تحقيقات
الموت يلاحق مدنيين فروا من قبضة تنظيم داعش في شرق سوريا
ـ الباغوز ـ تنهمك عمرة عمور (60 عاماً) في إطعام حفيدها خلف شاحنة وضعت فيها جثة ابنتها التي قتلت أثناء فرارها من مناطق سيطرة تنظيم داعش … تنهمر الدموع من عينيها وهي تروي مقتل ابنتها وابنها وحفيدتها في قذائف.
وتقول عمرة ، وهي عراقية من الأنبار كانت تعيش على غرار الآلاف من أبناء بلدها في كنف التنظيم المتطرف في سوريا، “الواحد منا يهرب من الموت، ليخرج ويجد الموت أمامه”.
لم تتصور عمرة أن رحلة فرارها وعائلتها من تنظيم داعش ستكون مأساوية، وستجد نفسها مسؤولة عن حفيدها الصغير. تنظر الى الطفل وتردد بغصة “يمّا يمّا”.
قبل أسبوع، حاولت وعائلتها الفرار من الجزء الأخير المتبقي تحت سيطرة التنظيم في بلدة الباغوز في أقصى محافظة دير الزور قرب الحدود العراقية، لكن الحظ لم يحالفهم.
وتقول السيدة التي ضمّد المسعفون أنفها “حملنا أغراضنا وكنّا في الطريق، سقطت قذيفة هاون علينا، ومات ابني في مكانه” لتعود العائلة أدراجها بعد إصابة أفرادها بالشظايا، ومنهم ابنتها إسراء (24 عاماً).
يوم الأحد الماضي، كررت العائلة محاولة الهرب وتمكنت من بلوغ نقاط قوات سوريا الديموقراطية. لكن بعد وصولها بساعات، توفيت إسراء متأثرة بجروحها. وفي وقت لاحق، توفيت حفيدة عمرة متأثرة بإصابة في بطنها.
بتأثر شديد، تقول السيدة وهي ترتدي عباءة ملونة وحجاباً أسود يظهر من تحته قرطاً ذهبياً في أذنيها، “كثر الموت، لم يعد أحد يبكي على الموت”. وينقل مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية جثة ابنتها لدفنها في مكان قريب، دُفن فيه أربعة مدنيين آخرين.
ولم يتمكن الجرحى الأحد، وغالبيتهم أصيبوا قبل أسبوع أو أكثر، من تحديد مصدر القصف الذي طالهم، ويقولون إنه يأتي من كل حدب وصوب.
وأوقفت قوات سوريا الديموقراطية منذ أسبوع عملياتها الميدانية ضد التنظيم، وفق ما قال متحدث باسمها لفرانس برس تفادياً لسقوط ضحايا مدنيين، في وقت يستمر القصف المدفعي والجوي ضد الخطوط الخلفية للتنظيم. وتتهم هذه القوات التنظيم باستخدام المدنيين كـ”دروع بشرية”.
“وضعه خطير؟”
“حمودي، حمودي”… تنده أماني محمد بخوف طفلها الممدد أرضاً، علّه يرد عليها، بينما يحاول مسعفون علاجه من جروح بليغة أصيب بها.
قبل أسبوع، فرّت أماني مع أطفالها الخمسة وبينهم محمد (ستة أعوام ونصف) من الغارات ونقص المواد الغذائية والدواء، لكنهم لم يسلموا من قصف بالهاون أدى إلى إصابة أطفالها بجروح بسيطة، باستثناء محمد الذي أصيب في رأسه وأماكن أخرى من جسمه.
وعاودت العائلة الكرّة الأحد وتمكنت من الفرار.
يئن محمد على الأرض بعدما لفّ مسعفون من منظمة “فري راينجر بورما” الإغاثية الأميركية رأسه بضمادة بيضاء وعلّقوا له مصلاً. يرتجف غير واع لما يحصل حوله، فيما يحدثه أحد المسعفين في محاولة لمنعه من النوم.
وتسأل أماني من حولها “ماذا يقولون؟ وضعه خطير؟”، ثم تكرر والدموع تنهمر فوق نقابها الأسود “يا رب اشفيه يا رب”.
وتقول “في الداخل ليس هناك من علاج (..) أقلني أحد الأشخاص الى نقطة معينة ثم حملته على يديّ ومشيت به حتى وصلت إلى الإخوة” في إشارة إلى قوات سوريا الديموقراطية الموجودة عند خطوط التماس.
ونتيجة اصابته الخطرة، نقلت منظمة الإغاثة الأميركية محمد مع جريحين آخرين إلى المستشفى لتلقي العلاج.
في مكان قريب، تصرخ طفلة “أمي، أمي” باللغة التركية، أثناء علاجها من اصابة في رجليها، بعد فرارها ووالدتها التركية برفقة عائلة تركية أخرى من جيب الجهاديين الأخير.
“خارج العالم”
ومع توسيع قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية لهجماتها خلال الأسابيع الأخيرة ضد التنظيم، فر الآلاف من المدنيين، من جنسيات مختلفة، من نقاط سيطرة الأخير.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الانسان خروج أكثر من 36 ألف شخص من آخر مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر، وغالبيتهم نساء وأطفال من عائلات الجهاديين، وضمنهم نحو 3100 عنصر من التنظيم.
في نقطة تجمع الفارين، وبعد نقل الرجال جانباً، تفترش النساء الأرض بانتظار نقلهم إلى مخيم الهول في الحسكة (شمال شرق). وبعد تلقيهن صناديق مساعدات، يسارعن لإطعام أطفالهنّ. تسأل بعضهن عن حفاضات، وأخريات عن موعد نقلهن إلى المخيم بعد ليلة برد قاسية قضوها في وسط الصحراء.
وتطعم ايمان أسود (20 عاماً) رضيعها بينما تمد رجلها المصابة أمامها وقربها عكازها. وتقول “لا يوجد شيء هناك، لا أدوية ولا علاج ولا مستشفيات أساساً”.
وتصف اللبنانية أمال السوسة (20 عاماً)، التي قتل زوجها المقاتل في صفوف التنظيم أثناء معارك الرقة، الوضع بـ”المبكي”. وتروي “تعيش الناس في الشوارع، من يتعرض للقصف يبقى في الأرض وينزف حتى يموت ولا يساعده أحد”.
في مكان قريب، تنام صفاء حمدو (24 عاماً) من ريف حلب على الأرض، لتريح رجليها المصابتين.
وتقول لفرانس برس “حاولنا الخروج قبل عشرة أيام، لكن الدواعش أطلقوا النار علينا، دخلت رصاصة في رجلي من دون أن تصيب العظم، وأخرى فتّتت العظم في رجلي الثانية”.
وروى العديد من الفارين خلال الأيام الماضية لفرانس برس كيف عمد التنظيم قبل فترة إلى منع المدنيين من الفرار، لكنه لم يعد قادراً على السيطرة على الوضع بسبب ضغط المدنيين الراغبين بالخروج.
تسأل صفاء، أم لطفلين صغيرين، عن تاريخ اليوم، وتقول “تعبت كثيراً، أشعر أني بت خارج العالم”. (أ ف ب)