السلايدر الرئيسيشرق أوسط
الأزمة الحكوميّة اللبنانيّة بين الإضراب العامّ ودعوة الأسد إلى القمّة العربيّة… وموازنة 2019 في خطر!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ على رغم وفرة التسريبات التي تحدَّثت خلال الساعات القليلة الماضية عن احتمال تأجيل القمّة الاقتصاديّة العربيّة المقرَّر انعقادها في بيروت يوم العشرين من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري بسبب استمرار التجاذب السياسيّ الداخليّ حول أزمة تشكيل الحكومة اللبنانيّة العتيدة للشهر الثامن على التوالي، فإنّ خلاصة رصد الحركة الديبلوماسيّة ذات الصلة بالتحضيرات الجارية لإتمام هذا الاستحقاق العربيّ في الموعد المحدَّد لم تسجِّل حتّى الآن ظهور أيِّ مؤشِّرٍ عمليٍّ من شأنه أن يعزِّز احتمال التأجيل، ولا سيّما بعدما كان لبنان قد تسلَّم بالفعل من عددٍ من الدول العربيّة لوائحَ بأسماء وفودها الرسميّة والوفود المرافِقة إلى القمّة، بينما لا يزال ينتظر تسلُّم لوائحَ مماثلةٍ من دولٍ عربيّةٍ أخرى، الأمر الذي يبدو كافيًا في الوقت الراهن للدلالة إلى أنّ الأمور تواصِل السير في الاتّجاه الصحيح.
وإذا كانت التسريبات قد ارتكزت على أساسِ معادلةٍ فضفاضةٍ مؤدّاها “أنّ لا انفراجةً حكوميّةً ستُبصِر النور ما لم تتمّ دعوة الرئيس السوريّ بشّار الأسد لحضور قمّة بيروت الاقتصاديّة العربيّة وأنّ لا قمّةً عربيّةً سوف تُعقَد في موعدها ما لم يتمّ تشكيل الحكومة اللبنانيّة”، فإنّ الأنظار لا بدَّ من أن تتركَّز خلال الساعات القليلة المقبلة على رصد أيِّ تحرُّكٍ محلّيٍّ أو إقليميٍّ من شأنه أن يشي بإمكانيّة إخراج الأزمة الحكوميّة من عنق الزجاجة على المدى المنظور، علمًا أنّ منسوب التفاؤل حيال تجاوُز هذا القطوع في غضونِ ساعاتٍ أو أيّامٍ معدودةٍ سرعان ما شهد تراجُعًا ملحوظًا قياسًا بما كان قد وصل إليه بُعيْد الانتهاء من الاحتفالات بليلة رأس السنة، ولا سيّما بعدما اعتبرَت بعض الأوساط السياسيّة أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لم يكن ليقدِّم اقتراحه نهار أوّل من أمس الأربعاء بخصوص وجوب عقدِ جلسةٍ لحكومة تصريف الأعمال من أجل إقرار مشروع موازنة عام 2019 المنجَز لدى وزارة المال منذ شهر آب (أغسطس) من العام المنصرم لو كان يملك في الأصل أيَّ معطياتٍ واضحةٍ تدلّ إلى أنّ الولادة الحكوميّة باتت وشيكةً بالفعل.
ومع الأخذ في الاعتبار أنّ اقتراح الرئيس برّي يتّسم بحسٍّ كبيرٍ بالمسؤوليّة الوطنيّة في هذه الظروف السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة التي يمرّ بها البلد، علاوةً على أنّه يرتكز على تجربةٍ سابقةٍ سُجِّلت عندما عقَدت حكومة تصريف الأعمال جلسةً مماثلةً في زمان رئيس الوزراء (الراحل) رشيد كرامي عام 1969، فإنّ حصيلة اللقاء الذي جمَع البارحة الرئيس المكلَّف سعد الحريري بالمعاون السياسيّ للرئيس برّي وزير المال علي حسن خليل لم يُسفر عن اتّخاذ قرارٍ نهائيٍّ بهذا الخصوص، ولا سيّما أنّ الرئيس الحريري، وإنْ كانت أجواء اللقاء قد أظهرَت أنّه لا يزال يدرس الفكرة من دون أن يُبدي أيَّ حماسةٍ لها، ولكنّه يعتبِر أنّ الأولويّة يجب أن تُعطى لملفّ تشكيل الحكومة، الأمر الذي يتطابق تمامًا مع التوجُّه السائد لدى دوائر القصر الجمهوريّ في بعبدا، علمًا أنّ نائب رئيس مجلس النوّاب إيلي الفرزلي الذي ينتمي إلى “تكتُّل لبنان القويّ” كان قد أيَّد توجُّه الرئيس برّي بالنسبة إلى موضوع الموازنة، معتبِرًا أنّه “أمرٌ باستطاعة الحكومة أن تُقدِم عليه، ونحن بأعلى درجات القناعة به، لأنّه يتعلَّق بمصالح الدولة العليا وباستمراريّة عملها”، على حدِّ تعبيره، وهو الموقف الذي يصبّ بالتالي في سياق ما أوضحه الوزير خليل بعد لقائه بالرئيس الحريري عندما قال “إنّ فكرة انعقاد مجلس الوزراء لإقرار الموازنة ليست تحدِّيًا لأحدٍ، ونحن لسنا على خلافٍ مع الرئيس الحريري حول هذا الموضوع، ولكنّ الأمر يحتاج إلى مزيدٍ من الدرس والمشاورات، رغم أنّنا نعتبر أنّ هذا الأمر دستوريّ، إذ إنّ مفهوم تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة بالمعنى الضيِّق يجوز لشهرٍ أو شهرين، ولكن عندما تطول مهلة تشكيل الحكومة وتتأخَّر، هناك سابقة مع حكومة الرئيس رشيد كرامي يمكن الاستناد إليها، لأنّه إذا تأخَّر تشكيل الحكومة شهرًا إضافيًّا، فقد لا تتوفَّر الأموال لوزاراتٍ عديدةٍ، وعندها سنكون مضطرّين لإيجادِ سبلٍ لتأمينها”.
ولعلّ اللافت هنا هو أنّ “حزب الله”، وإنْ كان قد نأى بنفسه عن هذا الموضوع، ولكنّ “كتلة الوفاء للمقاومة” رأت في بيانها الأسبوعيّ أنّه “آن للحكومة الجديدة أن تبصر النور دون أيِّ تأخيرٍ لكي ينتظم العمل في البلاد”، معتبِرةً “أنّ لبنان معنيٌّ بدعوة سوريا للمشاركة في القمّة الاقتصاديّة العربيّة التي ستنعقد على أرضه لما في ذلك من قوّةٍ للبنان ومصلحةٍ استراتيجيّةٍ له، وخصوصًا أنّ الظروف الراهنة تشهد مناخًا عربيًّا إيجابيًّا تتسارع فيه الدول العربيّة للعودة إلى سوريا، فيما لبنان الجار الأقرب وصاحب المصلحة الأكيدة يجدر به أن يكون في طليعة المبادرين لتعزيز هذا المناخ”.
وسط هذه الأجواء، يستعدُّ اللبنانيّون للتعاطي اليوم الجمعة مع موجة الإضرابات التي تبنّاها الاتّحاد العمّاليّ العامّ والنقابات المنضوية تحت لوائه بشيءٍ من عدم اليقين، ولا سيّما بعدما آثرت الهيئات الاقتصاديّة عدم المشاركة فيه بالنظر إلى أنّ توقيته ليس مناسِبًا ومن شأنه أن يكبِّد البلد المزيد من الخسائر، حتّى ولو أنّ الشعارات الأساسيّة للإضراب تتركَّز على المطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة، والضغط لتشكيلها من اختصاصيّين يتّخذون خطواتٍ سريعةً لإنقاذ البلاد، والتحذير من أنّ لبنان يتّجه نحو الانهيار جرّاء إقفال آلاف المؤسّسات وارتفاع نسب البطالة وانهيار اقتصاد الدولة وماليّتها بينما لا يزال الأفرقاء يتناتشون حصصًا وزاريّةً من دون وضْعِ أيٍّ من مصالح الناس وهمومهم ومشاكلهم وضيق حالهم في الحسبان… وحسبي أنّ هذه الشعارات مجتمِعةً، وإنْ كان لا غُبار على نزاهتها وصدقيّتها وتناسُقها مع واقع الحال اللبنانيّ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ولكنّ أسباب التوجُّس منها تعود في الأصل إلى أنّ تجارب السنوات الثماني الماضية لا بدَّ من أن تكون كافيةً لكي تعلِّمنا أنّ حِراكات الشارع التي تُدار عادةً بأجهزةٍ للتحكُّمِ عن بُعدٍ بواسطة الأصابع الخارجيّة غالبًا ما كانت تؤدّي في نهاية المطاف إلى عواقبَ وخيمةٍ داخل الدول المستهدَفة بهذه الحِراكات… وحسبي أنّ المخاوف من موجة إضرابات اليوم في لبنان تكمُن هنا على وجه الخصوص… والخير دائمًا من وراء القصد.