السلايدر الرئيسيشرق أوسط

بين المقدَّم سوزان الحاج والمقرصِن إيلي غبش: ملفّ فبركة تهَم التعامُل مع إسرائيل أمام المحكمة العسكريّة اللبنانيّة

جمال دملج

ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ على رغم أنّ المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد الركن حسين عبد الله أنهَت اليوم الخميس إجراءات استجواب المقرصِن الإلكترونيّ إيلي غبش الذي قام قبل قرابة العامين بفبركة تهمة التعامُل مع إسرائيل للممثِّل المسرحيّ اللبنانيّ زياد عيتاني عن طريق توجيه رسائلَ عدّةٍ إلى بريده من حسابٍ إسرائيليٍّ وهميٍّ باسم فتاةٍ إسرائيليّةٍ تدعى نيللي، ما أدّى إلى توقيفه لمئةِ يومٍ، ومن ثمَّ إلى إطلاق سراحه بعدما ثبتت براءته، فإنّ التداعيات المتصِّلة بما نُسِب عن دور رئيسة مكتب الجرائم الإلكترونيّة وحماية الملكيّة الفكريّة في قوى الأمن الداخليّ المقدَّم سوزان الحاج في ملفّ هذه القضيّة المثيرة للجدل ما زالت تتفاعل باضطرادٍ في ظلّ استمرار إجراءات استجوابها، ولا سيّما أنّ المقرصِن المذكور، وإنْ كان قد اعترف بأنّ ما قام به تمَّ بالتنسيق معها على خلفيّة طلبها منه البحث عن دليلٍ على علاقة عيتاني بالإسرائيليّين، مؤكِّدًا أنّه تقاضى من جهاز أمن الدولة مبلغًا بقيمةِ ألفٍ وستّمئةِ دولارٍ لقاء المعلومات التي قدَّمها، ولكنّه نفى في الوقت نفسه أن تكون المقدَّم الحاج قد أعطته أيَّ مبلغٍ ماليٍّ مقابل ذلك.

وإذا كان المقرصِن غبش قد أكَّد أيضًا خلال جلسة الاستجواب أنّه وُعِدَ بقبضِ مبلغٍ بقيمةِ خمسةِ آلافِ دولارٍ في حال قيامه بتقديم ملفٍّ مماثِلٍ من شأنه إدانة الصحافيّ رضوان مرتضى بتهمة التعامُل مع إسرائيل، مشيرًا إلى أنّه عدَلَ عن ذلك بعدما أدّى فعلُه الأوّل إلى توريط عيتاني بأكثر ممّا كان يتوخّى، باعتبار أنّ الهدف وقتذاك كان يقتصِر فقط على جلْبه إلى التحقيق وفرْك أذنيه وترْكه بحال سبيله، وليس توريطه بجُرْم التعامُل مع إسرائيل كما حصل لاحقًا، فإنّ هذا التأكيد لا بدَّ من أن يكون كافيًا في هذه الأثناء لكي يُعيد إلى الأذهان بذهولٍ فحوى البيان الصادر يوم الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017 عن قسم الإعلام والتوجيه والعلاقات العامّة في المديريّة العامّة لأمن الدولة في لبنان، وهو البيان الذي جاء فيه أنّ المديريّة تمكَّنت في اليوم السابق (23/11/2017) من “إنجازِ عمليّةٍ نوعيّةٍ استباقيّةٍ في مجال التجسُّس المضادّ، وأوقَفت اللبنانيّ المدعوّ زياد أحمد عيتاني، وهو ممثِّلٌ ومخرجٌ وكاتبٌ مسرحيٌّ من مواليد بيروت عام 1975، بجُرم التخابُر والتواصُل والتعامُل مع العدوّ الإسرائيليّ، وقامت وحدةٌ متخصِّصةٌ من أمن الدولة، بعد الرصد والمتابعة والاستقصاءات على مدارِ شهورٍ داخل الأراضي اللبنانيّة وخارجها، وبتوجيهاتٍ وأوامرَ مباشِرةٍ من المدير العامّ اللواء طوني صليبا، بتثبيت الجُرم فعليًّا على المشتبه به زياد عيتاني”.

ولعلّ اللافت هنا هو أنّ عيتاني، وإنْ كانت براءته قد ثبتت بعد مرورِ مئةِ يومٍ من توقيفه حسب ما أشرنا إليه أعلاه، ولكنّ البيان المذكور كان قد تضمَّن منذ اليوم الأوّل فقرةً واضِحةً تنصُّ على أنّه في التحقيق معه، أيْ مع عيتاني، وبمواجهته بالأدلَّة والبراهين، اعترَفَ بما نُسِب إليه، وأقرَّ بالمهامّ التي كُلِّف بتنفيذها في لبنان، ومن بينها “رصْدُ مجموعةٍ من الشخصيّات السياسيّة رفيعة المستوى وتوطيدُ العلاقات مع معاونيهم المقرَّبين بغية الاستحصال منهم على أكبرِ كمٍّ من التفاصيل المتعلِّقة بحياتهم ووظائفهم والتركيز على تحرُّكاتهم”، إضافةً إلى تزويد الإسرائيليّين “بمعلوماتٍ موسَّعةٍ عن شخصيّتين سياسيّتين بارزتين سيتمُّ الكشف عن هوّيتهما في بياناتنا اللاحقة”، ناهيك عن “العمل على تأسيسِ نواةٍ لبنانيّةٍ تُمهِّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل والترويج للفكر الصهيونيّ بين المثقَّفين”، فضلًا عن تزويد الإسرائيليّين “بتقاريرَ حول ردودِ أفعالِ الشارع اللبنانيّ بجميع أطيافه بعد التطوُّرات السياسيّة التي طرأَت خلال الأسبوعين الفائتين على الساحة اللبنانيّة”.

وإذا كان البيان نفسه قد أشار يومذاك أيضًا إلى أنّ المديريّة العامّة لأمن الدولة “تُتابع ملفّ الموقوف بإشراف القضاء المختصّ وسوف يتمُّ الكشف للرأي العامّ اللبنانيّ مزيدًا من التفاصيل في حينه”، الأمر الذي شكَّل على الفور صدمةً مدوِّيةً في أوساط أولئك اللبنانيّين ممّن أحبّوا فنَّ زياد عيتاني، ومن بينهم مسؤولون سياسيّون ومستشارون لرؤساء حكوماتٍ سابقين راحوا يتنصَّلون تِباعًا من علاقتهم معه، فإنّ أربعة أشهرٍ لم تكد تمرُّ على بداية تداعيات هذه القضيّة حتّى استفاق الشارع اللبنانيّ على هوْل صدمةٍ مدوِّيةٍ أخرى، وذلك عندما تمَّ الإعلان عن توقيف المقدَّم سوزان الحاج يوم الثاني من شهر آذار (مارس) عام 2018 على خلفيّة الاشتباه بضلوعها في فبركة التهمة لعيتاني، قبْل أن يُصار لاحقًا إلى إطلاق سراحها بكفالةٍ ماليّةٍ ومنعها من السفر في انتظار موعد مثولها أمام المحكمة العسكريّة وفقًا لما حصل اليوم الخميس، علمًا أنّها نفَت ولا تزال تنفي التهمة الموجَّهة إليها جملةً وتفصيلًا.

وبحسب ما أوردته الوكالة الوطنيّة للإعلام مساء اليوم، فقد استجوَبت المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد الركن حسين عبد الله، على مدى ساعتين ونصف ساعة، المقدَّم في قوى الأمن الداخليّ سوزان الحاج المتّهَمة بـ “قبول العرض المقدَّم من المقرصِن إيلي غبش لاختلاق جُرم التعامُل مع إسرائيل للممثِّل المسرحيّ زياد عيتاني”، ولكنّ هذا الوقت لم يكن كافيًا إلّا لجزءٍ من إفادة الحاج التي ردَّت فيها على كلّ اعترافات غبش، وفنَّدتها بالوقائع والتسلسل الزمنيّ منذ أن تعرَّفت عليه يومَ كانت رئيسةً لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، وبدأت الاستعانة بخبرته في تحديد هويّة الأشخاص على الإنترنت ومهاجمي المواقع الإلكترونيّة اللبنانيّة ومتابعة الأدلّة الرقميّة للفاعلين، حيث أوضَحت أنّه لم يشب تلك الفترة أيّ خطأ طيلة فترة عمل غبش معها في المكتب التي دامت حوالي سبعةِ أشهرٍ، الأمر الذي دفع رئيس المحكمة إلى تحديد يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري لاستكمال الاستجواب… وحسبي أنّ أنظار اللبنانيّين ستتركَّز بشغفٍ اعتبارًا من الآن وحتّى ذلك الموعد على معرفة ما ستؤول إليه تلك القضيّة من نتائجَ وإثباتاتٍ وبراهين… والخير دائمًا في الصبر من وراء القصد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق