ثقافة وفنون

رواية “آتيلا… آخر العشاق” لسردار عبدالله… العشق بلغة صوفية

ـ لا يخوض كاتبنا، كعادته في هذا المسار الكتابي، العشق كما هو العشق، بقدر ما أنّه يخوض تجربة فريدة من نوعها.
يمسك بخيط جديد وليسحب معه قرائه من ورائه متجولاً في سواد الليل، وفي جعبته كلام العشق الملبس بطعم الصوفي. هو ليس صوفي بطبيعة الحال، فمن كان سياسياً لا يصبح صوفيا بين ليلة وضحاها، وقوة سردار عبدالله تكمن هنا، أي يضعنا كاتبنا على سكة بنظرك هي سكة العشق وسرعان ما تكتشف بأنّك تقرأ سيرة لعالم لم يعد موجوداً، بيد أنّه موجود بنفس وقت.
عبدالله في مساره الكتابي هذا يضعنا أمام أمرين متعلقين بشأنه؛ أولاً يسرد قصة العشق، بلغة الصوفي، وما أدراك عندما يصبح الصوفي طليقاً في أمر العشق، لأحداث تبدو لك من الماضي أي ماضينا، بيد أنّه أمر آخر؛ هو ليس الماضي بقدر ما انّه الحاضر والمستقبل؛ وحنكة الروائي تختصر بتوظيف ما هو ماضٍ لنا لأجل مستقبلٍ منبهرٍ لغيرنا ونحن من ضمنهم.

الأمر الثاني: هو أن سردار عبدالله نادراً ما خاض تجارب الصوفية، فهو معروف بالسياسة، أو لنقل بالكاتب السياسي، ومن يكون سياسياً لا يستطيع بسهولة من المكان أن يصبح صوفياً عاشقاً؛ وهذا يحيلنا إلى التعمق في “آتيلا.. آخر العشاق”.
فالرواية هي ليست جزء من التاريخ؛ إنّما، مهد المستقبل، وما نلاحظه هنا وذلك تبعاً لأحداث الرواية وأبطال قصص سردار ومكانها الجغرافي كل ذلك يسحبنا إلى ذاك النفق الذي يبدو لك في آخره نور.
و”آتيلا.. آخر العشاق” هو كتاب سردار عبدالله الجديد نال رواجاً كبيراً، وهو صادر عن دار نوفل ببيروت.
والنظرة السريعة للرواية، وللوهلة الأولى تبدو لك إنّها رواية صوفية عن العطار اي أنّ مولانا جلال الدين الرومي يعتبر فريد الدين العطار النيسابوري معلمه. حيث يقال أن العطار كان قد اهدى الرومي الشاب نسخة من كتابه (أسرارنامه)، وأخبر والده بأن ولده الشاب هذا، مُقدّر له أن يشعل نار العشق في كل العالم. فيقول الرومي عنه فيما بعد: “لقد كاف العطار بمدن العشق السبع.. بينما نحن لا نزال في منعطف الجادة الأولى”.
هذا العطار النيسابوري الذي يمدحه مولانا الرومي، هو روح رواية آتيلا آخر العشاق، انها رواية عن العطار ورؤيته التي أبدعها في كتابه (منطق الطير). ذلك الكتاب الذي يشكل الفضاء الصوفي للرواية.
سردار عبدالله، ونتيجة ذلك، ليس بكاتب عادي، والكاتب العادي لا يتحمل أن يحول قصص التاريخ الى التاريخ بعينه، فهو بسنارته القوية استطاع لا إن يوظف العشق فحسب، إنّما وظف التاريخ وأسرار عشاقه خدمةً للرسالة المرادة.
هي تجربة كتابية ثرية باسلوب ٍوتسلسلٍ للاحداث؛ لكنه لا يبتعد قط عن بناء عمارة لزمن جديد بعد أن هرم جيل اللاعشق، وليكن آخر عشاق عبدالله هو بداية عشق للأجيال القادمة.
ملاحظة: سردار عبدالله هو سياسي، ومن قادة الرأي، وله باع في الصحافة، ومن منطقة كرميان، في روايته هذه تكتشف لنا كيف أنه يوظف ما هو أدبي للسياسة، متأملاً من السياسة ان تكون نافذة للصالح، ومتحرراً من الخبث، ومفعماً بالتواصل بين الناس من خلفياتٍ مختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق