كيرلس عبد الملاك
على مر التاريخ أثبت الأقباط، السلالة الأنقى للمصريين القدماء، أنهم حماة المدنية في بلادهم حيث مثلوا عائق صريح في مسار التشدد الديني فمنعوه من أن يسيطر على جميع قرارات ومشروعات الدولة المصرية على الرغم من أن ذاك التشدد استطاع خلال العقود الماضية أن يتسرب إلى داخل مفاصل جميع أجهزة هذه الدولة من خلال الخطاب الإسلامي المتشدد المدعوم من الخليج العربي بالمليارات والذي أثر بشكل مباشر على الميول والسلوك والمفاهيم، ولولا هؤلاء الأقباط لصارت مصر صورة طبق الأصل من أفغانستان التي تدهورت بفعل الهوس الديني وصارت مثل خرقة بالية بين دول العالم أجمع.
خلال الأيام الماضية وتحديدًا في شهر ديسمبر من عام 2018، ظهر للأقباط صوت قوي قادم من خارج مصر لم يكن في الحسبان في ظل ظلام دامس، وتعديات طائفية متعاقبة ضد الأقباط في وطنهم، وتجاهل غير مبرر من المسؤولين، بعد أن وقعت جريمة طائفية غادرة بطلها رجل شرطة مسلم المفترض أنه حارس إحدى كنائس محافظة المنيا في مصر حيث قتل قبطيين بدم بارد دون أدنى سبب ورصدته عدسة إحدى الكاميرات، حينها انتفض عدد من أقباط المهجر بقلب إنسان واحد، ورفعوا أصواتهم ضد الظلم في بعض دول العالم المتحضر تضامنا مع إخوتهم في مصر في تحرك جماعي هو الأول من نوعه في التاريخ القبطي، بعد أن طفح الكيل داخليا وخارجيا، ليثبتوا أن الأقباط في الداخل والخارج هم حجر الأساس في معادلة المدنية والتحضر المصري من خلال مطالبتهم بتفعيل العدالة التي إذا غابت عن أي دولة سقطت في وحل الرجعية والفشل.
لقد نظم أقباط المهجر، خلال شهر ديسمبر الماضي، وقفات ومسيرات احتجاجية متعاقبة ومتزامنة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وأستراليا على الترتيب منذ يوم 16 إلى يوم 30 من ديسمبر في تناغم سيمفوني رائع غير مسبوق، ليعلنوا عن وجود ظهير قبطي دولي قد أراد له الله أن يظهر في هذا التوقيت ليبث القوة في قضية مدنية الدولة المصرية ويعيد قضية العدالة والمساواة بين المسيحيين والمسلمين إلى طاولة اهتمامات أجهزة الدولة المصرية مرة أخرى، وعلى الرغم من الضغوط السياسية على قيادات الكنيسة القبطية لإيقاف هذه التحركات فضلا عن انتشار الإحباط في الأوساط القبطية من جدوى هذه التحركات، إلا أنها تمت بنجاح فائق، وصارت الحجر الذي حرك المياة الراكدة في القضية القبطية المخدّرة منذ سنوات.
من ثمار انتفاضة أقباط المهجر الثائرة ضد ظلم الأقباط في مصر، تشكيل الرئيس عبد الفتاح السيسي اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية بعد ساعات قلائل من إتمام آخر وقفة احتجاجية قبطية وهي التي نظمتها الهيئة القبطية الأسترالية في سيدني بأستراليا في يوم الثلاثين من ديسمبر الماضي، إلى جوار إعلان الحكومة المصرية عن تقنين وتوفيق أوضاع 80 كنيسة في اليوم التالي، وسبقهما تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل أحد التجار الأقباط في الإسكندرية بعد مرور أكثر من عام على حدوثها، وإصدار حكم بإعدام مجرم آخر قتل طبيب قبطي في حي شبرا بالقاهرة منذ شهور، حيث أن هذه الأحكام عادة لا تصدر وإن صدرت لا تنفذ في حق الجاني المسلم في مثل هذه القضايا استنادا إلى القاعدة الإسلامية: “لا يؤخذ مسلم بدم كافر أو ذمي”، مع الإشارة إلى أن هذه التحركات من الرئيس والقضاء المصريين وأمثالها لا تمثل طموح الأقباط سواء في الداخل أو الخارج لأن الحق لا يمكن أن يُمنح بجرعات من العدالة تعطى بين فترة وأخرى حسبما يريد الحاكم إنما يمنح الحق عن طريق المؤسسية العادلة، لذا فالهدف الحقوقي الحاسم لأزمات الأقباط والذي سوف يوقف الطائفية من المنبع هو دولة القانون الخالية من الانتماء الديني لأن الانتماء الديني حينما يُقحَم في الدستور والقانون يخلق التمييز ويقتل المساواة ويوجد تربة خصبة للتشدد والرجعية فضلا عن أن الدولة كيان اعتباري ليس لها جنة أو نار في الآخرة ما يعد دليلا على عدم صلاحية انتساب الدولة لدين ما.
هذه النتائج التي خلقتها تحركات أقباط المهجر برغم عدم كفايتها إلا أنها تؤكد قوة أقباط المهجر واستطاعتهم التأثير على القرار المصري في ظل القيود المفروضة على التحركات القبطية الحقوقية الداخلية.
تجدر الإشارة إلى أن تحركات أقباط المهجر الداعمة للقضية القبطية لا تتوقف عند الوقفات والمسيرات الاحتجاجية لكنها تمتد إلى طرح هذه القضية الحقوقية قديمة المنشأ في المحافل الدولية لعل وعسى يبدأ مسار التطهير الجاد للوطن من التطرف والتمييز المؤسسي والمجتمعي، وأظن أن تحركات أقباط المهجر ستزيد حماسًا واشتعالا في الفترة المقبلة بعد انتفاضتهم الأخيرة التي أقامت جسد القضية القبطية من سباته.
في تصوري، قد حان الوقت لإنشاء كيان قبطي دولي يهتم بالقضية القبطية الوطنية ويجمع كل أقباط العالم على كلمة سواء وقرارات متناغمة وتحركات مشتركة دعمًا لوطنهم الذي يعاني من الفساد والرجعية والظلم والانحدار على كافة المستويات علاوة على أن ذاك الكيان سوف يرفع الحرج عن قادة الكنيسة الذين تقحمهم أجهزة الدولة المصرية في السياسة من حين لآخر فتتلوث أياديهم بالتوجهات السياسية التي لا تتناسب مع أعمالهم الكهنوتية الروحية الراقية.
كلما تحرك الاقباط تحركت الدوله ضدهم ودهستهم وداست علي احلامهم وانا اتذكر ما حدث في ماسبيرو ودموعي تتأرجح عندما انتفض الاقباط وكانت لهم المدرعات بالمرصاد ودهست احلامهم وفرحتهم وهاهي تكسرهم وتذلهم يوميا بعصابة الامن ورابطة السلفيين فيحرقوا الكنائس او يفتعلوا المشكلات لإغلاقها ،، فكيف السبيل للخروج من هذه الحفرة التي أوقعتهم بها الدوله ونظامها وحطمت نفسيتهم وآمالهم ولم يعد أمامهم طريق كالعميان ولا قائد يرشد ولا هادي لسبيل
تحية للكاتب كيرلس عبد الملاك، ولإدارة الجريدة ورئيس تحريرها. ألف مبروك وأتمنى لكم دوام النجاح. لا تعليق على المقال، فالدكتور/ منير مجاهد، مؤسس منظمة مصريون ضد التمييز الديني هو رائد وقائد ومناضل فى حركة حقوق الإنسان المصرية فى قلبها، وهو مناهضة التمييز، وهي آفة خطيرة تؤلم وتهدد المجتمع من أساسة، ومواجهتها لا يمكن أن تنجح إلا بالعمل ضده بالتعاون مع عناصر حية من ذات المجتمع. هنا يمكن الإبراء من الآفة. فبدون مشاركة المسلمين وغير المسلمين أي من ما ليس لهم دين، يمكن أن يتحول الأمل إلى واقع جديد صحي. وأود أن أذكر فى ذات الإطار إنشاء المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان عام 1996 ، والتي كان من أوصى باانشائها شهيد حرية العقيدة المرحوم فرج على فودة. فهو الذى نصح مجموعة من نشطاء الأقباط بكندا بانشاء كيان حقوقى يعنى بحقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقلية. وكان لى الشرف إن أحقق رؤية هذا الرجل، الذى دائما ما إعتبره “نبي” بالمفهوم العلمي وغير الديني، لأن رؤيته دائما كانت إستباقية، وإن شئت مستقبلية أيضا. ما إختبرته فى حياتي قبل أن أترك مصر عام 1977 وإلى الآن كان الدفاع عن حقوق الأقباط فى إطار مصرى خالص بعيدا عن أى علاقة مع رجال الدين، وكان عمل المظمة دائما مع المنظمات المصرية لحقوق الإنسان وكان عمل فى إطار مهنى رفيع, وكان أحد أعضاء المجلس ناشط حقوقى غير قبطي. هناك الكثير من الخبرة التي لا يمكن أن أغطيها هنا، ولكن فى النهاية، أن مشكلة الأقباط جزء من مشكلة مصر، ولذلك يجب ان نعي تماما إين أس المشكلة، أو جذور الآفة. أزعم وعن معرفة، أن كثير من العاملين بحقوق الإنسان والمفكرين من المسلمين المتخصصين يعلمون أكثر من الأقباط أين هي لب المشكلة، ولذلك هم أقدر على العمل من أجل حلها، ليس فقط من أجل “عيون الأقباط”، ولكن من أجل مستقبل مصر كلها وكل من فيها. نعم الأقباط – كما يحب الكاتب أن يعبر عن شعوره الوطنى – هم ورثة حضارة بقاياها داخل كنائسهم، ولكن هناك ملايين من المسلمين يشعرون بارتباطهم بالأرض بنفس المقدار ولكن بتأثير الجغرافيا اوعادات مصرية أصيلة، ولكن أزعم أيضا أن مصير مصر والمصريين جميعا هو المحرك الإساسي نحو التوحد والعمل فى مواجهة التحدى. كل عام والصديق العزيز منير مجاهد بخير وصحة وسعادة، وإلىى لقاء قريب، بإدن الله، فى مصر المحروسة والمباركة بوعده الإلهي. مصر شعب واحد!
أتفهم الأسباب التي دفعت الكاتب لكتابة هذا المقال، ومن أهمها التمييز الديني والطائفية التي يعاني منها المواطنون المسيحيون في مصر.
ولكن الطائفية لا تواجه بطائفية مضادة بل بضم الصفوف على المواطنين المسلمين الذين يرفضون التمييز الديني والطائفية ويتمسكون بالمواطنة كبديل لأي تقسيمات طائفية.
فمثلا يبدأ الكاتب بوصف الأقباط بأنهم “السلالة الأنقى للمصريين القدماء” وهو توصيف طائفي وعنصري غير علمي وغير تاريخي فجميع المصريون من نفس “السلالة” وقد دخل عليهم دماء أجنبية تمصرت من يونانيون ورومان وفرس وعرب وأتراك، لذا ستجد مصريون من جميع الأديان ذوي بشرة بيضاء أو سوداء وبشعر أشقر أو بني أو أصفر وعيون سوداء وخضراء وعسلية .. الخ. وفي الحقيقة لا يمكن التمييز بين المصريين جسمانيا لأنهم من نفس السلالة ونفس العنصر.
ويركز الكاتب على تحركات محمودة لأقباط المهجر ويزعم أنهم “تحركوا تضامنا مع إخوتهم في مصر في تحرك جماعي هو الأول من نوعه في التاريخ القبطي”، وفي هذا إهدار لتحركات سابقة لأقباط المهجر منذ سنوات طويلة، ولكن الأهم أنه يهدر تحركات الأقباط في مصر سواء “شباب ماسبيرو” أو غيرها وكذلك يهدر تجارب رائدة كان لها أثر كبير ومنها تجربة “مصريون ضد التمييز الديني” التي شارك في تأسيسها مسلمون ومسيحيون ويهود وبهائيون وغير مؤمنون يجمعهم فقط إيمان عميق بدولة المواطنة التي يتساوى فيها جميع مواطنوها ونظمت أربعة مؤتمرات كبيرة ناقشت الجوانب المختلفة للتمييز الديني اعتبارا من عام 2008 كما نظمت عدد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية سواء أمام مجلس الشعب أو أمام التليفزيون أو أمام دار القضاء العالي وأصدروا البيانات وكتبوا العرائض والشكاوى للنائب العام.
التغيير لن يحدث إلا من داخل مصر وبجميع المصريين.