السلايدر الرئيسيتحقيقات
أنباءٌ عن مقايضةٍ امريكيّةٍ ـ روسيّةٍ حول سوريا ولبنان… واستعداداتٌ لحربٍ إسرائيليّةٍ في الجنوب!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ على رغم أنّ الغموض لا يزال يكتنف المعلومات التي أشارت في الآونة الأخيرة إلى أنّ خطوة الإعلان عن قرار سحب الجنود الامريكيّين من الأراضي السوريّة تمَّت في الأصل بُعيْد التوصُّل إلى اتّفاقٍ ضمنيٍّ بين واشنطن وموسكو يقضي بإتمام تنفيذها مقابل التزام القيادة الروسيّة بالتخلّي عن مصالحها الاستراتيجيّة على الساحة اللبنانيّة لحساب الولايات المتّحدة الامريكيّة، فإنّ الأضواء المسلَّطة على أهمّيّة الزيارة الرسميّة الحاليّة التي يقوم بها الموفد الامريكيّ ديفيد هيل لبيروت، معطوفةً على ما سُلِّط من أضواءٍ استكشافيّةٍ وكاشفةٍ لمغزى تركيز وزير الخارجيّة مايك بومبيو في كلمته الأخيرة داخل صرح الجامعة الامريكيّة في القاهرة على عدم قبول بلاده بوجود “حزب الله” في لبنان كأمرٍ واقعٍ، وكذلك على تمادي إسرائيل الأسبوع الماضي في إجراءاتها الاستفزازيّة عن طريق استئناف أعمال إنشاء الجدار الإسمنتيّ في النقاط الحدوديّة المتحفَّظ عليها لبنانيًّا على “الخطّ الأزرق” في خراج بلدة العديسة وما يترافَق مع هذه الإجراءات من مواقفَ روسيّةٍ خجولةٍ وغيرِ حازمةٍ في آنٍ معًا، باتت تدلّ بوضوحٍ إلى أنّ ثمّة تغييراتٍ جوهريّةً أُدخِلَت على هيكليّة خارطة تحالفات المصالح التقليديّة بين البيت الأبيض وقصر الكرملين في منطقة الشرق الأوسط، سواءٌ من حيث جدولة قائمة الأولويّات والأفضليّات أم من حيث قياس مستوى الجودة والجدوى، الأمر الذي لا بدَّ من أن يؤدّي في نهاية المطاف، ولو بدرجاتٍ متفاوِتةٍ، إلى ترسيخِ قناعةٍ مؤدّاها أنّ الإرهاصات المحتمَلة للمقايضة الامريكيّة – الروسيّة الآنفة الذكر حول سوريا ولبنان تكاد تُصبح للتوّ بمثابةِ الشرّ الذي لا بدَّ منه، علمًا أنّ الآراء والتقديرات حول مدى صحّة المعلومات المتعلِّقة بآفاق هذه المقايضة وبمسارح تجاربها المحتمَلة لا تزال حتّى الساعة متبايِنةً ومحكومةً بمزاجيّةِ الكرّ والفرّ.
ولعلّ أكثر ما يبدو واضِحًا في غمرة تداعيات هذا الكرّ والفرّ لغاية هذه اللحظة هو أنّ ديفيد هيل الذي يتمتَّع بروابطَ متينةٍ مع لبنان والشعب اللبنانيّ، بعد أن كان قد عمل في السفارة الامريكيّة في بيروت كمسؤولٍ سياسيٍّ، ومن ثمّ كسفيرٍ للولايات المتّحدة على مدى سبعةٍ وعشرينَ عامًا، حطّ رحاله مجدَّدًا في العاصمة اللبنانيّة مستهلًّا جولته بزيارة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في قصر بعبدا، تمهيدًا لسلسلةِ اجتماعاتٍ سيعقدها تِباعًا اليوم الاثنين مع وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، ومن ثمَّ مع الرئيس المكلَّف بتشكيل الحكومة العتيدة سعد الحريري، علاوةً على لقاءاتٍ أخرى ستجمعه بقياداتٍ عسكريّةٍ وأمنيّةٍ في البلد، بغية شرح المواقف الأخيرة التي عبَّر عنها الوزير بومبيو داخل صرح الجامعة الامريكيّة في القاهرة، ولا سيّما تلك التي اعتبَر فيها أنّ “حزب الله له وجودٌ كبيرٌ في لبنان لكنّنا لن نقبل ذلك كأمرٍ واقعٍ ولن نقبل بسياسات الحزب في لبنان”، والتي أكَّد خلالها أيضًا على أنّ الولايات المتّحدة تعملُ على الحدِّ من ترسانة الحزب الصاروخيّة للتقليلِ من تهديداتها على إسرائيل، قبل أن يخلُص إلى القول “إنّنا ندعم جهود إسرائيل لمنع إيران من تحويل سوريا للبنانٍ جديدٍ”، معتبرًا أنّ “حزب الله المدعوم من إيران شنّ اعتداءاتٍ شكَّلت خرقًا للقرار 1701″، على حدِّ تعبيره.
ما يبدو واضِحًا أيضًا في الموازاة هو أنّ تأكيد الرئيس اللبنانيّ على أنّ الدعم الامريكيّ لعمليّة السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط يرسِّخ الهدوء على الحدود الجنوبيّة للبنان، وتعبيره عن الشكر للدعم الذي تقدِّمه الولايات المتّحدة للمؤسّسة العسكريّة اللبنانيّة، بات يدلّ بدوره إلى وجود جهوزيّةٍ رسميّةٍ تامّةٍ للتعاطي مع أيِّ تطوُّراتٍ محتمَلةٍ إذا ما تمَّ ترجيح كفّة الحضور الامريكيّ في البلد على كفّة الحضور الروسيّ، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ غالبيّة الأفرقاء اللبنانيّين الذين درجت العادة منذ زمان الحرب الأهليّة عام 1975 ولغاية يومنا الراهن على انتظار فضَلات الولائم المعَدَّة أصلًا في مطابِخ الآخَرين لإشباعِ نهَمِ الدول الكبرى لا يزالون مصرّين على العيش بما يمكن أن يتوفَّر لهم من بقايا تلك الفضَلات، الأمر الذي يتجسَّد في هذه الأيّام من خلال ما يظهَر تِباعًا من تجاذُبٍ داخليٍّ محكومٍ بمشيئة الخارج الدوليّ والإقليميّ حيال كافّة التفاصيل المتعلِّقة بانتظام دورة الحياة السياسيّة الداخليّة، على شاكلة أزمة الولادة الحكوميّة المتعثِّرة، اللهمّ إلّا إذا استثنينا من هذه العادة أنّ ثمّة عهدًا لبنانيًّا جديدًا كان قد انبثَق فجره لدى وصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة قبل ما يزيد عن السنتين من الزمان، وأنّ مجرَّد انبثاق فجر هذا العهد تحت مظلّة الوهَج الوطنيّ العونيّ كان يكفي لإعدادِ وليمةٍ وطنيّةٍ كبرى يشبَع الأفرقاء اللبنانيّون فوقها، ويرمون بقايا فضَلاتها للخارج الدوليّ والإقليميّ على حدٍّ سواء.
أمّا العنصر الذي يكاد يبدو أكثر وضوحًا من سواه في مجال تفسير مبرِّرات الحاجة إلى استبيان أسباب عدم انقشاع الرؤية حيال مستقبل الأوضاع على الساحة اللبنانيّة في المستقبل القريب، فهو ذلك العنصر المتمثِّل في المواقف التي نسبَتها جريدة “اللواء” اليوميّة نهاية الأسبوع الفائت لمصادرَ مقرَّبةٍ من “حزب الله” عن أنّ عمليّة “درع الشمال” التي بدأها الإسرائيليّون في شهر كانون الأوّل (يناير) من عام 2018 المنصرم “استهدَفت التمهيد جدِّيًّا منذ ذلك الوقت لشنّ عدوانٍ على لبنان، وأنّ الضربة الإسرائيليّة المحتمَلة قد تكون في غضون الأيّام التي تفصلنا عن بداية الربيع المقبل”، وهي المواقف التي إنْ دلَّت في مجملها إلى شيءٍ، فهي تدلُّ إلى وجودِ اعترافٍ مباشِرٍ وصريحٍ بأنّ هذه الضربة باتت متوقَّعةً ووشيكةً في غضون الأيّام أو الأسابيع المقبلة، ناهيك عن أنّ ما نُقِل من تسريباتٍ خلال اليومين الماضيين عن أنّ “حزب الله” بدأ التحضير لوجستيًّا وعسكريًّا لمواجهة العدوان الإسرائيليّ المرتقَب، وعن أنّه يُراقِب بدقّةٍ وعن كثبٍ كافّة التحرُّكات الإسرائيليّة، وعن جهوزيّته التامّة لوضع الخطط اللازمة للمواجهة ولتجهيز المقاومين نفسيًّا وعسكريًّا لما تحضِّره إسرائيل، لا بدَّ من أن يكون كافيًا في الوقت الراهن لكي يُضيف على الوضوح البنّاء في غمرة تداعيات هذه المواقف المتَّسِمة بروح المقاوَمة شيئًا من مسوِّغات الروحيّة الانهزاميّة الكامِنة في عدم وجود إجماعٍ في أوساط الأفرقاء اللبنانيّين على فكرة خوض هذه الحرب جملةً وتفصيلًا… وحسبي أنّ الهدف الأساسيّ من وراء زيارة الموفد الامريكيّ ديفيد هيل للبنان يتركَّز على استقراء مواقف كافّة أولئك الأفرقاء ومعاينتها على أرض الواقع، تحضيرًا للآتي الأعظم في سياق ما أُشيعَ عن المقايضة الامريكيّة – الروسيّة الآنفة الذكر… والخير دائمًا من وراء القصد.