جويس كرم
عام جديد حل على الشرق الأوسط وبوادره الأولى كانت ملامح اتفاقات وانسحابات في ساحتيه الأكثر اشتعالا أي سوريا واليمن. هذه الملامح في حال نضجت على وقع صعود روسيا والتردد الأميركي قد تهيئ لاختراقات سياسية وترسخ المعسكرات المتصارعة إقليميا.
إذا بدأنا من الساحة السورية، فإعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب ـ ولو من دون جدول زمني واضح ـ واستئناف الانفتاح الخليجي على النظام السوري بفتح السفارة الإماراتية والبحرينية ودور سلطنة عمان وإمكانية عودة دمشق للجامعة العربية، كله يذهب باتجاه التفاوض حول صفقة أكبر.
عناصر الصفقة السورية هي تعويم النظام إقليميا، وترسيخ دور روسيا كوسيط وضامن للاتفاق، وبدء الحرب الباردة إقليميا في سوريا بين معسكر الرباعية الخليجية ومصر من جهة، ومعسكر إيران وتركيا وقطر من جهة أخرى.
بالطبع، هناك علامات استفهام ضخمة حول أمن تركيا وإسرائيل ومصير القوات الكردية، وإذا ما كان أي اتفاق سيشمل مناطق آمنة أو سيهيئ لقوات عربية في المناطق التي يتواجد فيها الأميركيون اليوم.
ومن أبرز الأسئلة هي ما يدور حول ما سيقدمه النظام السوري إلى جانب التعاون الأمني الجاري مع عدد من الدول العربية، وما هو مستقبل أكثر من خمسة آلاف مقاتل لـ”حزب الله” على أراضيه؟
وهذا يعزز محورية الديبلوماسية الروسية في ترتيب الأوراق السورية أمام حزم ترامب أمتعته، وقلق إسرائيل وتركيا مما ستحمله التهديدات الحدودية.
اليوم، روسيا هي اللاعب الوحيد القادر على تدوير الزوايا في سوريا، نظرا لنفوذها التاريخي هناك، وتحسن علاقتها مع إسرائيل وإيران وتركيا في الوقت نفسه، ومتانة ارتباطاتها بالدول الخليجية ومع جيران سوريا ومع الأكراد. هذا يضع موسكو في موقع استثنائي وهو ثمرة تفوقها على الديبلوماسية الأميركية منذ العام 2000. طبعا روسيا غير قادرة اقتصاديا على ملئ الفراغ الأميركي ومن هنا يأتي الحديث عن أوراق إعادة الأعمار وشروط إطلاق عمليته في سوريا.
في اليمن، انتهى العام بعد محادثات السويد وتقارير غير مؤكدة عن انسحاب الحوثيين من مرفأ الحديدة. الاندفاعة الدولية باتجاه حل في اليمن ومستوى الأزمة الاقتصادية قد يفتح نافذة لاختراق في العام 2019. التعقيدات كبيرة والنزاعات متعددة في حرب اليمن ولا تنحصر في دور القوى الخارجية، إنما هناك أيضا حالة إرهاق من الحرب وأزمة إنسانية واقتصادية تفترض إنعاش فرص الحل الديبلوماسي.
أما الأزمات المرجحة في الاستمرار في العام 2019، فهي الخلاف مع قطر، والجمود على مسار التفاوض الفلسطيني ـ الاسرائيلي والتشنج الأميركي مع إيران.
تعبر أزمة قطر، كما ناقشنا سابقا عبر هذه الزاوية، عن انقسام إقليمي أبعد ورؤى متضاربة حول دور التيارات الإسلامية في السلطة وتنافس على النفوذ من مقديشو إلى طرابلس الغرب.
أما عملية السلام، فجمودها سيستمر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/أبريل المقبل، ولن تطلق إدارة ترامب خطتها قبل إجراء الانتخابات.
وفي الملف الإيراني، يراهن الطرفان على الوقت. رهان طهران هو لتخطي حقبة ترامب ورهان واشنطن هو على الضغوط الاقتصادية لكسر ظهر النظام.
في السعودية، يحمل تعيين إبراهيم العساف وزيرا للخارجية أفق مزج الاقتصاد بالدبلوماسية. فللوزير الجديد شبكة علاقات قوية مع الأوروبيين وفي واشنطن، وهو رغم قلة كلامه الإعلامي، معروف بحنكة ديبلوماسية وهدوء وصبر في العمل في الكواليس. أما باقي التعيينات والتغييرات فهي تثبت موقع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتوسع دائرة القرار الاستراتيجي في المملكة بعد أزمة مقتل جمال خاشقجي.
الصفقات المحتملة في سوريا ومصير “حزب الله” هناك قد تزيد الوضع تعقيدا في لبنان في العام 2019. فمن دون حكومة، وعلى وقع التهديد الإسرائيلي وشبح الانهيار الاقتصادي، إن الأفق سوداوي في بيروت.
هذه الصورة تحيط الشرق الأوسط في العام 2019 وتحضر لعام ساخن على مستوى توزيع الحصص وتدوير الزوايا في سوريا، ومحاولة استنباط آلية حل في اليمن.
دوليا، التراجع الاميركي ومشاكل أوروبا وبريطانيا الاقتصادية سيستوعبه صعود روسيا والقوى الإقليمية، واحتمال دخول الصين بقوة على الساحتين الدفاعية والاقتصادية.
الحرة