصته أن الوضع المشار إليه هنا ليس مسؤولية حركة حماس حصرياً، كونها تحكم غزة منذ أحد عشر عاماً فقط. كلا، ليس من الإنصاف، موضوعياً، تحميل قيادات التيار الإسلامي كامل المسؤولية عن تردي مستويات التعامل بين زعامات الفصائل الفلسطينية إلى ما وصلت إليه. الواقع الموّثق يقول إن مسلسل الاغتيالات السياسية بدأ زمن حكم حركة فتح للقطاع. صحافياً، أستطيع القول إنني شاهد على ذلك. بعد مرور ستة أيام على توقيع اتفاق أوسلو (13-9-1993)، كنتُ أستعد لبدء أول نهار عمل في غزة، بتكليف من «الشرق الأوسط». ثالث أيام وصولي، اغتيل المحامي محمد هاشم أبو شعبان، وهو آنذاك من القيادات الفتحاوية الشابة. تابعت تشييع الجثمان من الجامع العُمري، وسمعت – كما غيري – الهمس الذي شاع بين المشيعين، وخلاصته أن مُصدري الأمر، والأصابع التي نفذت، هي من داخل «فتح». لم يمض طويل وقت حتى وقع اغتيال أسعد الصفطاوي (21-11-1993)، وهو كذلك كان من القيادات الفتحاوية الشابة. واستمر حوار لغة الرصاص الفتحاوي بشوارع غزة، فقَتل كلاً من الإعلامي هشام مكي (17-1-2001)، والصحافي خليل الزبن (3-3-2004)، والمسؤول الأمني موسى عرفات (7-9-2005)، وهم من وجوه «فتح» المعروفة، إضافة إلى اغتيالات عدة راح ضحيتها شبان أقل شهرة.
خلاصة ما سبق أن حكم «فتح»، السابق لتولي «حماس» السلطة، هو الذي فتح طريق الاغتيال، وأوقع جروح الثأر في النفوس. والواقع يقول، كذلك، إن سنوات الحكم الفتحاوي فتحت كل الطرق أمام أوجه فساد تمثلت في انتشار وباء العمولات والرشى، بل طالت حتى الجانب الأخلاقي، على نحو لم يعرفه أهل القطاع من قبل. ماذا كانت المحصلة؟ بالطبع، انتصار «حماس» في انتخابات ربيع 2006. فهل صانت قيادات حركة المقاومة الإسلامية الأمانة، وأدت مسؤولياتها مجردة من الهوى التنظيمي، وبلا تحالفات خارجية ذات أهداف بعيدة المدى؟ كلا، باختصار. ثم إن زعامات «حماس» بدل أن تمد جسور الإصلاح مع غيرها فور فوزها الانتخابي، اختارت نسف تلك الجسور تماماً، بالاستيلاء الكامل على السلطة صيف 2007، وبدء مسيرة انقسام سوف يُسجل التاريخ عليها وصمة أنها بدأته، وعلى قيادات الحركتين معاً مصيبة الاستمرار به أحد عشر عاماً. تُرى، مع إطلالة 2019، أما من درهم أمل في مقابل قناطير التشاؤم؟ لستُ أدري، ربما لدى غيري ما يعزز التفاؤل، وهو الأفضل دائماً.
الشرق الاوسط