أقلام يورابيا

صوت القلم… معرض الكتاب يخرج شعبا

شافكي المنيري

شافكي المنيري

خمسون عام مرت من الثقافة والمعرفة علي تظاهرة ثقافية كبيرة بدأتها مصر منذ عام 1969، كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، ولذلك قرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب، وأصبح حاليًا أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط وواحدًا من أكبر المعارض في العالم وأقدمها كذلك، وفي عام 2006 اُعتبر ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.
وكل هذا كان جميلا لنعود هذا العام فتحتفل القاهرة باليوبيل الذهبي لفكرة اقامة معرض للكتاب بكل أفكاره، موضوعاته، لغاته كلها تصب في ثقافة المجتمع ووعيه.
وإذا كنت الْيَوْمَ تريد أن تتعرف اكثر على مجتمع أو شعب فيما يقرأ أو على ماذا يقبل فما عليك إلا ان تتجول داخل أروقة معرض الكتاب لترى ما هي الموضوعات التي تدور في فلك الكتاب وما يقدمون من أفكار في كتب متنوعة وهو مقياس ليس بالسهل ولكن اذا بذلت فيه مجهودا ودراسة فأعتقد أنك سوف تتعرف على ملامح المجتمع والوطن الذي تعيش فيه عن قرب اكثر، وسوف تأخذك في البداية عناوين وأغلفةالكتب وأنت تتجول، تقرأها بعينيك ويقرأها عقلك معها قائلا ومتسائلا احيانا كثيرة :- الله ما هذا الجمال الفكري؟ او السؤال الثاني: ما هذه الأفكار الغريبه العجيبة؟ او تاخذك لعالم جديد محفّزا على التفكير اكثر؟ او أن تنصرف تماما غير راضٍ عن ما قرأه عقلك وشاهدته عيناك .
إنها حاله الفكر، الثقافة، المعرفة، الوعي وهي ما جعلت المصريين يخرجون في أعداد كبيرة باحثين عن ما تكتبه لهم الثقافة في عام جديد.
قررت مع بداية أيّام المعرض ان اذهب وأرى ما هو الجديد وتهيأت نفسيا لقضاء يوم ثقافي بين عالم الكتب والثقافة، ووصلت الى مكان المعرض المصري الجديد الذي أقامته الدولة في شكل تنظيمي رائع يليق بمكان تعرض فيه الثقافة والمعرفة ويحمل فيه اسم مصر. ووصلت الي المكان ببهجة الأماكن الحديثة، ولكني توقفت فجأه لأبحث عّن مكان اترك فيه سيارتي وفوجئت بإعداد السيارات وأماكن الانتظار التي امتلأت من الصباح الباكر!!
وكانت عيناي تجوب باقي الأماكن وتجوب المكان والنَّاس وهنا سألت نفسي، الأماكن كثيرة ممتلئة من سيارات واتوبيسات عامة و مجانية حملت الناس الى هنا وأعداد راجلة تمشي الى أبواب أرض المعارض .!!
وجاء السؤال يطرح نفسه هل معرض الكتاب المصري ممكن ان يخرج شعبا!! ؟؟
المشهد داخل معرض الكتاب المصري مشهد حضاري جدا، طوابير من الشعب المصري، الصغير قبل الكبير، الكل متحمس مبتهج واقف في طابور للدخول الى عالم الكتب، الى دنيا المعرفة والثقافه… والاندهاش الذي جاء هنا من منظر الطوابير هو أن الكثيرين لم يتوقعوا خروج الناس بهذا الحماس وتلك الأعداد الى معرض للكتاب خاصة أن مكانه جديد وبعيد بعض الشئ عن وسط البلد في القاهرة! وهذا ما جعل الدولة تساعد الناس في الوصول اليه بوسائل موصلات كثيره ومنها مواصلات مجانية، وربما هذا ما شجع الناس على الذهاب واكتشاف المكان الجديد وإمتاع عقلهم بيوم بين الكتب والمعرفة.
ويعد معرض الكتاب المصري من الأنشطة التي اعتادها المصريون من خمسين سنة، واعتادت الطبقة المتوسطة المصرية صغارا وكبارا على الذهاب الي المعرض ومتابعة أنشطته الثقافية وكانت أيامه من الأيام المحببة لهم لما فيها من أنشطة وندوات ثقافية جدلية كثيرة حتى عندما كانت هناك احداث سياسية عربية كان المعرض دائما صوت الناس والمرآة لأفكارهم، بالاضافة الى فكر الكتاب والمؤلفين الذي تحمله الكتب المختلفة، الدوريات متنوعة الموضوعات والندوات الثقافية او الليالي الغنائية والفنية.. ولذلك اعتادت الاسره المصرية أن تجدول نفسها على زيارة معرض الكتاب سنويا، ولكن في السنوات الماضية وبعد احداث ثوره 25 يناير وغياب التطوير والتجديد لمكان اقامة المعرض وقلة المعروض مقارنة بالسنوات التي قبلها رغم انه بعد الثوره جاءت أصوات الشباب تحاول مسانده أنشطته بندوات سياسية وطنيه واراء ودواوين الشعر وغيرها في حب الوطن ولكن أخذ مستواه التنظيمي يقل ، وعزفت أسر كثيره عن الذهاب.
وبات هذا لسنوات يصعد عام ويقل اخر ويتحمل الزوار الكبار والشباب ضعف إمكانات التنظيم مقابل ان يتزودوا بحالة الثقافة الجميلة من الكتب وتنوع الموضوعات المختلفة ومشاركات الدول ألعربيه بمخزونها الثقافي.
ولَم يغب هذا عن الدولة المصرية في خطتها لبناء المجتمع من جديد ورغم أولويات ومشروعات الدولة الا ان تاريخ معرض الكتاب وأهميته جعله مشروعا مهما من ناحية الاهتمام به والارتقاء بتنظيمه ووضعه في المكان اللائق به وبمكانتة ومكانة القاهرة التي تتألق بوجوده كل عام وايضاً لقيمة الدول المشاركة بإنتاجها الفكري الثقافي،الأدبي، العلمي والسياسي.
لذا خططت الدولة وفاجأت الجمهور بتنظيم جميل ورائع.. وبعد كل هذا لم يتوقع احد كل هذا الإقبال والحضور رغم حداثة المكان و بعده بعض الشي.. ولكنه الشعب المصري الذي دائما لا تعرف متى يقرر وماذا سيفعل؟؟
وان يخرج الشعب الى معرض للكتاب في طوابير شبابية عائلية رغم الحاله الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار!! ولكنه بالشئ المحترم الذي لم يمنع الناس ولَم يعدم طوابير الوقوف من الدخول والاستمتاع بالحالة الثقافية.
وكثيرا ما نقول في مصر بالعامية المصرية الشعب المصري “مالوش كتالوج” والمقصود انه صعب انك تقرر حالة الشعب وكيف يفكر او كيف يتصرف!!
وأخذتني طوابير معرض الكتاب الى طوابير المصريين وخروجهم الى الشوارع في وقت ثوره يونيو، ووعي الشعب في الخروج عن بكرة ابيه لطرد “الاخوان” من سدة الحكم لما عاناه الشعب وقت حكم الاخوان ولذلك خرج الناس بإعداد غفيره من كل مكان وكان المشهد مهيب.
وكرر الشعب خروجه بطوابيره الطويلة في الاستفتاء على الدستور مثلا لوعي الشعب بضروره استيفاء هذا الاستحقاق المهم، هذا بالاضافة الي الطوابير المصرية التي خرجت من اجل اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية بحب وشعبية كبيرة وقتها خرج المصريون في كل محافظه يختارون ويحتفلون بمنتهي البهجة.
واعود الي طوابير المصرين التي دخلت تبحث عن موضوعات الكتب المتنوعة وموضوعاتها، وكان مشهد الزحام في الداخل مثل الخارج!
الصالات متنوعة العرض بين دور النشر المصرية العريقة القديمة تاريخا والحديث منها ..
كنت نويت ان أزور كل صالات العرض، أتعرف ابحث واتابع المشهد الثقافي المصري والعربي والإنتاج من كل مكان.. وكان يستوقفني على ماذا يتزاحم الناس وما الذي يشد الانتباه وما الذي لا يعجبهم اعتقد ان هناك عدد من دور النشر والمكتبات الكبيرة لها جمهورها الخاص الحريص علي متابعاتها والاطلاع علي الجديد لديها، وهناك أيضا الدول والمكتبات العربية المتنوعة التي تتعرف من خلالها على روح كل بلد عربي جاءوا منها..
واستوقفني مثل الزائرين في الجناح او الانتاج السوري من كتب متنوعة ووقفت اتابع الموضوعات وتنوعها وعلى الرغم من اعجابي به قطعا الا انني لم امنع نفسي من الحزن علي سوريا الممزقة التي نتابع أخبارها اليومية ومبادرات ومؤتمرات للحلول التي تتبناها عدد من دول العالم والتي لا تعرف الحضارة العربية ووضع سوريا وبلاد الشام في التاريخ العربي والإسلامي ولا تعرف قيمة ما يعرضون من كتب وثقافة وكم يتمتعون بسلاسة اللغة العربية وقوتها في الكتابة والأدب والشعر والشعر الغنائي ولكن رغم هذا… تتبناها عدد من دول العالم العظمي والتي لا تعرف الحضاره العربية ووضع سوريا وبلاد الشام في التاريخ العربي والإسلامي ولا تعرف قيمه ما يعرضون من كتب وثقافة وكم يتمتعون بسلاسة اللغة العربية وقوتها في الكتابة والأدب والشعر والشعر الغنائي ولكن رغم هذه الكنوز الأدبية مازلنا في حال انتظار لسوريا ان تعود.
والمصريون مثلما يدعمون السوريون بينهم في المشهد اليومي وحياتهم التي يتقاسمونها معهم في المجتمع المصري وهاهم يكملون الدعم النفسي و يتابعون معهم المشهد الثقافي في جناحهم في المعرض.
وانا أتنقل بين الكتب العربية المتنوعة من السوري تاخذك فلسطين الى إنتاجها وإبداعها وتظل تتساءل متي يرتاح المبدعون وتنطلق فعاليات إبداعهم من بلادهم وهذا ما دار في حديث ودي سريع علي القائمين علي الجناح الفلسطيني وإحساسي بهم في التجول دائما في كل المعارض وعرض الانتاج الفكري والثقافي والكتب المتنوعة بالأدباء والكتاب الفلسطينين وخاصة الكتب الأدبية والشعرية التي يقام دائما لها احتفالية خاصه في معرض الكتاب سنويا واستضافه شعرائها المبدعين في لقاء فني فلسطيني الفكر والهوي، والرسالة الفنيه أسرع وابقي وأعمق وأفضل من الحال السياسي الراكد للقضيه الفلسطينيه، وكأن معرض الكتاب هنا يعطي فلسطين مكان ووقت اصيل لهم تعويضا عن وطن لم يعد بعد..
وطبعا تاخذك العراق بحضارتها المتنوعة وانتاجها الثقافي الغزير ومجلدات من الفكر ثقافة وحضارة، كم تعب وجاهد العراق وكم تعب المبدعون في التعبير عن وطن يئن حتى يعود من جديد الى قوته.
ولا أعرف لماذا كانت عيناي تأخذني للكتب والدول التي اشعر بمعاناتها احاول ان أرى ماذا تكتب بماذا تصرخ علي الورق وماذا يسأل المبدعون بها و متي تعود البلاد، والحال والكلام ينطبق علي جناح اليمن بمخزونها الثقافي والأدبي المتنوع وقد كانت حضارتها دائما ملء السمع والبصر.
أخذني الحديث معكم مثلما أخذتني عيناي ابحث واطمئن علي الإبداع الثقافي والفكري في دولنا العربية وخاصة اغلفة الكتب التي تتطورت وتنوعت، وتطور الأفكار وغرابة بعض موضوعاتها التي غردت خارج السرب الثقافي الراقي ولفظ الناس عناوينها بشدة، ولكن الكم العميق من الانتاج الأدبي الجديد الحديث والمتطور كان الاقوى في المشهد.
ولأني تجولت على مدى الْيَوم فشاهدت الكثير الذي أضاف لي واستمتعت بالناس والشباب الواعي الباحث والمتعطش عن مستقبل مختلف، ولان القراءه تضعك في حاله من الهدوء والأمن ولذا لابد ان يخطف عينيك جناحي وزارتي الدفاع والداخلية المصرية وهم يعرضون إنتاجهم الثقافي، الأدبي والسياسي، بالاضافة الى المطبوعات والمجلدات عن الحروب والمعارك الخطط والأسرار.. وهذا ما جعل اقبالا كبيرا عليهما في المعرض لعرضهم لعديد من الأفكار الحديثة. وجودة الطباعة للكتب علاوة على حفاوة استقبالهم للرواد بالابتسامة والترحاب والشرح.
الحكايات في هذا الْيَوْمَ كانت كثيرة واليوم مشاهدة وعناوينه وكتبه عالم لا يكفيه مقالا، ولكن هي حالة الناس التي دفعتني بطاقة ايجابية جميلة، فكرة ان الشعوب تبحث عن الفكر والثقافة والغذاء الروحي فكرة بها من الرقي والوعي الجميل، اكملت يومي بهذه الحالة بين الكتب والثقافة وعندما قررت المغادرة وإذا بي اشاهد توافد الناس حتى الساعة الاخيرة لموعد الاغلاق .. كانت المشاهد جميلة ناس تتوافد وناس تغادر حامله معها ما اختارته من كتب بشعور من البهجة والابتسامة على الوجوه للجميع وصوت فرق الموسيقي العسكرية الوطنية تعزف مقطوعاتها الموسيقية وهم يتجولون في أزياء فنية فرعونية جميله بين الناس، يودعون المغادرين ويستقبلون الزائرين القادمين للمعرض.. ووصلت الى سيارتي وانا أودع هذا الزحام الجميل هل خرج الشعب ليقرأ؟ ام هو معرض فتح ابوابه في عامه الجديد للثقافة والوعي بإنتاج مصري عربي جديد؟
وسواء خرج الشعب باحثا عن القراءة او عن الجديد فى أفكار وعالم الكتب.. في النهاية هو معرض الكتاب المصري الخمسين في يوبيله الذهبي وشعب مصري خرج ليكمل حكاية عمر بدأها مع الثقافة والحضارة منذ الاجداد…
نعم انه معرض الكتاب المصري الذي اخرج شعبا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق