عثمان ميرغني
2019 سيكون عاماً ساخناً حافلاً بالمواجهات السياسية، وربما الأزمات، في أميركا. أما بالنسبة للرئيس دونالد ترمب، فإنه سيكون عام الاختبارات الحاسمة لإدارته، ولمستقبله السياسي وطموحاته لانتخابات 2020. كل الأطراف تستعد للمعارك المقبلة والأزمات المتوقعة، وعلى العرب أيضاً أن يستعدوا لها ولتبعاتها المحتملة.
السنة بدأت وجزء من الحكومة الفيدرالية معطل، بسبب مبلغ الخمسة مليارات دولار التي يشترط ترمب تخصيصها في إنفاق هذا العام، كجزء من تكلفة الجدار الذي يريد مده على طول الحدود مع المكسيك، بتكلفة إجمالية قد تتجاوز 25 مليار دولار، وفقاً لكثير من التقديرات، وخلافاً لما أعلنه الرئيس من أنها ستكون في حدود 8 مليارات دولار. الديمقراطيون الذين باتوا يسيطرون على مجلس النواب وسيتولون رئاسته اعتباراً من اليوم، يرفضون تخصيص هذه المبالغ «لحائط ترمب»، ويعتبرونه تبديداً للموارد، ولن يكون حلاً لمشكلة المهاجرين، ولا ضرورياً لحماية الأمن القومي كما يقول البيت الأبيض.
هذا الخلاف الذي يعطل الميزانية وقسماً من الحكومة الفيدرالية، سيحل بصفقة من نوع ما على طريقة دهاليز واشنطن السياسية؛ لكنه يبقى مؤشراً لمعارك أخرى قادمة، ستكون أقسى وأخطر في عام سيشهد مزيداً من التجاذب في الساحة السياسية المنقسمة، بين مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس شيوخ في قبضة الجمهوريين، وكذلك بين الرئيس والكونغرس، وبين الرئيس والإعلام المتأهب لفيض من القضايا المثيرة. أضف إلى كل ذلك ما ستضفيه أجواء المعارك المبكرة استعداداً لانتخابات الرئاسة المقبلة، إذ يتوقع دخول عدد من المرشحين إلى الساحة تباعاً خلال الأشهر المقبلة. فمع بداية الأسبوع الجاري أصبحت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارين أول من يعلن رسمياً عزمه الترشح، بينما تتجه الأنظار نحو نائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتور بيرني ساندرز، لمعرفة ما إذا كانا سيخوضان أيضاً سباق الترشح عن الحزب الديمقراطي، وسط توقعات بأن عدداً كبيراً من المرشحين ينوون دخول المنافسة في مراحلها التمهيدية.
في إطار هذه الأجواء، كان لافتاً الهجوم العنيف الذي شنه السيناتور الجمهوري ميت رومني على ترمب، في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» أمس، قائلاً إنه لم يرتفع إلى مستوى مكتب الرئاسة. كما انتقد أسلوب الرئيس الانقسامي، وتخليه عن عدد من حلفاء أميركا، وعزله عدداً من كبار مسؤولي الإدارة البارزين، واستبدال أشخاص أقل وزناً بهم.
المقال اعتبر تمهيداً لإعلان محتمل في مرحلة لاحقة، عن عزم رومني خوض سباق انتخابات الرئاسة مجدداً عن الحزب الجمهوري. لكنه لن يكون الوحيد بالتأكيد من الجمهوريين البارزين الذين يطمحون لمنصب ترمب، إما لأنهم يعارضون أسلوبه وسياساته، وإما لأنهم يرون أنه قد لا يكمل فترته الرئاسية، وإما أنه حتى إذا أكملها فسوف يكون أضعف مما كان عليه في انتخابات 2016، نتيجة الانقسام في المجتمع الأميركي وداخل الحزب، وما يثيره أسلوبه من انتقادات حادة في قطاعات واسعة.
كل هذه المعارك والمواجهات ربما لا تكون الهاجس الأكبر لترمب في هذه اللحظة؛ لأن هناك ما هو أخطر بكثير بالنسبة له. فالرئيس وفريق مساعديه المقربين يعدون العدة ويرسمون الخطط لمواجهة التقرير الذي يتوقع أن يصدره قريباً المحقق الخاص روبرت مولر؛ خصوصاً بعدما تسرب أن مساعديه يعكفون حالياً على كتابة التقرير الذي سيرفعه إلى وزير العدل. هذا التقرير سيكون خلاصة التحقيقات التي استمرت 19 شهراً حتى الآن، للنظر في مسألة التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وما إذا كان هناك تنسيق أو تعاون قد حدث بين حملة ترمب والروس. كما يتوقع أن يتناول التقرير ما إذا كان الرئيس قد عرقل سير العدالة، وحاول التدخل في التحقيقات بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك قراره فصل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، الذي كان يحقق في التدخل الروسي في الانتخابات، وفي أنشطة بعض معاوني الرئيس.
حتى الآن يبدو أن الاستراتيجية التي وضعها فريق ترمب لمواجهة تقرير مولر، هي عرقلته ومنع وصوله إلى الكونغرس إذا أمكن، أو وصوله غير كامل. فقد نشر عدد من وسائل الإعلام الأميركية تقارير تشير إلى أن فريق ترمب القانوني، وعلى رأسه عمدة نيويورك الأسبق رودي جولياني، سيتمسك بحصانة الرئيس والصلاحيات الاستثنائية التنفيذية، وذلك لمنع نشر التقرير أو أجزاء منه. فوفقاً لما هو متبع، فإن مولر يجب أن يرفع تقريره لوزير العدل، الذي سيقرر ما إذا كان سيقدم للكونغرس أم لا، وحتى إذا قدم للكونغرس فهل سيكون كاملاً أم ستحجب أجزاء منه. كل هذا سيعتمد بالطبع على فحوى التقرير، وما إذا كان سيورط الرئيس ويهدد منصبه.
جولياني في عدد من المقابلات مع وسائل الإعلام، لمح إلى هذه الاستراتيجية، وهو ما يعني حتماً الدخول في مواجهة شرسة مع الكونغرس؛ خصوصاً مجلس النواب، الذي سيطلب الاطلاع على التقرير كاملاً. هذه المواجهة قد تصل إلى المحاكم، مثلما حدث مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، إبان فضيحة «ووترغيت»، ووقتها انتصرت المحكمة العليا للكونغرس.
وفي كل الأحوال فإن المسألة سوف تستغرق وقتاً طويلاً، وهو ما يريده معسكر ترمب الذي يرى أن الوقت سيكون في مصلحته، لا سيما إذا امتدت المعركة وتداخلت مع استعدادات الجمهوريين والديمقراطيين لمعركة انتخابات 2020. ترمب استعد كما يبدو لهذه المعركة بمرشحيه وتعييناته في المحكمة العليا وفي وزارة العدل، التي أطاح منها جيف سيشنز لأنه اختار أن ينأى بنفسه عن أي تدخل أو إشراف فيما يتعلق بتحقيقات مولر.
واشنطن تتحفز بلا شك لعام حافل بالمشكلات والمعارك الداخلية، التي ستكون لها انعكاساتها الخارجية بالتأكيد.
السنة بدأت وجزء من الحكومة الفيدرالية معطل، بسبب مبلغ الخمسة مليارات دولار التي يشترط ترمب تخصيصها في إنفاق هذا العام، كجزء من تكلفة الجدار الذي يريد مده على طول الحدود مع المكسيك، بتكلفة إجمالية قد تتجاوز 25 مليار دولار، وفقاً لكثير من التقديرات، وخلافاً لما أعلنه الرئيس من أنها ستكون في حدود 8 مليارات دولار. الديمقراطيون الذين باتوا يسيطرون على مجلس النواب وسيتولون رئاسته اعتباراً من اليوم، يرفضون تخصيص هذه المبالغ «لحائط ترمب»، ويعتبرونه تبديداً للموارد، ولن يكون حلاً لمشكلة المهاجرين، ولا ضرورياً لحماية الأمن القومي كما يقول البيت الأبيض.
هذا الخلاف الذي يعطل الميزانية وقسماً من الحكومة الفيدرالية، سيحل بصفقة من نوع ما على طريقة دهاليز واشنطن السياسية؛ لكنه يبقى مؤشراً لمعارك أخرى قادمة، ستكون أقسى وأخطر في عام سيشهد مزيداً من التجاذب في الساحة السياسية المنقسمة، بين مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس شيوخ في قبضة الجمهوريين، وكذلك بين الرئيس والكونغرس، وبين الرئيس والإعلام المتأهب لفيض من القضايا المثيرة. أضف إلى كل ذلك ما ستضفيه أجواء المعارك المبكرة استعداداً لانتخابات الرئاسة المقبلة، إذ يتوقع دخول عدد من المرشحين إلى الساحة تباعاً خلال الأشهر المقبلة. فمع بداية الأسبوع الجاري أصبحت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارين أول من يعلن رسمياً عزمه الترشح، بينما تتجه الأنظار نحو نائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتور بيرني ساندرز، لمعرفة ما إذا كانا سيخوضان أيضاً سباق الترشح عن الحزب الديمقراطي، وسط توقعات بأن عدداً كبيراً من المرشحين ينوون دخول المنافسة في مراحلها التمهيدية.
في إطار هذه الأجواء، كان لافتاً الهجوم العنيف الذي شنه السيناتور الجمهوري ميت رومني على ترمب، في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» أمس، قائلاً إنه لم يرتفع إلى مستوى مكتب الرئاسة. كما انتقد أسلوب الرئيس الانقسامي، وتخليه عن عدد من حلفاء أميركا، وعزله عدداً من كبار مسؤولي الإدارة البارزين، واستبدال أشخاص أقل وزناً بهم.
المقال اعتبر تمهيداً لإعلان محتمل في مرحلة لاحقة، عن عزم رومني خوض سباق انتخابات الرئاسة مجدداً عن الحزب الجمهوري. لكنه لن يكون الوحيد بالتأكيد من الجمهوريين البارزين الذين يطمحون لمنصب ترمب، إما لأنهم يعارضون أسلوبه وسياساته، وإما لأنهم يرون أنه قد لا يكمل فترته الرئاسية، وإما أنه حتى إذا أكملها فسوف يكون أضعف مما كان عليه في انتخابات 2016، نتيجة الانقسام في المجتمع الأميركي وداخل الحزب، وما يثيره أسلوبه من انتقادات حادة في قطاعات واسعة.
كل هذه المعارك والمواجهات ربما لا تكون الهاجس الأكبر لترمب في هذه اللحظة؛ لأن هناك ما هو أخطر بكثير بالنسبة له. فالرئيس وفريق مساعديه المقربين يعدون العدة ويرسمون الخطط لمواجهة التقرير الذي يتوقع أن يصدره قريباً المحقق الخاص روبرت مولر؛ خصوصاً بعدما تسرب أن مساعديه يعكفون حالياً على كتابة التقرير الذي سيرفعه إلى وزير العدل. هذا التقرير سيكون خلاصة التحقيقات التي استمرت 19 شهراً حتى الآن، للنظر في مسألة التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وما إذا كان هناك تنسيق أو تعاون قد حدث بين حملة ترمب والروس. كما يتوقع أن يتناول التقرير ما إذا كان الرئيس قد عرقل سير العدالة، وحاول التدخل في التحقيقات بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك قراره فصل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، الذي كان يحقق في التدخل الروسي في الانتخابات، وفي أنشطة بعض معاوني الرئيس.
حتى الآن يبدو أن الاستراتيجية التي وضعها فريق ترمب لمواجهة تقرير مولر، هي عرقلته ومنع وصوله إلى الكونغرس إذا أمكن، أو وصوله غير كامل. فقد نشر عدد من وسائل الإعلام الأميركية تقارير تشير إلى أن فريق ترمب القانوني، وعلى رأسه عمدة نيويورك الأسبق رودي جولياني، سيتمسك بحصانة الرئيس والصلاحيات الاستثنائية التنفيذية، وذلك لمنع نشر التقرير أو أجزاء منه. فوفقاً لما هو متبع، فإن مولر يجب أن يرفع تقريره لوزير العدل، الذي سيقرر ما إذا كان سيقدم للكونغرس أم لا، وحتى إذا قدم للكونغرس فهل سيكون كاملاً أم ستحجب أجزاء منه. كل هذا سيعتمد بالطبع على فحوى التقرير، وما إذا كان سيورط الرئيس ويهدد منصبه.
جولياني في عدد من المقابلات مع وسائل الإعلام، لمح إلى هذه الاستراتيجية، وهو ما يعني حتماً الدخول في مواجهة شرسة مع الكونغرس؛ خصوصاً مجلس النواب، الذي سيطلب الاطلاع على التقرير كاملاً. هذه المواجهة قد تصل إلى المحاكم، مثلما حدث مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، إبان فضيحة «ووترغيت»، ووقتها انتصرت المحكمة العليا للكونغرس.
وفي كل الأحوال فإن المسألة سوف تستغرق وقتاً طويلاً، وهو ما يريده معسكر ترمب الذي يرى أن الوقت سيكون في مصلحته، لا سيما إذا امتدت المعركة وتداخلت مع استعدادات الجمهوريين والديمقراطيين لمعركة انتخابات 2020. ترمب استعد كما يبدو لهذه المعركة بمرشحيه وتعييناته في المحكمة العليا وفي وزارة العدل، التي أطاح منها جيف سيشنز لأنه اختار أن ينأى بنفسه عن أي تدخل أو إشراف فيما يتعلق بتحقيقات مولر.
واشنطن تتحفز بلا شك لعام حافل بالمشكلات والمعارك الداخلية، التي ستكون لها انعكاساتها الخارجية بالتأكيد.
الشرق الأوسط