– رام الله – أظهرت دراسة حديثة صدرت عن مركز رؤية للتنمية السياسية، أهداف اختيار سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمسار الحالي للجدار الفاصل بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، خاصة وأن المسار المنفذ جاء في معظمه داخل حدود الضفة الغربية، مبتعدًا عن خط الهدنة “الخط الأخضر”، حسبما أكد الباحث حمزة الحلايبة.
وبعد عدة سنوات من إقامة معظم الجدار المحيط بأراضي الضفة الغربية، لوحظ أن مساره يأخذ شكلًا ملتويًا، ويختلف ويبتعد في كثير من أجزائه عن خط الهدنة، خاصة في منطقة وسط الضفة الغربية. كما أن طول الجدار الفاصل سيصل إلى 712 كم عند اكتمال بنائه، أي ضِعف طول الخط الأخضر، وسيقع 85% منه داخل حدود الضفة الغربية، بدلا من وقوعه على الخط الأخضر، وتم انجاز قرابة 65% من بناء الجدار.
الدراسة تطرقت إلى عشرة عوامل رئيسة كانت وراء تخطيط المسار الحالي للجدار، معتبرة المبرر الأمني والعسكري جاء بمثابة الذريعة الأولى لسلطات الاحتلال للبدء ببناء الجدار الفاصل حول الضفة الغربية، وخاصة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث تزايدت العمليات الاستشهادية في عمق الأراضي المحتلة. وبالتالي لم يأخذ مسار الجدار الفاصل بعين الاعتبار حدودًا معينة وثابتة، بقدر تحقيق المصالح الأمنية لدولة الاحتلال.
التوسع الاستيطاني
وكان من بين العوامل التي تحكمت في مسار بناء الجدار، ضمم أكبر عدد ممكن من المستوطنات الإسرائيلية خلف الجدار، وذلك على حساب إنقاص أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية. مشيرة إلى أن الكتل الاستيطانية كتجمع “أرئيل” غرب سلفيت، وتجمع “مودعين” غرب رام الله، وتجمع “معاليه أدوميم” شرق القدس، وتجمع “غوش عتصيون” غرب بيت لحم، وتجمع كيدوميم في قلقيلية، كلها تكونت بسبب خطة إسرائيلية ممنهجة اعتمدتها في بناء الجدار.
وحسب منظمة أوتشا، يبلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية ضمن منطقة العزل الغربية، أي منطقة التماس، والتي ضمها جدار الفصل، 71 مستوطنة، وهي من أصل 149 مستوطنة تضم حوالي 85% من مجموع مستوطني الضفة الغربية.
في المقابل، يبلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية التي لم يضمها جدار الفصل، حسب معلومات منظمة أوتشا، 78 مستوطنة، يقع معظمها في عمق الضفة الغربية، ويقطنها ما يقارب 15% فقط من مجموع مستوطني الضفة الغربية.
ونجحت إسرائيل عبر إقامة الجدار الفاصل بالاستيلاء على حوالي 13% من مساحة الضفة الغربية، ويضمها إلى “إسرائيل”، وهي المنطقة المعروفة “بمنطقة العزل الغربية”، أو “منطقة التماس” القريبة من الخط الأخضر.
وأكدت الدراسة أن اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة “إسرائيل” عام 1994 مهدت لهذا الوضع الكارثي، والتي بموجبها أعطت للسلطة الفلسطينية سيطرة إدارية على 36% فقط من مساحة الضفة الغربية، وهي مناطق (أ) و(ب)، وبالتالي تم إخضاع حوالي 64% من مساحة الضفة الغربية للسيطرة الإدارية الإسرائيلية، وهي ما سُميت بمناطق (ج) ومحميات طبيعية.
القدس الكبرى
وحسب الدراسة فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت جدار الفصل العنصري كوسيلة للتحكم بالتوازن الديموغرافي، وخاصة في منطقة محيط القدس، حيث تم إخراج أكبر قدر ممكن من التجمعات الفلسطينية خارج الجدار، خاصة في المناطق الشرقية والشمالية من القدس، حيث يبلغ عدد التجمعات التي تم عزلها عن القدس من ضواحيها المحيطة، 30 تجمعًا فلسطينيًا تضم أكثر من 150 ألف فلسطيني، وتشكل حوالي 38% من سكان محافظة القدس.
في المقابل، تم توسيع حدود بلدية القدس لتضم مزيدًا من المستوطنات الإسرائيلية إلى حدود المدينة، وبالتالي تم حسم الصراع الديموغرافي في المدينة بشكل أولي وسريع نسبيا، لتصبح ذات أغلبية يهودية، حيث تقدر نسبة الفلسطينيين ونسبة اليهود في مدينة القدس بـ 37% و63% على التوالي. وتسعى سلطات الاحتلال إلى خفض هذه النسبة بحلول عام 2025 إلى 20% و80%.
ويشمل مخطط “القدس الكبرى” أربعة تجمعات استيطانية إسرائيلية كبيرة، تسعى “إسرائيل” إلى ضمها مستقبلا ضمن حدود بلدية القدس، وهي: تجمع معاليه أدوميم شرقا، وتجمع جفعات زئيف شمالا، وتجمع غوش عتصيون جنوبا، وتجمع مودعين عيليت غرب رام الله.
المواقع الهامة
وأكدت الدارسة أن هدف السيطرة الإسرائيلية على المواقع الهامة، لاسيما التي تحتوي على المواقع الدينية والتاريخية، وتلك التي تضم مصادر المياه الجوفية وتتمتع بالخصوبة الزراعية، والمناطق الجبلية، كانت أحد الأسباب التي لعبت في بناء الجدار بشكله الحالي.
وأفادت الدراسة أن الجدار استهدف بشكل أساسي ثلاث مدن رئيسية وهي القدس وبيت لحم والخليل، بحكم ما تحتويه من مواقع دينية وتاريخية.
وكمثال على استهداف المرتفعات الجبلية، أشارت الدراسة أن الجدار تغول محافظة جنين رغم قلة عد المستوطنات فيها، حيث دخل في منطقة قرية جلبون وقرية المطلة شرق المحافظة؛ للسيطرة على التلال الشرقية لها، مبتعدًا عن الخط الأخضر، وتوغل في منطقة أم الريحان غرب المحافظة؛ للسيطرة على التلال الغربية لها، مبتعدًا عن الخط الأخضر أيضا.
وأوضحً أن حوض المياه الغربي كان هدفًا استراتيجيًا للاحتلال الإسرائيلي، من خلال المشروع الاستيطاني وخطة العزل. كونه الحوض المائي الأكبر في فلسطين، ويحوي مخزونًا يقدر بحوالي 362 مليون كوب، أي ما يعادل 53% من المياه الجوفية. وتشير البيانات إلى أن جدار الفصل سيعزل خلفه حوالي 50 بئرًا، معظمها في منطقتي طولكرم وقلقيلية.
وأوضح الباحث أن مساحة المنطقة المعزولة خلف الجدار بلغت حوالي 733 كيلو متر مربع، وتشكل الأراضي الزراعية والغابات حوالي 48% منها، أي ما يعادل حوالي 348 كيلو متر مربع، لافتا إلى أن سلطات الاحتلال خططت جدار الفصل العنصري في بعض المناطق؛ ليوفر حماية لشبكة الطرق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية