السلايدر الرئيسيتحقيقات
التبذير عند المستهلك التونسي… مشكلة عابرة أم ثقافة رسخت في وعيه
– تونس – أصبح التبذير في تونس مشكلة حقيقية تعيشها الأسرة والمجتمع على حد السواء. ويتسبب التبذير في هدر الدخل والثروات من جهة وفي زيادة الاختلال في موازنات الأسرة والدولة من جهة ثانية. وإلى جانب تداعياته الاقتصادية، فإن للتبذير نتائج صحية وبيئية وخيمة. ومنذ سنوات تطلعنا الأرقام على أن الوضع المعيشي للأسر التونسية في تدهور وفي نفس الوقت تقول الأرقام بأن مؤشرات التبذير في تزايد مستمر. هذه التناقضات تبرر وجاهة التساؤل: هل أن التبذير أصبح من عادات التونسيين وهل بات راسخا في وعيهم وثقافتهم أم أنه عادة سيئة عابرة يمكن التخلص منها؟
أعد المعهد الوطني للاستهلاك في تونس دراسة بالتعاون مع المنظمة الأممية للأغذية الزراعية “فاو” وبتمويل منها، وأكدت نتائجها أن التبذير الغذائي في تونس يعد إشكالا حقيقيا تبرهنه الأرقام والمؤشرات. واعتبرت أن الحد منه يتطلب، تطوير وعي المستهلك، وتجنيد طاقات كل المتدخلين من مؤسسات صناعية وتجارية وهياكل مهنية ومجتمع مدني ومطاعم خاصة ومدرسية وجامعية ونزل ومساحات تجارية كبرى.
ويرجع التبذير الغذائي لدى التونسيين إلى العديد من الأسباب المباشرة من أهمها سلوكيات يقوم بها المستهلك تكاد تدخل ضمن عاداته اليومية ومن بينها شراء المستهلك للمواد الغذائية بما يفوق حاجته وإعداد أطباق دون استهلاكها بشكل كامل، بالإضافة إلى غياب برمجة وتنظيم دقيق للشراءات.
كما أن اختلاف الأذواق بين أفراد العائلة وسوء حفظ المأكولات والمواد الغذائية بالإضافة إلى وجود أكثر من طرف في المنزل مكلف بالشراء تقف وراء إهدار الغذاء، والشراء غير المنظم للمواد الغذائية والاستهلاكية.
ويرى البعض أن الفائض في اقتناء المواد الغذائية وغيرها من المستلزمات للبيت يرجع إلى أولا إلى غياب التنظيم وجهل بالطرق السليمة للاستهلاك وللتصرف في موارد ومداخيل الأسرة وثانيا إلى اللهفة في الاستهلاك التي تكاد تصبح من صفات المواطن التونسي والتي يرجعها مختصون في علم الاجتماع والنفس إلى غياب شعور المستهلك بالاستقرار وغياب ثقته في إدارة الشأن الاقتصادي من قبل الدولة.
فاضطرابات الوضع الاقتصادي قد يتسبب في فقدان مواد غذائية ضرورية وحيوية في البيت مثل الحليب وهو ما يصيب المستهلك بالهلع خصوصا لو كان لديه أطفال ورضع.
وأكد مدير معهد الاستهلاك، طارق بن جازية، أن الدراسة كشفت أرقاما مفزعة وأن توعية المستهلك التونسي بتبعات التبذير الغذائي، تظل أولى خطوات التخلص من هذه المشكلة إلى جانب إحداث آليات لرصده ومتابعته للعمل على تلافي أسبابه. كما اقترح بن جازية ضبط خطة وطنية لمكافحة التبذير لما له من انعكاس سلبي على ميزانية الأسرة وعلى الأمن الغذائي.
ودعت الدراسة إلى التفكير في سن قانون لتلافي التبذير الغذائي على غرار دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، وهو قانون يشجع المطاعم والمساحات التجارية الكبرى على التخلص من بقايا المنتجات والأطعمة لفائدة الجمعيات الخيرية عبر إعفائها من الأداء البلدي مثلا.
وتقول الأرقام إنّه يتم إلقاء 680 ألف قنطار من الخبز بقيمة 100 مليون دينار، أي أن أكثر من 10 بالمئة مما تنتجه المخابز، سنويا، يلقى في سلّة المهملات، في حين يقع اتلاف قرابة 12 بالمئة من المأكولات التي تعدها النزل و16 بالمائة من تلك التي تعرض في المطاعم الخاصة، وكذلك تلقى العديد من المواد الغذائية في المساحات التجارية الكبرى بقيمة 2.08 ملايين دينار.
أما على مستوى الأسرة التّونسية فالواحدة منها تبذر قرابة 5 بالمئة من النفقات الموجهة للغذاء وتصل النسبة إلى 16 بالمئة بالنسبة لمادة الخبز و10 بالمئة بالنسبة لمشتقات الحبوب و6 بالمئة من الخضر.
ويحمل التبذير الغذائي بالإضافة إلى بعده الاقتصادي بعدا بيئيا يجب التوعية بأهميته، لا سيما، وأنّ 78 بالمئة من الفضلات المنزلية هي فضلات عضوية لا يتم رسكلة إلا 5 بالمئة منها زد على ذلك أن إلقاء خبزة صغيرة الحجم يعني ضياع 150 لتر من الماء منذ زراعة الحبة إلى صناعة الخبز.
ويبقى الحل الرئيسي في تعليم التونسي كيفية التصرف السليم في موارده المالية وفي دخل البيت وكيفية تنظيم استهلاكه بشكل يراعي ميزانيته الفردية ويراعي توفر المواد الغذائية للجميع ويراعي أيضا صحته ونظافة المحيط وسلامة البيئة التي يعيش فيها، وهو ما يعود بالفائدة لا فقط على الفرد بل أيضا على اقتصاد الدولة برمتها.