جويس كرم
هدف زيارة القيادية الكردية ورئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد إلى واشنطن الأساسي إقناع ادارة دونالد ترامب بالتريث وتأجيل الانسحاب الأميركي من سوريا، الذي ما يزال جدوله مبهما ورهن تعقيدات في المفاوضات بين أنقرة وواشنطن وباقي الأطراف.
تحدثت إلهام أحمد في ندوة لها في معهد الشرق الأوسط الثلاثاء (29 كانون الثاني/يناير) بإسهاب عن موقف الأكراد الرافض لأي منطقة آمنة تسيطر عليها تركيا، ورفض أي تواجد تركي، ولو ضمن مراقبين دوليين في المناطق التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية اليوم.
وقالت أحمد أيضا إن مجلس سوريا الديمقراطية لن يتردد في إبرام تفاهم مع نظام الأسد في حال حصلت الصفقة الأميركية ـ التركية، رغم الخلاف بين الجانبين (الأكراد والأسد) على ملفات الحكم الذاتي والدستور والتغيير في سوريا.
وأهم ما ذكرته أحمد جاء في نهاية ندوتها، عندما عبرت عن أن خوف الأكراد الأكبر هو من صفقة بين الأسد وأردوغان، تعطي دمشق الضوء الأخضر لعملية عسكرية في إدلب وتتيح لأنقرة الدخول إلى مناطق الأكراد بعد انسحاب الأميركيين.
قد تعترض روسيا على هكذا اتفاق، وهو يبقى غير مرجح نظرا للخلاف بين الأسد وأردوغان ودروس التاريخ حول صعوبة انسحاب تركيا من مناطق حدودية في حال دخلتها بتنسيق مع النظام. ولا يبدو الأسد مستعجلا لاسترجاع إدلب خصوصا بعد صعود جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) هناك وهو مهتم أكثر بالمناطق الشرقية الأغنى بالغاز والنفط.
مع ذلك، تبرز معضلة القوات الكردية في سوريا مع إعلان الانسحاب الأميركي وضيق خياراتها بين اتفاق مع الأتراك يقضي على أفقها ورؤيتها السياسية، أو آخر مع الأسد يوصل للنتيجة نفسها. الخيار المثالي أمام الأكراد اليوم، هو تأجيل الانسحاب الأميركي، وتعزيز موقعهم الميداني والسياسي تمهيدا لاتفاق مستقبلي برعاية دولية يحفظ مصالحهم السياسية.
تأجيل الانسحاب الأميركي ليس هدفا مستحيلا في هذه المرحلة. فواشنطن لم تسحب جنودها من شرق سوريا بل زادت عددهم تمهيدا لانسحاب لم يعلن جدوله ولا مسار واضح له. ويصطدم الانسحاب الذي أعلنه ترامب بمعارضة، ليس فقط من مسؤولين يديرون الملف السوري في إدارته، بل أيضا من جنرالات في القيادة العسكرية الوسطى ومن القيادة الجمهورية في الكونغرس.
إذ تحرك زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وطرح تعديل على مشروع قرار حول الشرق الأوسط يعرقل أي انسحاب سريع من سوريا أو أفغانستان. كما غيرت الإدارة الأميركية لهجتها من خلال تأكيدها على أن الخروج سيكون منسقا ومنهجيا وقد يتم هذا العام أو قد ينتظر للعام المقبل.
الخيار الآخر أمام الأكراد هو اتفاق برعاية روسيا، لكن في ظل غياب وجود ميداني كاف لها على الأرض، لن يضمن هكذا مسار أي افق سياسي من دون غطاء من النظام. وجاء تأكيد موسكو على موافقتها العودة إلى اتفاق أضنة، الموقع عام 1998، والذي يتيح لتركيا دخول سوريا ليفاقم من أزمة القوات الكردية في سوريا، التي تعارض العودة إلى بنود أضنة وأي تواجد تركي في مناطقها.
معضلة الأكراد هي في ضيق خياراتهم في سوريا، وعدم وجود ضمانات أميركية حقيقية خارج الكونغرس. فأولويات ترامب هي في خوض انتخاباته الداخلية، وإبرام صفقات تجارية مع أردوغان مقابل عزل روسيا في سوريا. وفي هذه المعادلة تملك تركيا اليد العليا من خلال أهمية دورها في تلبية هذه الأهداف.
في الوقت ذاته، فإن ترامب محاصر أيضا بشعبية متهاوية داخليا، ومعارضة من داخل حزبه، وتأكيد مدير استخباراته دانيال كوتس أن تنظيم داعش يملك آلاف المقاتلين في سوريا والعراق وأنه يتحول إلى حركة تمرد.
تأجيل الانسحاب الأميركي ليس مستبعدا، وهو قد يعطي الأكراد فرصة لشراء بعض الوقت في سوريا وفتح مفاوضات مباشرة بينهم وبين أنقرة من موقع استمرار الوجود الأميركي وليس للانقضاض على المناطق التي يتواجد فيها.
الحرة