السلايدر الرئيسيتحقيقات

آلاف التونسيين يرتمون يوميا في قوارب الموت هربا من واقع البطالة

– تونس – خاص – لا يكاد يفوت يوم دون أن تلقي وحدات من الأمن التونسي القبض على مجموعة من الأشخاص يهمون أو يخططون لاجتياز الحدود التونسية خلسة بغرض الهجرة غير الشرعية لإحدى الدول الأوروبية أو غيرها.

ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست جديدة في تونس وهي منذ سنوات محل نقاش ودراسة من العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية وخصوصا منها الجهات الأمنية التي تحاول الحد من أعداد المهاجرين غير الشرعيين وبالتالي من الكوارث التي تقع جراء هذه الرحلات غير المنظمة وغير المحمية.

الجديد في هذه الظاهرة أنها أصبحت لا تقف عند الشباب بل اتسعت رقعتها البشرية لتضم النساء ومنهن الحوامل والأطفال من كلا الجنسين بجانب تزايد محاولات القيام بها سواء بحرا أو برا، وكأن أهل البلد يهربون منه ومن واقعهم على أمل إيجاد مستقبل أفضل.

وبالرغم مما تفيد به الأنباء المحلية من معلومات عن إلقاء القبض على إحدى المجموعات أو العصابات التي تخطط للهجرة غير الشرعية أو ما يسمى محليا “الحرقة” وتنظمها وتستغل الشباب وتحتال عليه أحيانا بعد أخذ أمواله أو أخبار عن انقاذ قوارب تضم أعدادا من المهاجرين غير الشرعيين في عرض البحر إلا أن الثابت أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين في تزايد ملحوظ تحديدا بعد الثورة حيث تصاعدت في السنوات الأخيرة وتيرتها لتصبح بمثابة الظاهرة لتقدم برهانا على حالة اليأس التي طالت فئات اجتماعية وعمرية واسعة في تونس.

وكشفت جل الدراسات التي بحثت دوافع الهجرة غير الشرعية في تونس أن الأسباب الرئيسية تتمحور حول البطالة والفقر واليأس من آفاق مستقبلية واعدة. وهو ما يفسر تزايد الظاهرة بعد ثورة ديسمبر 2010 حيث علقت نسبة هامة من الشباب ومن العاطلين على العمل وكذلك من ذوي الدخل المحدود آمالا كثيرة وعالية السقف حول مآل التنمية في تونس ما بعد الثورة ورسمت خططا مستقبلية وأحلاما كثيرة حول تحقيق النمو في البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لكن الواقع كان بعكس الانتظارات والطموحات والآمال المعلقة على ثورة أطلق عليها اسم “ثورة الياسمين” كان مصيرها المزيد من التدهور في الوضع المعيشي فنسب البطالة ارتفعت سواء في صفوف حاملي الشهائد العليا أو غيرهم وكذلك التسرب المدرسي وكذلك تدهورت الأوضاع الاقتصادية والتنموية في كل جهات الجمهورية التونسية وبالنسبة لكل الفئات الاجتماعية ما خلق حالة من اليأس من إمكانية تحسن الأوضاع في ظل الاضطراب السياسي وغياب رؤية حكومية واضحة واستراتيجية نابعة منها لتخليص التونسيين من مشكلاتهم اليومية والمصيرية.

وبحسب إحصائيات صدرت في التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فيما يخص الهجرة غير النظامية من تونس عام 2017 فإن أكثر من 9 آلاف تونسي حاولوا اجتياز الحدود خلسة. وتمكن من الوصول إلى إيطاليا 66 بالمئة من مجموع 9329 مقابل 34 بالمئة تم إحباط محاولاتهم من قبل السلطات التونسية.
وجاء في التقرير أن السلطات الإيطالية أوقفت 544 قاصرا. يشار إلى أن تونس تحتل المرتبة الثامنة من حيث جنسيات المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى إيطاليا.

ويعتبر الناجون أو الذين وصلوا إلى حدود دول المقصد وحتى الموقوفين من قبل الأمن التونسي الأكثر حظا في مجموع المهاجرين غير الشرعيين مقارنة بمن لقوا حتفهم غرقا أو من وصلوا وقبض عليهم في دول المقصد. فحوادث الموت غرقا بسبب رحلات بحرية قاتلة منذ البداية تركت أثارا عميقة في المجتمع التونسي وسببت مآسي وكوارث للعديد من الأسر التي فقدت أحد أفرادها أو أكثر بسبب هذه الهجرات غير النظامية وهذا من بين الأسباب التي جعلت التونسيين يسمون الهجرة غير الشرعية “الحرقة” أو رحلات المجهول ورحلات الموت أو قوارب الموت وغيرها..

ولكن رغم اهتزاز الرأي العام التونسي وتأثره بالعديد من حوادث الغرق أو الموت على الحدود أو الضياع خارج البلاد إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوضع حد لهذه الظاهرة ولم يحد من أعداد المقبلين على الحرقة من التونسيين كما لم يعتبر جل العازمين على هذه المغامرة من عواقبها بل إن الإقبال عليها والتفكير فيها كحل فردي من شأنه انقاذ الفرد وأسرته تزايد بين جل فئات المجتمع خصوصا المراهقين والشباب وهو ما يُفسَر بتصاعد وتيرة اليأس من تحقيق النجاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس في نظر شبابها الذي بات قابلا للارتماء في أحضان المصير المجهول والموت بدلا من البقاء في بلد واقعه غامض ومستقبله أكثر غموضا وفق تعبير كثيرين منهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق