مالك العثامنة
لا يوجد تفاوت بين الطغاة، الطاغية هو الطاغية، والاستبداد لا أنواع فيه، هو نوع واحد لا يتغير.
وحين يتحدث البعض عن طاغية بأنه أفضل نسبيا من طاغية آخر، فهذا احتيال على الإنسان وكرامته وحقوقه.
عمر البشير، طاغية السودان هو مستبد آخر، في عالمنا العربي. مستبد بدون أي صفات أخرى اللهم إلا أنه كشخص ليس أكثر من جاهل يحمل سلطة، ويستغبي السودانيين.
والسودانيون ليسوا اغبياء، هم صبورون جدا، وشخصيتهم الجمعية تحمل قيمة القدرة على التحمل لا خمولا ولا يأسا، بل لأنهم يحملون دوما ذلك الأمل بالتغيير دون عنف، لكن التغيير طال أمده، والمستبد انتهت صلاحية قدرته على الاستهبال والاستغباء، فطفح الكيل.
أكثر شعار ذكي التقطه السودانيون كان عبارة بسيطة شكلت الهتاف الجامع للجميع في السودان: يا متكبر يا مغرور..السودان كله دارفور.
هذه كلمات بسيطة التقطت أوسخ ما في عهد الطاغية من مراحل كلها استبداد وقهر وظلم، وكثفتها في شعار يكشف رفض السودانيين لكل مرحلة الكذب والتزييف الرسمي الذي صاغته أجهزة الاستبداد البشيري في محاولة لتزييف الوعي السوداني، هذا الوعي المشبع بالمعرفة واليقظة تاريخيا منذ كانت الدولة السودانية من أوائل الديمقراطيات في العالم العربي بتاريخه الحديث قبل أن تعصف بها عسكرتاريا الاستبداد بالتحالف مع أيدولوجيا العتمة الدينية.
دارفور، واحدة من أكثر المذابح الجماعية العنصرية إبادة في تاريخ السودان، وضمن الإبادات الأكثر دموية في قائمة الإبادات الإنسانية، أدارها البشير وجماعته بخبث ومكر، وانتهت به مطلوبا دوليا كمجرم حرب.
السودانيون ببساطة صرخوا وقد طفح الكيل، صرخة تكشف وعيهم الصبور، بأن السودان كله دارفور..وهي صرخة تعكس رفض الإقصاء والعنصرية التي مارسها النظام، وتكشف أيضا أن السودان كله يعاني ذات الويلات بالتساوي، تحت سلطة المستبد.
—
البشير، الضابط العسكري الذي حملته طموحاته ليكون الحاكم الأوحد في بلد راح نصفه بسبب سوء إدارته، هو غير الضابط العسكري الذي سبقه في الحكم، المرحوم عبدالرحمن سوار الذهب، المشير الذي قلب الطاغية السابق جعفر النميري، وأعلن بيانه العسكري رقم واحد متعهدا بتسليم السلطة للمدنيين والأحزاب بعد تحضير انتخابات ديمقراطية، وفعلا فعلها سوار الذهب، ولم يشارك حتى كمرشح في الانتخابات.
—
عام 1998، كنت في الدوحة على موعد في فندق الشيراتون لإجراء مقابلة مع المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وبعد ان أبلغه الاستقبال أني قادم إليه، وقفت امام غرفته وقد وجدت بابها مشرعا إلى نصفه، وبعد طرق خفيف، دخلت بعد سماعي “نحنحة” خفيفة من الداخل فهمتها كإشارة إلى ان ادخل، فدخلت لأجد الراحل يقيم صلاته بهدوء.
أنهى سوار الذهب صلاته، وسلمت عليه، وبادرته “ألا تخشى على نفسك والباب مفتوح هكذا وأنت رئيس دولة سابق”؟
أجاب بهدوء وثقة: لذا تركت السلطة، فهي مفسدة، وأنا أتحرك وأنام بلا خوف ولا قلق.
فهل يستطيع طاغية السودان عمر حسن البشير ان يتحرك وينام بلا خوف ولا قلق؟