فادي عيد
“دون أدنى شك دونالد ترامب أصدر إيعازا باغتيالي، وكلّف حكومة كولومبيا والمافيا هناك بقتلي، وفي حال حصول ذلك يوما ما فإن ترامب ورئيس كولومبيا سيتحملان مسؤولية ما سيحدث لي”
هكذا صرح رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو لوكالة أنباء نوفستي الروسية، كي تنفجر أخر البراكين الخامدة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، وتتحول الانظار كلها من الشرق الاوسط الى امريكا اللاتينية، وبالتحديد نحو فنزويلا التى حملت لنا كل مشاهد الاثارة بالايام الاخيرة.
وهنا كانت ايران تنظر لما يحدث فى فنزويلا نظرة مختلفة عن باقى دول اقليم الشرق الاوسط وربما العالم أجمع، فهي تعلم أن ما يحدث ضد مادورو هو يستهدفها بنفس الدرجة التى يستهدف بها الامريكي كلا من روسيا والصين فى امريكا اللاتينية.
حتى باتت القيادة الايرانية والعقول الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام والحرس الثوري الايراني، تعيد كل مشاهد التدخلات العسكرية الامريكية منذ 2001م بافغانستان مرورا بغزو العراق 2003م، وصولا لما يدور الان فى فنزويلا التى شهدت بالاسابيع الاخيرة أكثر من محاولة لاغتيال الرئيس مادورو.
فطهران تعلم علم اليقين أنها اصبحت فى مرمى الصدام العسكري المباشر بعد قرار انسحاب الامريكي من سوريا والتمركز فى العراق، بعد زيارة مفاجئة قام بها ترامب لقاعدة الاسد الجوية العسكرية بالعراق يوم الاربعاء 26 ديسمبر الماضي، كرسالة مبطنة من الادارة الامريكية لطهران، وقبل انطلاقة وزير الخارجية الامريكي فى جولته للشرق الاوسط بالاسبوع الاول من العام الحالى، كي يتم الاتفاق بين بومبيو والقادة والامراء العرب على عقد قمة “وارسو” بمنتصف فبراير الجاري (فى الذكرى الاربعين لعودة الخميني من منفاه فى باريس الى طهران لاعلان نجاح الثورة الاسلامية سنة 1979م)، وفى المدينة التى شهدت تأسيس الحلف العسكري الشيوعي الذي أنشأه الاتحاد السوفياتي زمن الحرب الباردة لمواجهة الاطلسي، ولكن فى تلك المرة مدينة وارسو البولندية سترتدي قبعة العم سام، وستدشن حلف جديد لمواجهة ايران وانشطتها فى الاقليم كما صرح وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو.
فما سبق يقول أن هناك تسونامي مدمر يتم تحضيره لاجتياح ايران، تسونامي عسكري سيأتى خاطفا بعد زلزال داخلي عبر اشعال مظاهرات حاشدة على غرار ما حدث فى طهران 2009 وببداية العام الماضي، بالتزامن مع اشعال الوضع بين دول الجوار وايران، سواء بباكستان عبر تصعيد اعمال الجماعات الاصولية المسلحة المناهضة للنظام الايراني، او عبر الجار الشمالي اللدود اذرابيجان وما تحمله اراضيها من مستشارين ومعدات عسكرية اسرائيلية (وسيكون لنا وقفة قريبة مع اذرابيجان فى مقال مخصص لها)، بجانب تحشيد الاحواز للتظاهر ضد النظام الايراني، فى ظل مشروع تفخيخ كافة الحدود الايرانية.
فبعد أعلان ترامب انسحاب قواته من سوريا كان أول رد فعل روسي جاء عبر اجتماع لقيادة القوات البرية فى موسكو ترأسه قائد القوات البرية الروسية الفريق أوليغ ساليوكوف، وهو أمر قد يكون جديد، فدائما ما كانت القوات الجوية أو الفضائية أو البحرية أو الدفاعات الجوية هي من فى المشهد.
ووقت أن أبحرت حاملة الطائرات الامريكية جون ستينيس الى الخليج العربي، كانت ايران بدأت فى تنفيذ مناورات الرسول الاعظم، والتى أجريت على جزيرة قشم المتاخمة للبر الرئيسى الإيرانى والقريبة من مضيق هرمز، مناورات ارى انها الاكثر عملية وواقعية، بعيدة عن الاجواء الاستعراضية التى كانت تتبعها ايران فى المرات السابقة، مناورات فى واقعها كانت تحاكي كيفية مواجهة تكرار سيناريو الغزو الامريكية للعراق، مناورة كان فيها التركيز على القوات البرية اعلى من المرات السابقة.
وانتهت مناورات الرسول الاعظم يوم 22ديسمير بالتزامن مع وصول الحاملة الامريكية لأول مرة لمياة الخليج العربي منذ هجمات الـ11 من سبتمبر2001 ، بعد أن بادر الحرس الثوري استقبالها باطلاق النيران تجاهها على أمل أن تصل رساله قاسم سليماني مبكرا لواشنطن، وللعلم تلك أول حاملة مقاتلات امريكية تصل مياة الخليج العربي منذ خروج امريكا من الاتفاق النووي مع ايران.
وفى يوم الجمعة الموافق 25 يناير2019 انطلقت مناورات عسكرية ضخمة حملت أسم “اقتدار 97 الكبرى” بمحافظة أصفهان بهدف عرض استراتيجية جديدة للجيش الإيراني، شارك فيها 12 ألفا من عناصر قوات النخبة الهجومية والوحدات المدرعة والمدفعية وقوات الرد السريع والقوات الهندسية والقتالية وكوادر وحدة الاتصالات والحرب الالكترونية وسلاح الجو في منطقة المناورات بإسناد من مقاتلات مروحية وجوية وطائرات مسيرة.
وبجانب 12 ألف عسكري يشاركون في تلك المناورات التي تستغرق يومين شارك أكثر من 1577 مدفعية وعدد كبير من المروحيات المجهزة.
وفي المرحلة الأولى من المناورات نفذت القوات البرية عملية إنزال في المنطقة من مروحيات لوجيستية، ثم قامت طائرات مسيرة ومروحيات بعمليات للاستطلاع والتطهير والقضاء على جنود العدو الافتراضي وتدمير أدواته وتحصيناته في المنطقة، بينما فى اليوم الثاني للمناورة تم تقييم نوعين من التغييرات التي أجريت على القوات البرية.
ففي تلك اللحظة التى تتأهب فيها ايران عسكريا بكل ما تملك من اداوت كانت تراقب بعين ما وصلت له من قدرات عسكرية قادرة على صد أي عدوان محتمل فى القريب العاجل، وبالعين ألاخرى تحلل ما يحدث على الساحة بكاراكاس، التى شهدت بتلك الاثناء مناورات عسكرية في قاعدة “إل ليبرتادور” الجوية بولاية أراغوا غربي العاصمة كاراكاس، لمواجهة اي تدخل عسكري امريكي محتمل، قبل أن يعلن رئيس فنزويلا مادورو أن بلاده ستجري في البلاد في الفترة من 10 إلى 15 فبراير المقبل مناورات عسكرية، وصفها بالأكثر أهمية في تاريخ البلاد، بجانب سعيه لتشكيل أكثر من 50 ألف وحدة من الميليشيات الوطنية في مناطق وقرى ومدن البلاد قوامها نحو مليوني رجل.
أذا كل المشاهد السابقة تعيد للذاكرة اجواء ما قبل غزو العراق، ولما نشره موقع “ديبكا” الإسرائيلي فى يونيو الماضي نقلا عن مصادر عسكرية واستخباراتية اسرائيلية (حسب زعمه)، عندما نشر الموقع تقرير يفيد بأن عددا من القادة العسكريين الأمريكيين والإسرائيليين اجتمعوا بشكل سري في العاصمة الأمريكية واشنطن في التاسع والعشرين من يونيو الماضي لإعداد خطة سرية، كانت الخطة بعنوان “مشروع إيران”، وهي عبارة عن تشكيل قوة للمهمات السريعة المشتركة لاتخاذ القرارات المتعلقة بمهاجمة المنشآت النووية والصورايخ الباليستية ومواقع قتالية وعسكرية أخرى داخل وخارج إيران، وقد تم تعيين الجنرال “نتزان ألون” قائد العمليات في الجيش الإسرائيلي رئيسا للمشروع بطلب من رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت، الذي شارك في الاجتماعات مع رئيس هئية الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دنفورد.
وكشف الموقع أنه خلال اجتماعات واشنطن تم الاتفاق على تشكيل أربعة مجموعات قيادة ضمن “مشروع إيران”، وهي مجموعة القيادة النووية التي تتعلق مهمتها بتحديد مواقع السلاح النووي ومفاعلات البلوتونيوم ومصانع اليورانيوم ومواقع التخصيب وأجهزة الطرد المركزي داخل إيران.
أما مهمة المجموعة الثانية فتتعلق بمواقع الصواريخ الباليستية الإيرانية بما فيها منصات الإطلاق والمخازن تحت الأرض ومصانع إنتاج ومراكز الأبحاث، في حين تغطي مهمة المجموعة الثالثة العمليات العسكرية السرية والعلنية ضد المراكز العسكرية والاستخباراتية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط بما فيها سوريا ولبنان واليمن، بينما تتولى المجموعة الرابعة تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وستساهم إسرائيل فيها بتوفير معلومات استخباراتية عن محاولات طهران خرق تلك العقوبات.
خلاصة القول ما تفعله الولايات المتحدة بحق فنزويلا تعدى مرحلة التدخل بكثير، فالامر أصبح حرب مباشرة على فنزويلا، وضربة للروسي الذى اجرى مناورات عسكرية منتصف الشهر الماضي فى فنزويلا، خلال محاولة روسيا توسيع رقعة نفوذها بالبوابة الخلفية للولايات المتحدة، وانذار أخير لطهران التى تمثل لها فنزويلا متنفس هام فى ظل الحصار الذى يشتد عليها كل يوم، فما يحدث فى فنزويلا جزء من الحرب العالمية الثالثة التى بدأت مع غزو العراق 2003م.
فأدارة ترامب (امريكا) أو بالادق جاريد كوشنير (اسرائيل) تريد خلع أخر مسمار مناهض لها فى امريكا اللاتينية ويساعدها من البداية فى زعزعة استقرار فنزويلا كلا من كولومبيا والبرازيل التى أنضمت لها مؤخرا، بعد ان أتوا بجايير بولسونارو لرئاسة البرازيل الذى يحاول رد الجميل منذ أن تولى الرئاسة عبر أعلانه ان القدس عاصمة اسرائيل، أو اقرار نقل السفارة البرازيلية بتل أبيب الى القدس، …. الخ.
وتلك الصورة كانت أفضل شرح مختصر لكل من تعجب العلاقة بين الرئيس البرازيلي واللوبي الصهيوني العالمي، فتلك الصورة ليست ليائير وافنير أبناء رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، بل لكارلوس وشقيقه ادواردو أبناء الرئيس البرازيلي بولسونارو، أثناء تواجدهم بأحدى المستوطنات، وهم يرتدوا قمصان تحمل شعار جيش الاحتلال والموساد.
باحث ومحلل سياسى بقضايا الشرق الاوسط