باز بكاري
في جديد تغريداته، أشار الرئيس الأمريكي دونالد إلى إمكانية إقامة منطقة عازلة بعمق عشرين ميل على الحدود السورية-التركية في حال قامت تركيا بمهاجمة المنطقة الكردية شمال سوريا، إضافة لتلويحه بفرض عقوبات إقتصادية قاسية على تركيا إذا ما أقدمت على مهاجمة الكرد.
تلميح ترامب الذي استدركه بضرورة أن لا يقوم الكرد باستفزاز تركيا، لم يكن واضحاً تماماً، لكن بالربط بين ما جرى الحديث عنه قبل فترة عن إمكانية نشر قوات عربية مشتركة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وما تبعه عن إعلان ترامب تعهد السعودية بتحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا، إضافة لجولة بومبيو التي شملت دولاً عربية كانت من الأسماء المرشحة لتكون أعمدة القوة المنشودة، والتي من أهدافها تطويق إيران والحد من توسعها في المنطقة تنفيذاً لفكرة تشكيل ناتو عربي، في وقت أكد فيه ترامب على الإنسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، يأخذنا إلى فهم تلميح ترامب لإنشاء منطقة عازلة في المنطقة الكردية بسوريا بأنه مقدمة لنشر فعلي للقوات العربية المشتركة في المنطقة.
فبسحب الولايات المتحدة لقواتها من سوريا ستبقى القوات الكردية في احتكاك مباشر مع الجيش التركي على امتداد خط الحدود الطويل بين الطرفين، ولن يستطيع ترامب الإيفاء بوعده بالاعتماد على التهديدات والتطمينات فقط، بل سيحتاج لقوات يكون لها وجود فيزيائي في المنطقة.
أيضاً بالربط بين هذه المعطيات، واستمرار الحديث عن نشر قوات من البيشمركة الكردية السورية، المتواجدة حالياً في العراق على خط الحدود، مع الملاحظة بأن بومبيو شملت زيارته رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ايضاً بالزيارة الأخيرة، فهذا يعني أنه لطمأنة الكرد في سوريا، وإضفاء شيء من التوازن على تركيبة القوات البديلة للقوات الأمريكية في سوريا، خاصة وأن قوات البيشمركة أيضاً لها قاعدة شعبية لا يستهان بها بين كرد سوريا.
إضافة إلى ذلك، تشهد الساحة السياسية الكردية في سوريا تحركات لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الكرد السوريين، وهناك حوارات ولو بشكل غير مباشر للخروج بموقف مشترك وشكل جديد لإدارة المنطقة، لدرء خطر أي تدخل عسكري سواء من تركيا، أو عودة للنظام السوري الذي إن عاد سيكون بصفة المنتصر والمستنصر وبذلك سيفرض هو قواعد اللعبة، الأمر الذي يتوجس منه الكرد، بحكم التجربة القاسية مع النظام السوري الحالي طوال أربعة عقود، وأيضاً ترفضه واشنطن، لأنها ستخسر منطقة نفوذها الوحيدة في سوريا.
من جهتها تعمل أنقرة على أن تخرج بأقل الخسائر، بعد ما واجهته من تعنت أمريكي بضرورة عدم استهداف الكرد في سوريا، وعلى ما يبدو فإن أنقرة تحاول أن تتجه لاستخدام أوراق أخرى بيدها، منها الحوار الغير مباشر مع زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل لديها في سجن إمرالي، فبالرغم من التوتر الواصل لأعلى درجاته بين العدالة والتنمية والعمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطية، سمحت الحكومة التركية قبل أيام لمحامي وشقيق أوجلان بزيارته بعد أن منعت ذلك طوال سنوات ثلاث، وهذا ما يمكن تفسيره بأن تركيا تحاول أن ترسل لواشنطن برسالة بأنها يمكنها حل مشاكلها مع الكرد عبر طرقها الخاصة، بعد أن فقدت الأمل من واشنطن بالسماح لها لشن عملية عسكرية شرقي الفرات,
إذن، فنشر القوات العربية سيكون من شأنه عدا الهدف المعلن وهو مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب، تطمين الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، بعدم تشكل كيان كردي بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي التي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الإرهاب التركية، وفي ذات الوقت سيطمئن حلفاء واشنطن المحليين من الكرد، بأنهم سيكونون في مأمن من أي هجوم تركي محتمل على منقطتهم كما أكدت عليه أنقرة في أكثر من مناسبة، وبذلك تكون أولى مهام الناتو العربي هي ملئ الفراغ الذي سيتركه الإنسحاب الأمريكي من سوريا.