ـ غزة ـ من محمد عبد الرحمن ـ بدقة متناهية تعمل عدد من النساء فی مدینة أریحا بالضفة الغربیة علی انتاج لوحات الفسيفساء، بمختلف الأشکال والأحجام، فی محاولة منهم لإحياء مهنة الأجداد والحفاظ علیها من الاندثار.
أسس عدداً من النساء بمدینة أریحا جمعية النويعمة لتطوير الحرف التقليدية، لإحياء بعض المهن التراثية ومن بينها فن الفسيفساء، تم تطوير عمل الجمعية من خلال عقد دورات تدريبية لعدد من النساء والفتيات اللواتي لا يجدنَ فرصة عمل، لاكتساب الخبرات اللازمة والعمل داخل الجمعية بمهنية عالية.
وتقول مديرة جمعية النويعمة رسيلة عبيدات:” انطلقت فكرة الجمعية بالتميز والتوجه إلى إنتاج الأعمال الحرفية الذي تمتاز به أقدم مدن العالم مدينة أريحا المصنفة سياحياً والتي يمكن أن يلاقى فيها رواجاً كبيرا ,ووقع الاختيار على تصنيع لوحات الفسيفساء بأيدي النساء لمحاربة البطالة بشكل أساسي وأولي.
وتضيف،” الأثر التنموي للجمعية يبرز جلياً في دعم المرأة واستقلالها وتمكينها الاقتصادي وتطوير شخصيتها وبالرغم من نسبة العدد الكبير من الفتيات المتعلمات إلا أنها لا تزال تفتقد إلى إمكانية صنع القرار بسبب القيود الاجتماعية المتعددة”، مشيرة أنهم أرادوا إحياء فن الفسيفساء كون فلسطين حظيت على كم وافر الزخارف الفسيفسائية على مر العصور بالإضافة إلى تزين العمارة الإسلامية الفلسطينية بهذا الفن”.
تضيف: “نساعد بالجمعية النساء على تنمية وتطوير شخصيتهن وتعزيز التمكين الاقتصادي، حيث أن العضوة تحصل على ثمن ما تقوم به من لوحات فسيفساء بشكل مباشر، بالإضافة إلى إكتسابها مهارات التواصل مع المجتمع المحلي، وخاصة في مجتمع يعتبر الرجل هو المصدر الأول لتوفير الدخل.
وتتابع،” الزخرفة والإنتاج اليدوي أهم ما يميز العمل بمهنة الفسيفساء، حيث يتم رسم الزخارف على القطع يدويًا دون الاعتماد على طباعة الرسومات الجاهزة، وهو ما يميز عملنا داخل الجمعية”، مشيرة إلى أن العمل بمهنة الفسيفساء يتطلب دقة عالية وإتقان، كما يتطلب وقتًا طويلًا من العمل، والوقت اللازم لإنجاز أي قطعة يعتمد على مدى دقة الرسومات وكمية التفاصيل المتواجدة فيها”.
وتؤكد أن إنشاء الجمعية كان بسبب قلة الحرفين الذين يعملون في هذه الحرفة والمساهمة في الحفاظ على التراث الفلسطيني المهدد بالاندثار، وتقوم الجمعية حاليا بتشغيل مشغل لإنتاج الفسيفساء يدويا، وذلك باستخدام حجارة طبيعية محلية تنظيم دورات تدريبية لعدد من النساء والفتيات بالقرية.
وتردف قائلة”العمل هنا في البداية يكون صعباً وقد تحتاج القطعة الواحدة إلى عمل يوم كامل لكن مع الاستمرار والتكرار يصبح أسهل، والجميل في الأمر أن العمل هنا حرٌّ أي أنك تستطيع عمل أي شكل يخطر ببالك”.
وتلفت إلى أنهم يسعون إلى التركيز على الرسومات المملوكية والرومانية القديمة ومحاولة صنع ما يشابهها بالاعتماد على كتب تحتوي على نقوش ورسوم منقوشة على قطع عُثر عليها بعد عمليات تنقيب في مناطق مختلفة”.
وتبين عبيدات أن من يعمل بهذه الحرفة يجب أن يكون لديه حس فني في إنتاج الفسيفساء ولديه الرغبة في العمل ويحتاج هذا العمل إلى وجهد كبير، لذلك يتم تعليم الفتيات أدق التفاصيل لإنتاج لوحات الفسيفساء لإتقان هذه المهنة دون مساعدة أحد.
وتوضح أن تأسيس الجمعية والقيام بهذا العمل كلفها الكثير، خاصة الدورة التدريبية في صنع الفسيفساء، وشراء الأدوات الخاصة بهذا العمل، والتي وصلت تكلفتها إلى 20 الف شيقل، فيما كلف بناء هذا المقر المتواضع الذي تراه نفس المبلغ، لافتة إلى أن التسويق يتم من خلال المشاركة بالمعارضة المحلية والدولية ومن خلال مؤسسات وأشخاص محليين.
تردف قائلة،”يتراوح سعر لوحة الفسيفساء التي تسوقها الجمعية بين 200 و1500 شيقل تحصل منها منتجة اللوحة على 20 المئة، والباقي تكلفة المواد ودعم صندوق الجمعية، فدخلي الشهري من ألف إلى ألف وخمسمائة شيقل، اطمح في المستقبل إلى مضاعفتها من خلال هذا العمل”.
وتتابع،”الفسيفساء من الحرف اليدوية التي تواجه الاندثار في العصر الحالي خاصة بفلسطين، على الرغم من أنها كانت تلقى رواجًا كبيرًا في الماضي لتطورها السريع، بما تتضمنه من ملائمة لتعدد الأذواق والسعي نحو التميز”.
ويقول الكاتب والمؤرخ الفلسطيني سليم المبيض ” الفسيفساء عند العرب والموزاييك عند الأوربيين ، كلها مفردات لفن واحد يجمع حبيبات من الأحجار أو البلاطات أو الزجاج ليرسم بها لوحة فنية جذابة تذوب بين أجزائها الفوارق، وكأنها كيان واحد لتكوّن لوحة فسيفسائية تعبر عن معاني حضارية وفنية بأسلوب رقيق ومؤثر.
يضيف،”الرومان نسجوا فناً خاصاً بهم، مركباً من عناصر مختلفة، وقد تجلت عظمة هذا الفن في كيفية تحويل السيراميك إلى تحف فنية جميلة، وذلك من خلال رسمها وزخرفتها بأسلوب وطابع ذاتي خاص، جاعلاً من هذه العناصر المتباينة فناً متميزاً يعكس الوجه الحضاري للإنسان الروماني . وتم نقل هذا الفن إلى فلسطين خلال فترة حكم الرومان للأراضي الفلسطينية”.
يتابع، “واكب التطور الصناعي في هذه المهنة وعمل على استحداث الفسيفساء الصناعي الحديث الذي يمكن من خلاله تزيين المنازل بأسلوب عصري يجمع بين عراقة الماضي وأصالة الحاضر”.
ويوضح المبيض أن فلسطين تحتوي على المئات من اللوحات القديمة وخاصة الدينية باعتبارها مهد الديانات السماوية الثلاث، وعثر على أكبر لوحة فسيفساء في كنيسة المهد بمدينة أريحا، والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي الشريف وقصر عبد الملك بن مروان في أريحا.