جويس كرم
يعود الفريق الأميركي في عملية السلام، أي مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنير والمبعوث جايسون غرينبلات، إلى المنطقة نهاية هذا الشهر، في زيارة هدفها الأول والأساسي استقطاب الدعم لخطة السلام الأميركية قبل الإفصاح عنها ونشرها في قادم الشهور.
ستشمل الجولة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، والبحرين، وقطر وقد يتم إضافة دول أخرى خارج سياق الأطراف المتنازعة (فلسطين وإسرائيل) ومصر والأردن، وهي ستركز على الشق الاقتصادي من مشروع دونالد ترامب للسلام من دون حصره بإطار “السلام الاقتصادي”.
ما نعرفه هو أن خطة السلام الأميركية باتت شبه جاهزة اليوم بحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى، ونشرها ينتظر مرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/أبريل، رغم أن واشنطن تبدو مرتاحة لفرص بنيامين نتانياهو في الفوز وتشكيل الحكومة المقبلة.
التسريبات والتأويلات حول مضمون الخطة الأميركية ضبابية في هذه المرحلة؛ إنما الجوانب المحتملة والمرجح أن يسير بها ترامب غير بعيدة كثيرا عن مقترحات سابقة لحل الصراع. فرغم انحيازه التام لإسرائيل في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع المساعدات لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لن يكون بمقدور ترامب الابتعاد عن الأهداف التقليدية لمساعي السلام الأميركية، ليس محبة بالفلسطينيين، بل لضمان النجاح لخطته وتأكيد وجود غطاء عربي لها.
سيتطرق النص الأميركي، على الأرجح، لقضايا الحل النهائي من بينها القدس واللاجئين والحدود والأمن مع تطوير شق يرتبط بالإرهاب. وهو سيخوض بتفاصيل الاقتراحات الاقتصادية التي سيسعى كوشنير إلى تسويقها في المنطقة.
أما حلّ الدولتين، فرغم تردد الإدارة في تبنيه، ما عدا كلام ترامب في الأمم المتحدة الخريف الفائت، فلا يمكن تصور أي رؤية أميركية من دون هذا الهدف، ليس محبة بالفلسطينيين بل بسبب حقائق ديمغرافية تفترض حلّ الدولتين للحفاظ على يهودية الدولة الإسرائيلية. أما التسريبات عن عاصمة في أبو ديس، أو عن عدم وصل الضفة بغزة فيتم نفيها في واشنطن، وهي لن تكون مقبولة عربيا وفلسطينيا والإدارة الأميركية تدرك ذلك.
المعضلة الأميركية اليوم هي في غياب الشريك الفلسطيني، وعدم وجود أي اتصالات مباشرة مع القيادة في السلطة الفلسطينية. يقول المسؤولون الأميركيون أن هناك اتصالات أميركية مع شخصيات ورجال أو سيدات أعمال في الأراضي الفلسطينية، ورغم الرفض الواضح لنهج الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنما ليس هناك بديل عنه. فلا الجانب العربي، وحتى أقرب أصدقاء أميركا، سيوقعون على أي اتفاق لا تمضي به السلطة، وليس هناك حاليا طرف فلسطيني آخر قادر أن يحل مكان السلطة الفلسطينية.
أما بالنسبة للقيادة الفلسطينية، فسيكون من الخطأ تجاهل الخطة الأميركية أو شراء الوقت حتى خروج ترامب لسببين؛ الأول، هو أن عشوائية ترامب ورؤيته السياسية للمنطقة، التي تنحصر بين الأبيض والأسود، تفتح باب الرهان على إقناعه باتخاذ قرارات غير مألوفة والاستفادة من شعبيته العالية في إسرائيل لحصد تنازلات من قيادتها في عملية السلام.
أما السبب الثاني، هو في خطأ الرهان على ما بعد ترامب، والذي قد يكون أكثر قربا منه لإسرائيل، أو تتشابه خياراته مع خيارات الرئيس الأميركي. فعدا عن بيرني ساندرز أو رشيدة طليب وإلهان عمر، ليس هناك اليوم وجه ديموقراطي يتحدى الحكومة الاسرائيلية بشكل فعلي، ومن المستبعد لأي رئيس مقبل، إذا خسر ترامب الولاية الثانية، أن يتراجع مثلا عن قرار السفارة في القدس، أو خفض المساعدات الأمنية لها.
بالنظر أيضا لتاريخ الصراع والمفاوضات، لم يعد الوقت لصالح السلام وحقوق الفلسطينيين. فمنذ قرار مجلس الأمن الدولي 181 الصادر عام 1948 والمساحة المعطاة للدولة الفلسطينية تنكمش ويقضمها الاتساع الاستيطاني، وتتراكم الحروب والنكسات التي وعدت بانتصارات ولم يأت منها إلا الهزائم والتراجع. حتى الجولان السوري بات محط مفاوضات أميركية ـ إسرائيلية للاعتراف به كجزء من إسرائيل. هذا لا يعني أن على الفلسطينيين التنازل عن حقوقهم المشروعة، بل يعني ضرورة ملحة لاستراتيجية عربية ـ فلسطينية للتفاوض مع ترامب.
ستستأنف زيارة كوشنير إلى الخليج، في الأسبوع الأخير من شباط/فبراير، عملية السلام بوساطة أميركية، ورغم أن عنوانها اقتصادي لحصد الدعم لأي دولة فلسطينية مقبلة فلا يمكن فصل ذلك عن الشق السياسي.
تدرك إدارة ترامب أن لا فرص لنجاح أي خطة من دون دعم عربي، والجانب العربي يدرك أن ليس هناك أي فرص لأي خطة من دون دعم فلسطيني. وعليه فالأسابيع المقبلة تستعجل ضرورة وضع استراتيجية تفاوضية فلسطينية بدعم عربي لدرس خطة ترامب واقتراح تعديلات عليها والتفاوض حول مضمونها بعد انتخابات نيسان/أبريل الإسرائيلية.
الحرة