تحقيقات
عودة الفارين من تنظيم داعش إلى وسط هجين “ممنوعة” حتى إشعار آخر
ـ هجين ـ في أحد شوارع بلدة هجين التي شكلت آخر معقل لتنظيم داعش في شرق سوريا، يصرخ خالد “أريد العودة الى بيتي، لم لا يسمحون لي بذلك؟”، ويثني على كلامه العديد من السكان حوله الراغبين بالرجوع الى منازلهم ولو استحالت أنقاضاً.
وتمنع قوات سوريا الديموقراطية التي سيطرت على البلدة الواقعة في ريف دير الزور الشرقي في 14 كانون الأول/ديسمبر، السكان من الدخول الى وسط البلدة، حيث السوق الرئيسي، الذي يبدو أشبه بثكنة عسكرية مقفلة.
وشهد وسط البلدة معارك ضارية قبل طرد التنظيم منها. وحوّلت الغارات التي شنّها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على مواقع الجهاديين وتحرّكاتهم أحياء بأكملها الى مجرد خراب.
عند المدخل المؤدي إلى سوق المدينة، يقف خالد عبد (50 عاماً)، وهو والد لأربعة مقاتلين في صفوف قوات سوريا الديموقراطية، صارخاً “أولادنا هم من حرروها، فلماذا لا يسمحون لنا بالعودة؟”.
ويرى الرجل الذي يضع كوفية بيضاء وحمراء على رأسه، أن منعه من الدخول الى منزله في وسط المدينة “ظلم”.
قبل أكثر من عام، نزح خالد من بلدة هجين إلى مخيمات مخصصة للنازحين في ريف دير الزور الشرقي، ليعود إليها قبل أيام ويجد أن منازل خمسة من أفراد عائلته قد تدمرت.
مع الاقتراب أكثر من وسط المدينة، يزداد حجم الدمار تدريجياً، في دلالة على المعارك الضارية التي شهدها. لكن ذلك لا يحل دون إصرار السكان النازحين، على العودة الى منازلهم أو ما تبقى منها. ويناشدون مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية السماح لهم بذلك.
وسمحت هذه القوات لسكان أحياء محددة بالعودة إليها، من دون أن يسري ذلك على وسط المدينة. ولا يزال الطريق الرئيسي مغلقاً. وتسلك شاحنتان محملتان بسكان وحاجياتهم طريقاً فرعياً للوصول الى الأحياء الجانبية.
“الأغنام” لكشف الألغام
ويكرر المقاتلون طيلة النهار على مسامع سكان يحاولون دخول وسط البلدة “ممنوع دخول المدنيين”.
ويشرح أبو خالد، وهو قائد ميداني مسؤول عن المنطقة، لوكالة فرانس برس أنهم سيفتحون الطريق بمجرد إزالة الألغام التي تركها التنظيم خلفه.
وغالباً ما لجأ التنظيم خلال السنوات الماضية ومع اقتراب خصومه من معاقله، إلى زرع الألغام في محاولة لإعاقة تقدمهم وحصد أكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين والمدنيين على حد سواء.
لا يكترث الأهالي لتحذيرات قوات سوريا الديموقراطية من الألغام. ويقول خالد، محافظاً على نبرة الصوت المرتفعة ذاتها، “نحن نزيل الألغام، بتنا خبراء بذلك وقد جُربت فينا أساساً كل أنواع الأسلحة”.
ويكرر بانفعال “إسمحوا لنا فقط بالعودة الى منازلنا”.
يبدي أسود العايش (60 عاماً)، استعداده للتضحية بماشيته من أجل العودة إلى منزله الذي تحول جبلا من الركام عند أطراف وسط البلدة.
ويقول الفلاح ومربي الماشية، ذو لحية بيضاء كثّة بينما يرتدي قبعة فوق كوفيته تقيه البرد، “لا مشكلة لدينا، نأخذ الأغنام ونجعلها تمشي أمامنا في محيط المنزل”.
يقاطعه شقيقه عبد الإبراهيم، الذي نزح معه قبل أكثر من عام الى مخيمات ريف دير الزور، ويسأل محافظاً على إبتسامة هادئة “إلى أين سنذهب؟ الواحد منا يجب أن يعود إلى أرضه”.
وتفتقد البلدة، التي شكّلت أكبر بلدات الجيب الأخير للتنظيم في شرق سوريا، للخدمات وحتى المواد الغذائية الرئيسية. على جانبي الطريق عند مدخل المدينة، يبيع طفل علب السجائر الموضوعة على طاولة مكسورة أمامه بينما ينتظر رجل آخر من يشتري عبوات المازوت الموضوعة أمامه.
وتتوقف مدرعة تابعة لقوات سوريا الديموقراطية عند مدخل البلدة. يفتح أحد المقاتلين بابها ليوزع عبوات مياه بلاستيكية على أطفال يركضون نحوه مطالبين بحصصهم.
وبعدما يأخذ طفل إحدى العبوات، يخاطب المقاتل قائلاً “أعطني واحدة ثانية للحبابة” في إشارة الى جدته.
“شعب مسالم”
على إحدى ضفاف نهر الفرات عند أطراف البلدة، تعمل صهاريج على سحب المياه من النهر، قبل أن تنصرف لتوزيعها على المنطقة.
ومنذ استعادة هجين، سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على البلدات والقرى الواحدة تلو الأخرى في اطار عمليتها العسكرية التي بدأتها في أيلول/سبتمبر الماضي ضد آخر جيب لتنظيم داعش. ومع اشتداد الهجوم، نزح أكثر من 32 ألف شخص من المنطقة منذ بداية كانون الأول/ديسمبر فقط.
ولم يجد سكان منعوا من العودة إلى وسط البلدة خياراً أمامهم سوى الإقامة في قرى مجاورة، ينتقلون منها يومياً للتأكد ما إذا رفعت قوات سوريا الديموقراطية قرار المنع للعودة وبدء ترميم منازلهم المدمرة.
يقيم علي جابر علي (56 عاماً)، ويقدّم نفسه كرئيس بلدية هجين، رغم أنه “ليس هناك من بلدية أساساً” وفق تعبيره، في بلدة أبو حمام القريبة كون منزله “مدمراً ولا يسمحون للناس بالعودة إلى مركز المدينة”.
وكونه المسؤول عن متابعة شؤونها، يتفقد علي أحوال وسط البلدة. ويقول، محاولاً طمأنة مقاتلي سوريا الديموقراطية، بأنه “ما من خلايا نائمة” تابعة لتنظيم داعش فيها.
ويشدد “أعرف أبناء البلدة واحداً واحداً، يجب أن نعود اليها”.
في حي ملاصق لوسط المدينة، ينهمك سكان في ترميم نازلهم، بينهم سيدة تخفي وجهها خلف نقاب وترتدي عباءة زرقاء طويلة، تزيل التراب بالرفش من أمام بيتها، بينما يبني رجل جداراً جديداً لمنزله القريب.
يثير هذا المشهد انفعال عامر الدودة (35 عاماً) الذي لا يريد أكثر من “رؤية” منزله المهدم في “ثاني منطقة بعد الرقة من حيث الدمار”.
ويتساءل المهندس الميكانيكي النحيل والأسمر البشرة “لماذا لا يفتحون لنا الطرقات؟ مستعدون أن نعود ونضع خيماً فوق بيوتنا المدمرة”.
ويضيف “يخافون منا لكننا شعب مسالم، يجب أن يعرفوا أننا شعب مسالم”. (أ ف ب)