مهاجرون
في زوارة الليبية… لاجئون يتقلبون بين جحيم المعاناة وقلة الحيلة
ـ يمثل الوضع خسارة على كافة الجوانب لكثير من اللاجئين في ليبيا. الإجراءات الصارمة للسلطات في إيطاليا وفي ليبيا تجعل عبور البحر أمر مستحيلاً. لكن السلطات المحلية تشعر بالإرهاق أيضا. موفد DW يطلعنا على الأوضاع في زوارة.
من السهل أن تكتشفهم، فهم يصطفون يومًا بعد يومٍ، جنبًا إلى جنبٍ، على طول الطريق الممتد في مدينة زوارة، من ساحة الشهداء حتى المسجد، الذي تركته الحرب الأهلية على شكل أنقاض، قبل أن تنتهي.
وبمجرد اقتراب مراسل DW من المهاجرين، الذين كانوا ينتظرون فرصة عمل في التنظيف أو البناء، تجمع هؤلاء مشكلين دائرة وبدأوا في طرح أسئلة: “هل صحيح أن إيطاليا أغلقت موانئها أمام المهاجرين؟ هل خفر السواحل الليبي بنفس القدر من الفعالية، كما يقولون؟ هل هناك أي قوارب إنقاذ على الإطلاق؟”. وتتراكم الأسئلة بينما ينضم آخرون إلى المجموعة.
“إيميل”، شاب عمره 21 عاماً، ترك منزله في غينيا في عام 2015، ويحكي لـDW كيف أنه عبر السنغال وغامبيا ومالي و الجزائر ثم المغرب قبل أولى محاولاته للوصول إلى أوروبا. ويقول إميل: “حاولت في مدينة طنجة بواسطة العبارات ثم بواسطة قارب الوصول إلى مدينة سبتة. وبعد المحاولة الثالثة اعتقلتني قوات الأمن المغربية في أحد مراكز الاحتجاز في الدار البيضاء مع مهاجرين آخرين كثر”.
بعد إطلاق سراحه، اجتاز إميل الصحراء الجزائرية لكي يصل إلى ليبيا، حيث تم اختطافه مرة واعتقاله مرتين. ويقول إميل إنه على دراية بالسياسات المتشددة التي يتبعها وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني تجاه المهاجرين وأن هناك “المزيد من حرس السواحل الليبيين، أكثر من المنظمات غير الحكومية”. ومع ذلك يؤكد إميل أنه سيغامر ويسافر عبر البحر.
لكن ليس كل اللاجئين يسيرون على هذا المنوال. ويقول سامي، البالغ من العمر 23 عاما إنه يرى الآن الأمور بشكل مختلف؛ بعدما كافح على مدار شهور عديدة من أجل الحصول على المال لكي يقفز في مركب يبحر نحو الشمال. “أريد فقط أن أسجل نفسي لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حتى أتمكن من العودة إلى نيجيريا، لكنني لم أخبر والديَّ بعد”، يضيف سامي ويؤكد أنه يتابع الأحداث على الإنترنت.
“الذين يتحدثون الإنجليزية من بيننا يحصلون على معلومات آنية ومحدثة، لكن المتحدثين للفرنسية والعربية، مثل هؤلاء الأشخاص هناك، لا يكادون يعرفون ما يحدث”، يواصل سامي كلامه، وهو يشير إلى مجموعة من السودانيين على بعد أمتار قليلة.
“هل لديكم أي اتصالات مع الأمم المتحدة حتى أتمكن من التسجيل والمغادرة؟”، يسأل شاب كاميروني DW. اسمه دانيال ويقول إنه يعرج منذ إطلاق النار على ساقه في طرابلس قبل ثلاثة أشهر.
على وشك الانهيار
يجري نقل المهاجرين مع المهربين، الذين تقبض عليهم الشرطة، إلى مركز إيواء زواره، الذي أقيم العام الماضي في مبنى سجن سابق. ويقول المقدم أنور أبوديب، مدير المركز، إنهم يؤوون حالياً 300 شخص، معظمهم من الأفارقة، جنوب الصحراء. هناك 25 امرأة وسبعة أطفال، بما في ذلك مولود جديد، قبل يوم واحد فقط. وكان أبوديب نفسه هو الذي أخذ الأم النيجيرية الشابة إلى المستشفى حتى تتمكن من الولادة. وقال لـ DW وهو يسير عبر الأجنحة المنفصلة للرجال والنساء “أي معونة دولية، سواء كانت أموالاً أو مواداً أو مركبات، يجب أن تمر أولاً عبر طرابلس، لكن لا شيء يصل إلى هنا بسبب الفساد”.
وبينما اشتكى بعضهم من الظروف السيئة لمبنى المركز، قال جميع الذين قابلتهم DW إنهم لم يتعرضوا لسوء المعاملة من قبل الحراس في مركز الإيواء.
وفقاً لأنور أبوديب، تم ترحيل ثلاثة أرباع النزلاء حتى نهاية 2018، وقال إن “التأخير هو القاعدة”. ويوجد حالياً ثلاثة يمنيين وسوري واحد بين المحتجزين. وبينما تجري عملية ترحيل السوري إلى بلاده، قال اليمنيون لـ DW إنهم لا يعرفون شيئاً عن مصيرهم.
“هل هناك عودة إلى اليمن؟ لم أسمع عن عائلتي منذ أكثر من عام. وأسأل نفسي ما إذا كان لا يزال هناك أحد منهم على قيد الحياة”، يقول عابد، البالغ من العمر 19 عاماً، لـ DW.
تعتبر مدينة زوارة، الواقعة في شمال غرب البلاد هي الجيب الأمازيغي الساحلي الوحيد في ليبيا، وتحيط بها قرى عربية، لا يزال السيطرة فيها للموالين للرئيس الراحل معمر القذافي. لكن هذه مجرد واحدة من بين العديد من القضايا الملحة. ويشير صادق جياش، رئيس لجنة الطوارئ في زوارة، إلى قائمة “متنامية”، من الأشياء التي يجب التعامل معها، بداية من الأضرار البيئية الناجمة عن مصنع البتروكيماويات المهجور في الغرب، إلى عشرات العائلات الطوارق المشردة الوافدة من جنوب ليبيا. ثم هناك مقبرة مؤقتة للمهاجرين، والمشاكل الناجمة عن تهريب النفط عبر الحدود التونسية، وبطبيعة الحال الاتجار بالبشر.
تجار البشر يحصدون الأموال
كانت زوارة نقطة مغادرة رئيسية للمهاجرين حتى تم إنشاء فرقة تدعى “الرجال الملثمين” من قبل السلطات في عام 2015 للتعامل مع الأزمة. وتم اعتقال العشرات من المهربين وتراجعت أرقام الاتجار بالبشر بشكل ملحوظ. ومع ذلك، فقد أعيد توزيع الفرقة في العام الماضي لمراقبة الحدود القريبة مع تونس، تاركة ً الشاطئ بدون رقابة من جديد. ويكاد لا يصدق مهربو البشر حظهم (السعيد) الآن.
أتيحت لـ DW فرصة نادرة للتحدث مع رجلين أدعيا أنهما قاما بتهريب المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. وقال الأول إنه نجح في إرسال أكثر من 7000 شخص إلى أوروبا على مدى السنوات الـ15 الماضية، وأنه لم يتوقف إلا خلال الأشهر التسعة التي قضاها في سجن زوراء المؤقت بعد أن قبض عليه “الرجال الملثمون”. ويضيف الرجل أنه تمَّ إطلاق سراحه بعد دفع 150 ألف دينار ليبي (مبلغ يعادل 107 آلاف دولار أمريكي).
أما المهرب الثاني للبشر، الذي قدم نفسه على أنه “شاب عادي عمره 24 عاماً من زوارة”، فقال إنه كان يهرب النفط بالمراكب المالطية قبل أن تُقتَلَ في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، الصحفية المالطية دافني كاروانا غاليزيا، التي كانت تحقق في فضيحة فساد تورط فيها سياسيون كبار في مالطا بشأن قضية “تهريب النفط الليبي”. وأدى مقتل غاليزيا إلى فرض ضوابط صارمة على حركة الملاحة البحرية حول جزيرة مالطا. وقال المهرب إنه “أجبر” بعد ذلك على اللجوء إلى الاتجار بالبشر لأن النفط “لم يعد خيارًا قابلاً للتطبيق”.
وقال الشاب لـ DW: “تتراوح أسعاري بين 2000 و 8000 دينار، اعتمادًا على لون البشرة. فكلما كان اللون أكثر قتامة، رخص السعر. وهكذا يدفع الصوماليون مبالغ أقل بكثير من المغاربة”. وعند سؤالنا له عما إذا كان يشعر بالمسؤولية عن موت مهاجرين في البحر، قال إنه لم يحدث معه ذلك من قبل وأضاف: “مراكبي لا تكون مكتظةً أبداً وأبقى على اتصال عبر الهاتف مع العملاء خلال الرحلة بأكملها عبر الأقمار الصناعية”.
زوارة غرب ليبيا – كارلوس زوروتوزا ( ترجمة ن. ع/ ص.ش)