السلايدر الرئيسيتحقيقات

الحرب على الفساد… أم المعارك في تونس

ـ تونس ـ خاص ـ باتت أغلب التطورات على الساحة السياسية في تونس مرتبطة بمجريات الحرب على الفساد التي أعلنت الحكومة التونسية الحالية أنها من أهم أولوياتها واعتبر رئيسها يوسف الشاهد أنها معركة الحكومة ومعركته الخاصة. ونظرا لأهمية مقاومة الفساد بشتى أنواعه وفي شتى المجالات ونظرا للتأثير الخطير لهذه الآفة ولتفشيها فقد أحدثت في تونس هيئة مكلفة بمحاربة الفساد عقب الثورة التونسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وأطلق عليها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

كلفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفاسد بتلقي الملفات والشكاوى التي تتضمن تبليغا على قضايا الفساد وأحدثت قوانين نوعية لحماية المبلغين على الفساد غير أن تقدمها في تحقيق الأهداف المرجوة من عملها يعتبر بطيئا في مقابل حجم الفساد وانتشاره في تونس سواء في شكل صفقات مشبوهة أو رشوة أو تحيل أو غيرها وبالرغم من أعمال الهيئة الكثيرة وجديتها في العمل إلا أن العديد من المعوقات التشريعية والإجرائية وكذلك السياسية تؤثر بشكل مباشر في التقدم المحقق في الحرب المعلنة على الفساد.

ويعتبر محللون سياسيون وبعض رجال السياسة أن الحرب على الفساد التي يشدد عليها رئيس الحكومة ليست إلا حربا شكلية يعلنها لخدمة أهدافه السياسية ولضمان رصيد من الأعمال التي قد تحسب له من قبيل الانجازات في طريق تحقيق الديمقراطية والقضاء على الفساد الذي عُيّن كأبرز الأسباب المعرقلة للتنمية المستدامة ولتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية وهي محاور تتنزل في صلب أهداف الثورة التونسية.

وترى هذه الفئة ممن يتهمون الشاهد بالمزايدة في ملف الفساد والحرب عليه بأنه يزعم الحرب على الفساد للتغطية على فشل حكومته وعلى ضعف أدائها واختلال سياساتها في التعاطي مع الوضع السياسي والوضع الاقتصادي المتردي وكذلك مع المطالب الاجتماعية التي تتجه نحو مزيد من الاحتقان والغضب الشعبي.

وفي هذا السياق اعتبر القيادي في حركة نداء تونس خالد شوكات أنّ “الحرب على الفساد التي يشنّها الشاهد ليست حقيقية”، ويستدل المجمعون على أن حرب حكومة الشاهد على الفساد شكلية على الصعوبات القانونية والتشريعية والقضائية والإجرائية وكذلك المالية التي تعقد عمل الهيئة وتحول دون قيامها بدورها بالنسق والنجاعة المطلوبين.

ومن بين الإشكاليات التي تواجه عمل الهيئة في إطار مكافحة الفساد طول الإجراءات وطول الوقت لصدور الأحكام القضائية الجزائية في القضايا المقدمة للنيابة العمومية من قبل الهيئة إذ يستغرق البت فيها من قبل المحاكم خمس سنوات على الأقل، وهي إشكالية عالقة تعترض الهيئة في علاقة بالقوانين والإجراءات التي تتضمنها المجلة الجزائية التونسية، بحسب شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الذي أكدا أن هناك عددا من المسؤولين في الدولة ممن تعلقت بهم شبهات وقضايا فساد ولكن لطول الإجراءات القضائية مازالوا في مواقع عملهم وهو ما اعتبره الطبيب “أمرا غير مقبول”.

وبجانب الضغوط المباشر وغير المباشرة التي تتعرض لها الهيئة والتي تمارس عليها من قبل بارونات الفساد والمورطين معهم فإن الهيئة تعاني من ضعف الميزانية ومن غياب التعاون والتفاعل الإيجابي لبعض الوزارات والإدارات التابعة لها لتسهيل أعمالها.

وكان رئيس الهيئة قد أثار مرد ذلك على المسار الديمقراطي في تونس مؤكدا أن “الديمقراطية في تونس مهددة وإمكانية الرجوع إلى مربع الدكتاتورية ممكن، وذلك بسبب امتلاك لوبيات الفساد لمقدرات هائلة يستهدفون بها أساسا النظام الديمقراطي”، موضحا أن “لوبيات الفساد استغلت ضعف الدولة عقب الثورة في بعض المواقع على غرار مجالي الأمن والقضاء، لتتوغل في مفاصل الدولة وتؤسس لإمبراطوريات التهريب وتستغل قوتها المادية لشراء مؤسسات إعلامية وإعلاميين ومدونين من أجل الثلب والتشويه والابتزاز بالإضافة إلى شراء أحزاب أو الاحتماء بأحزاب معروفة للوصول إلى السلطة”.

وبات معلوما في تونس تغلغل شبكات الفساد في جل مجالات الحياة وفي مفاصل ومؤسسات الدولة ومن بينها البرلمان الذي اعتبر رئيس الهيئة أنه يضم “نوابا فاسدين” معتبرا أن مجلس النواب برمته لا يتفاعل ولا يساند ويدعم عمل الهيئة كما يلزم وكما يتطلب الوضع الراهن.

كما أن قانون عمل الهيئة ونظامها المعتمد حاليا يعتبر من العوامل المكبلة لنجاعة أعمالها التي ترتهن ليس فقط لوضع الهيئة وآليات عملها بل أيضا لتظافر الجهود من قبل الجهات الرسمية والمجتمع المدني ومن جل مكونات المجتمع لخوض الحرب على الفساد والسعي لكسبها لأنها أم المعارك في تونس حاليا باعتبار تأثيرها المباشر على حاضر البلاد ومستقبلها، وهي من أهم الرهانات التي يمكن من خلالها ضمان بناء دولة ديمقراطية قوية.

محاربة ومكافحة الفساد لا ترتكز على الجانب الجزائي والردعي فقط بل إن المختصين في القانون وفي مقاومة انتشار آفة الفساد بكل تفرعاته وأشكاله يؤكدون أنه لا بد من تبني إجراءات وقائية وإصلاحات هيكلية وعميقة في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لمنع تفشيه بالرغم من أن الدولة التونسية تعتبر من الدول التي حققت تقدما في هذا المسار حيث صادقت على العديد من القوانين مثل قانون التصريح بالمكاسب ومكافحة الإثراء غير المشروع وقانون النفاذ إلى المعلومة وقانون حماية المبلغين وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق