فارس خشّان
في جلسة “وجدانية” مع سياسي لبناني معروف بقراءاته الاستراتيجية، توقع الأسوأ للعام 2019، إذ اعتبر أن عملية إعادة تأهيل رئيس النظام السوري بشار الأسد تتواصل، بوتيرة عالية، وأن لبنان سوف يكون ملحقا بـسوريا “الأسدية ـ الإيرانية”، فيما الأكراد الذين تركوا لمصيرهم، بعد القرار الأميركي بالانسحاب من “سوريتهم”، سوف يفضّلون الالتحاق بنظام الأسد على أن يكونوا تحت رحمة تركيا، أمّا إسرائيل فلها، على الرغم من الاختلافات الظاهرة، ما يكفي من آذان في روسيا المعنية بتنسيق الخصومات في المنطقة التي باتت تسيطر عليها.
ويعترض أحد الموجودين في هذه الجلسة على “سوداوية” التوقعات، إذ يعتقد بأن مواطني الدول المعنية ممّن تكبدوا أغلى التضحيات لمواجهة الواقع الذي كان قائما، لن يستكينوا لهذا المصير، فيرد هذا السياسي المخضرم: “سيواجه الناس ما هو أكثر إلحاحا من خيباتهم وعواطفهم، أعني الجوع. أمام الجوع تصغر كل المشاكل الأخرى. أنا أشك في أن يعيد الأسد ملايين النازحين إلى وطنهم، ولن يستقبل إلا من يوالونه منهم ويوافقون على التكوين الديموغرافي الجديد الذي تشهده دمشق وضواحيها كما حلب وغيرها”.
ويسأله الشخص نفسه عن إمكان أن يقبل اللبناني بهذا المصير، فيجيب: “اللبنانيون المعاندون مبدئيا لهذا المصير، بكل عائلاتهم الروحية التي تتشكل منها قواهم السياسية، منقسمون، وهذا يعني أن هناك سنّة ومسيحيين ودروزا بالإضافة إلى الشيعة طبعا، مع هذا التوجه الأسود. وهنا دعوني أعود إلى الجوع، لأسجل ملاحظة مهمة، بأن التحركات الاعتراضية الشعبية الأخيرة، بدأت من الجنوب (حيث السيطرة الكاملة لـ”حزب الله” وحليفته “حركة أمل”)، أي أن إرادة تقديم الهاجس المعيشي ليطغى على أي موضوع آخر، انطلقت”.
وعلى جري العادة، قبل ختام كل نقاش من هذا النوع، يطرح أحدنا السؤال الكلاسيكي: “وما هو الحل؟”
يجيب “نجم الجلسة” رافعا كلتا يديه الى الأعلى: “سوف نحاول أن نصمد، ولكن ما العمل إذا كانت هناك دول عربية عادت إلى الكذبة القديمة لتعويم الأسد ومخططاته، وأعني كذبة العمل على فصل سوريا عن إيران. نظرية دفعنا ثمنها سابقا، ويريدون أن ندفع ثمنها، مجددا”.
لا يتعارض ما قاله هذا السياسي اللبناني مع واقع الحال، كما ظهر على امتداد العام 2018 عموما، وفي الشهر الأخير من العام 2018 خصوصا:
- الولايات المتحدة الأميركية، تؤكد، أكثر فأكثر، عزمها على الخروج من مشاكل الشرق الأوسط.
- الاتحاد الأوروبي يفقد كل قدرة على المبادرة، ولذلك، ومن أجل حفظ دور، ولو ثانوي، ينتظم خلف روسيا ويتوسطها، ويعادي، من دون تحقيق أي نفوذ، التوجهات العقابية لإدارة الرئيس دونالد ترامب ضد إيران.
- المملكة العربية السعودية انقلبت أولوياتها بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وباتت أهدافها عبئا على الحلفاء، مما أفقدها، أقلّه حتى تاريخه، القدرة على المبادرة.
- في العالم، أنجزت تنظيمات العنف الديني كل أهداف من زعمت محاربتهم، ولا سيّما في سوريا، فقضت على الثوار ورسخت الطغاة.
- في لبنان، ضعفت مناعة القوى المعادية للحلف الإيراني ـ السوري، الأمر الذي تجلّى في نتائج الانتخابات النيابية، وتكرّس في نوعية العراقيل التي حالت، حتى الآن، على الرغم من كل العهود والوعود، دون تشكيل الحكومة.
- وفي الإقليم، انطلقت عملية تطبيع العلاقات العربية مع الأسد.
ولكن، في المقابل، فإن البقع البيضاء لا تبارح هذه الصورة السوداء، فالوقائع السورية، مثلا، قبل ثورة آذار/مارس 2011 كانت مثلها مثل الوقائع اللبنانية قبل ثورة آذار/مارس 2005 في لبنان، شديدة الظلمة وعظيمة التيئيس، ومع ذلك جرى اختراقها، وتحقق ما كان يعتبر مستحيلا؛ فإنهاء الاحتلال السوري للبنان كان يصنّف في خانة العجائب، وكذلك كان إمكان اندلاع الثورة في سوريا.
وفي ذاك الزمن الحالك، كانت وسائل الإعلام، مهما تمردت، ممسوكة، إما بالترغيب أو الترهيب، ولا تنشر إلا “المرضى عنه”، فيما الوضع الراهن، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، مختلف جذريا.
حاليا، الروح الثوروية ونتائجها متوافرة، ولذلك، فإن قليلا من الصمود والعناد في الحق، إذا تأمّن، يمكن أن يقلب الصورة رأسا على عقب، بمجرد توافر ظرف ملائم على قاعدة “البجعة السوداء”، وهذا درس مستوحى من كل الثورات التي شهدها العالم وأحدثها، على الإطلاق، “ثورة نيكول باشينيان” في أرمينيا.