السلايدر الرئيسيتحقيقات
مسار تشكيل الحكومة اللبنانيّة ينتعش مجدَّدًا… والعوامل الداخليّة والخارجيّة مشجِّعة!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ يبدو أنّ الخبر القصير الذي نشرته صحيفة “الجمهوريّة” في عددها الصادر اليوم الأربعاء عن قيام أحد الوزراء اللبنانيّين في حكومة تصريف الأعمال الحاليّة بتوضيب أغراضه الخاصّة تمهيدًا لنقلها من مكتبه في أيِّ لحظةٍ بات يشكِّل المؤشِّر العمليّ الأوّل على أنّ أزمة الولادة الحكوميّة المتعثِّرة منذ قرابةَ التسعةِ أشهرٍ من الزمان أوشكَت بالفعل هذه المرّة على الوصول في غضون الساعات القليلة المقبلة إلى خواتيمها المرجوَّة، تماشيًا مع ما كان الرئيس المكلَّف سعد الحريري قد أعلنه مؤخَّرًا عندما قال إنّ الأسبوع الحالي سيكون “أسبوع الحسم” في مختلف الاتّجاهات، الأمر الذي ما لبث أن أدّى إلى ترجيح كفّة التفاؤل على كفّة التشاؤم بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في لبنان، أقلّه على المدى المنظور، ولا سيّما بعدما أظهرَت حصيلةُ غربلةِ العديد من العوامل الداخليّة والخارجيّة في الآونة الأخيرة وجودَ إجماعٍ محلّيٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ غيرِ مسبوقٍ على التسليم بأنّ تسوية الأزمة الحكوميّة لم تعُد تحتمل المماطلة والتسويف والتأجيل، ناهيك عن التسليم في الموازاة بأنّ النجاح الذي تحقَّق على المستوى الرسميّ في احتواء تداعيات المحاولات التي بُذلت من أجل تعطيل انعقاد الدورة الرابعة من القمّة التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة العربيّة قبل عشرةِ أيّامٍ في بيروت كان له بالغ الأثر بالتأكيد في انتزاع اعتراف العالم بما ينبغي أن يُعامَل لبنان على أساسه من احترامٍ وتقديرٍ من الأقرَبين والأبعَدين في الداخل والخارج على حدٍّ سواء.
وإذا كان اثنان لا يختلفان على أنّ حِكمة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون المعهودة، معطوفةً على الصبْر الذي تحلّى به رئيس الوزراء المكلَّف سعد الحريري لدى التعاطي مع كافّة إرهاصات المساعي غير الحميدة التي استهدفَت طيلة الأشهر الماضية إحراجه من أجل إخراجه عن مسار التأليف، وكذلك على ديناميّة المساعي الحميدة التي بذلها وزير الخارجيّة جبران باسيل مع مختلف الأفرقاء في مجال تدوير الزوايا وحلحلة العُقد، شكَّلَت في مجملها أبرز العوامل الداخليّة ذات الصلة بإعادة إبرة بوصلة الاستحقاق الحكوميّ إلى وجهتها الصحيحة، فإنّ اثنين لا يمكن أن يختلفا في المقابل على أنّ نسبة التفاؤل الراهنة لم يكن ليُقدَّر لها أن ترتفع إلى هذا الحدّ اللافت لولا تجلّيات اللغة الهادئة والرصينة التي استخدمها الأمين العامّ لـ “حزب الله” السيّد حسن نصر الله خلال مقابلته الأخيرة السبت الفائت مع “قناة الميادين”، سواءٌ بالنسبة إلى الملفّات الخلافيّة المحلّيّة مثل أزمة تشكيل الحكومة والاستراتيجيّة الدفاعيّة ودستور اتّفاق الطائف وغيرها أم بالنسبة إلى الملفّات الإقليميّة الشائكة مثل جهوزيّة الحزب التامّة لمواجهةِ أيِّ عدوانٍ إسرائيليٍّ محتمَلٍ على لبنان إذا ما قرَّر رئيس وزراء الدولة العبريّة بنيامين نتنياهو “فعل شيءٍ طائشٍ” قبل الانتخابات الإسرائيليّة المقرَّرة في شهر نيسان (أبريل) المقبل، وهي اللغة التي يبدو في هذه الأثناء أنّ كلًّا من المتوجِّسين من “حزب الله” والمطمئِّنين له باتوا متَّفقين تمامًا على أنّها أدَّت في المحصِّلة النهائيّة إلى تحصين البلد بأكمله أمام أيِّ محاولةٍ تهوُّريّةٍ من شأنها أن ترمي إلى تعكير مياهه بغية الإيحاء بالقدرة على الاصطياد فيها، بصرف النظر عمّا إذا كانت طبيعة هذه المحاولات ستأخُذ أبعادًا سياسيّةً أو عسكريّةً أو ستبقى في منزلةِ ما بينهما.
أمّا بالنسبة إلى العوامل الخارجيّة التي ساهمَت في إضفاء مسحةٍ من التفاؤل على الأجواء اللبنانيّة، فلعلّ أبرزها ما صدَر خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية من توضيحاتٍ منسوبةٍ لمصادرَ فرنسيّةٍ عن أنّ زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت يُفترَض أن تتمَّ في الأصل في ظلِّ وجودِ حكومةٍ لبنانيّةٍ أصيلةٍ وليس في ظلِّ وجودِ حكومةِ تصريفِ أعمالٍ، ولا سيّما أنّه سيصطحب معه عددًا من وزرائه المعنيّين بالتوقيع على اتّفاقيّاتٍ ثنائيّةٍ في شتّى المجالات مع نظرائهم اللبنانيّين، الأمر الذي لا يُمكن أن يتحقَّق بالطبع في الظروف الراهنة.
وعلى رغم أنّ هذه التوضيحات لم تتضمَّن أيَّ إشارةٍ حول الموعد المحتمَل لإتمام الزيارة بعدما كانت الأنباء قد تحدَّثت عن إلغاء موعدها المحدَّد سابقًا في شهر شباط (فبراير) المقبل، ولا حول المغزى من وراء ما نشرَته صحيفة “معاريف” العبريّة عن أنّ وزير الخارجيّة الفرنسيّ جان إيف لودريان طلب من الرئيس الإسرائيليّ رؤوفين ريفلين أثناء زيارته الأخيرة لباريس عدم القيام بأيِّ عملٍ عسكريٍّ ضدَّ لبنان قبل تشكيل الحكومة العتيدة، وفقًا لما أشارت إليه “” البارحة، فإنّ مجرَّدَ تزامُنِ التطرُّق إلى موضوع الاتّفاقيّات الثنائيّة مع الانتعاش الملحوظ على المسار الحكوميّ من شأنه أن يشي بأنّ مسألة تحديد موعد وصول الرئيس ماكرون إلى بيروت وُضِعت مجدَّدًا على الطاولة في قصر الإليزيه، وبأنّ هذا الموعد لم يعُد بالبعيد، علمًا أنّ ذلك لا يعني بالطبع أنّ المواقف الفرنسيّة حيال سبُل التعاطي مع الملفّات الشرق أوسطيّة الشائكة، بما فيها تداعيات الأوضاع الداخليّة اللبنانيّة الراهنة، لم تعُد فضفاضةً وحمّالةً للأوجه في أغلب الأحوال والظروف.
أمّا على المستوى الأميركيّ، فلعلّ التركيز على الجانب الاحترافيّ في زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي لبيروت ساهم بدوره في إضفاء المزيد من مسحات التفاؤل على الأجواء اللبنانيّة، ولا سيّما بعدما أكَّد أثناء لقائه مع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون على “حرص الولايات المتّحدة الأميركيّة على التعاون مع المؤسّسات الماليّة والمصرفيّة للدولة اللبنانيّة والمصارف لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال”، متمنِّيًا أن “تتمكَّن الحكومة اللبنانيّة بعد تشكيلها من مواجهة التحدّيات الماليّة والاقتصاديّة الراهنة في لبنان”، ناهيك عن أنّ الرئيس عون أبلَغه بحضور وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي والسفيرة الأميركيّة في بيروت اليزابيث ريتشارد بأنّ “لبنان يشارك بفعاليّةٍ في الجهود الدوليّة لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وأنّ القوانين اللبنانيّة تعاقُب مرتكبي أيِّ نشاطاتٍ مماثِلةٍ جزائيًّا وماليًّا، ويتمّ تطبيق هذه القوانين بحزمٍ ودقّةٍ وذلك بشهادة المؤسّسات الماليّة الدوليّة”، فضلًا عن أنّ الوزير جريصاتي سلَّمه خلال اللقاء تقريرًا تضمَّن موجزًا عن أهمّ الإنجازات التي حقَّقها لبنان في مجاليْ مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال منذ تولّي الرئيس عون مسؤوليّاته الدستوريّة… وحسبي أنّ ما تقدَّم ذكره عن العوامل الداخليّة والخارجيّة مجتمِعةً إنْ دلّ إلى شيىءٍ، فهو يدلّ إلى أنّ كافّة الظروف باتت اليوم مناسِبةً أكثر من أيِّ وقتٍ مضى لانتهاء المخاض الحكوميّ المتعثِّر منذ تسعةٍ أشهرٍ على خيرٍ… والخير دائمًا في حِكمة العهد من وراء القصد.