مصطفى زين
إنه عام الأكراد في سورية. أميركا بدأت تنسحب وستتركهم في مواجهة تركيا وأطماعها. انسحابها(مع الحلفاء) خلط كل الأوراق. حتى البيت الأبيض ذاته منقسم على نفسه. وزير الخارجية مايك بومبيو لا يهتم لمصيرهم ويسعى إلى تشكيل تحالف شرق أوسطي في مواجهة إيران وطرد آخر جندي لها بـ “الديبلوماسية”، على ما أعلن في القاهرة. بولتون يريد الإستمرار في دعمهم. أغضب أردوغان فامتنع عن استقباله وذكَره بوقوف أنقرة إلى جانب واشنطن في كل المراحل. عاد إلى أيام المواجهة مع الإتحاد السوفياتي وأزمة خليج الخنازير. قال له إن بلاده سمحت حينها بنشر صواريخ نووية على أراضيها لمواجهة موسكو ما أجبرها على التراجع في كوبا (مقال لأردوغان في نيويورك تايمز). أكد له أن الحلم الكردي خطر وجودي على بلاده، وأنه مستعد للتوجه شرقاً والتحالف مع روسيا والصين إذا أصر البيت الأبيض على دعم الأكراد.
قد لا يصل الخلاف بين واشنطن وأنقرة إلى القطيعة. ليس سهلاً على الأولى تنفيذ تهديدها، ولا الثانية تستطيع التخلي عن حليف قديم تثق فيه، خصوصاً أنها تخطط لمواجهة كبرى مع إيران وهي في حاجة إلى كل دولة تقف معها، فكيف إذا كانت هذه الدولة في حجم تركيا وتأثيرها.
تحسباً لانتصار جناح بولتون أعلن أردوغان أنه سيعمل على إنشاء قوة بإمرته قوامها مئة الف مسلح “من المكونات السورية المختلفة”. مهمتها ستكون منع الأكراد من إقامة كانتونهم الخاص، وطردهم من المنطقة إذا أمكن ذلك. وستؤمن له هذه القوة غطاء لمحاصرتهم ومنعهم من نقل معركتهم إلى الأناضول، حيث كل الأجواء مهيئة لاستقبالهم، وحيث يخوض أقرانهم معارك مستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي.في انتظار تشكيل هذه القوة أتاح أردوغان لـ “هيئة تحرير الشام/ النصرة” اكتساح مناطق واسعة على حساب المسلحين والإرهابيين الآخرين لتكون في مواجهة أي تحرك يقومون به بالتعاون مع دمشق إذا تصالحوا معها، وتشكيل إمارة تحت شعار “الحاكمية للشرعية”، تمهيداً لاقتسام النفوذ في شمال سورية، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة أيضاً. وإلا كيف يمكن فهم هذا الزحف السريع لـ “النصرة” المصنفة إرهابية تحت سمع وبصر “التحالف الدولي”، وبمباركة من أنقرة.
أما كلام المسؤولين الأتراك عن حرصهم على وحدة الأراضي السورية فتكذِبه كل الوقائع على الأرض، من إجهاض معركة إدلب قبل انطلاقها بأيام قليلة إلى عدم تنفيذ ما تعهدوه في أستنا وسوتشي في “مناطق خفض التوتر” إلى احتضانهم “النصرة” وإتاحة المجال أمامها لتأسيس إمارتها.
انسحاب أميركا و”الحلفاء” من سورية أعطى تركيا ورقة ثمينة لتحقيق ما سعت وتسعى إليه منذ انطلاق الحروب على سورية، أي السيطرة على شريط حدودي يمتد من حلب إلى إدلب. أما الأكراد فلم يعد أمامهم سوى الإعتراف بسوريتهم وتأجيل أحلامهم المستحيلة التي تحولت إلى كوابيس تؤرق كل السوريين والإقليم.
تركيا تتحالف مع روسيا وإيران. وقد دعمت، وتدعم، “النصرة” ومعظم الفصائل الإرهابية، وتسعى إلى توحيدها في جبهة عريضة لمواجهة دمشق ولن تفك ارتباطها بالأطلسي والولايات المتحدة. والمعركة المقبلة في شمال سورية قد تطول سنوات.
الحياة اللندنية