أقلام يورابيا

دمعة وطن!

الأب ميلاد جاويش

الأب ميلاد جاويش

أَمَرُّ دمعة تلك التي تسقط حزنًا على وطنك، لأنّ الوطن يجاور فيك القلب. إن طُعَن، فقلبك هو الذي يُطعَن.

أحيانًا أدمع على وطني وعلى ما آلت إليه حاله. لم أتخيّل يومًا أن يوصلَه أبناؤه إلى هذا الدِرك من البؤس. “بلد الأرز” يتناحر بنوه على وزير! الاقتصاد مشلول، الناس يائسة، المستقبل غامض… وقادتُه يَلهون به لَـهوَ صبيةٍ في الأزقّة. إلى أيّ جهة حزبيّة سينتمي ذاك الوزير، فإنّه بالتأكيد لا ينتمي إلى “حزب” الوطن.

ابيضَّ لبنانُ مؤخّرًا بالثلج وغَزَتْ صورُه البديعة مواقع الانترنت… فتحسّرتُ عند رؤيتها على بلدي الذي يحكمُه السيّئون. سمعنا مرارًا بمقولة “الجدل البيزنطيّ حول جنس الملائكة”، فإذ بنا نعايشها مع سياسيّينا الذين يتجادلون حول “جنس” الوزير، بينما لبنان يغرق اهتراءً.

كلّ شيء يُبكيني على بلدي: إن شاهدتُ صُوَره، إن سمعتُ فيروز، إن التقيت لبنانيًّا مبدعًا في الغربة… الواقع مرّ، والأمرُّ يأسُ الناس.

اللبنانيّون بدورهم ليسوا بريئين. أغلبهم تزلَّف وتزّلم لهذا الزعيم أو ذاك. أين الشباب خرّيجو جامعاتنا الشهيرة؟ يشتمون بعضهم بعضًا. أين وديعو القلب؟ أصبحوا قساةً غلاظ الرقاب. أين المتنوّرون؟ انطفأوا وانكفأوا. أين المثقّفون؟ ضلّوا هم أيضًا في متاهات الآراء السياسيّة المتناقضة… بلدي لم يعد نورًا، “بلدَ الحضارة” كما قرأناه في الكتب.

نظمَ سعيد عقل في “قدموسه”: “وطني الحبُّ ليس في الحبّ حقدُ”. فإذ بالحقد يملأ وطني. شبابه يجرّحون بعضهم بعضًا على صفحات التواصل الاجتماعيّ من غير خجل ولا وَجَل.

نظم أيضًا: “وهو نورٌ فلا يضِلُّ فَكَدٌّ / ويدٌ تُبدعُ الجمالَ وعقلُ”. فإذ بنا لم نعد نحصي أدباءنا بل صواريخنا. لغتنا باتت لغة حرب. تصوّروا: بات هذا الزعيم أو ذاك مثلنا الأعلى، كلّما شتم وتهجّم صفّقنا له وصفّرنا!

اللبنانيّون ليسوا بريئين. أغلبهم اتَّسخ. تلوّثَ العقل فيهم وفسُد. يحشدون لطوائفهم، حتّى لو لم يُصلِّ أغلبهم ولا تأمَّل في قلبه. لو اختَلَوا ولاقَوا ربّهم في السماء لَتابوا ولاقوا إخوتهم في الوطن.

اللبنانيّون ليسوا بريئين. يأثمون ويرمون إثمهم على “الدولة”. يرمون قذاراتهم أينما كان ويشكون الدولة أنّها لا تنظّف. يبيعون أملاكهم ويتأفّفون من أنّ البلد تتغيّر هويّته. يشتمون الحكّام مع أنّهم هم من أوصلهم إلى الحُكم… اللبنانيّون ينحرون بلدهم بسكاكينهم… وهم يدرون ماذا يفعلون.

أدمع على وطني وأخاف أن أخسره. أتذكّر دمعة الفلسطينيّ على وطنه الشريد وأخاف أن أصبح “فلسطينيًّا” آخر يفقد وطنه وهو في وطنه. أتذكّر دمعة السوريّ على بلده الجريح وأخاف أن أصبح “سوريًّا” آخر يركبُ عباب البحر بحثًا عن ضفّة آمنة.

لبنان، لم نعرفه هكذا وضيعًا كما هو  حاله اليوم. فرجاءً، لا تُنزلوا هذا البلد من عيون محبّيه…

هو أيضًا يدمع على أبنائه. ودمعة الوطن، ما أمرَّها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق