السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
“القطار المغاربي”: أمل ينبعث من جديد وسط تفاؤل حذر… ومخاوف بأنه “اضغات احلام”
فاطمة الزهراء كريم الله ونهال دويب وسناء محيمدي
ـ عواصم مغاربية ـ من فاطمة الزهراء كريم الله ونهال دويب وسناء محيمدي ـ بتفاؤل حذر استقبل مواطنو الدول المغاربية العربية خبر إعادة انشاء سكة حديد تربط الدول المغاربية ببعضها البعض، ورغم الحماس الذي راود المراقبين والمحللين في هذه الدول الا انهم لا يخفون قلقهم من ان تكون هذه الأنباء هي اضغات أحلام ليس الا بحسب ما اسروا لمراسلي صحيفة “” في الدول المغاربية.
فبعد اكثر من 30 عاماً على قيام الدول المغاربية الخمس بتأسيس اتحاد المغرب العربي في فبراير/ شباط 1989، بموجب معاهدة مراكش، طفا على السطح من جديد حلم إطلاق القطار المغاربي، حيث يجرى حاليا وبخطى حثيثة، التحضير لإطلاق حملة ترويجية وإعلامية لاستقطاب مستثمرين لتحديث بعض مقاطع الخط السككي الخاص بالقطار المغاربي، الذي توقف سنة 2006 عن العمل، وإعادة اطلاقه، وذلك بعدما أعلنت الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، عن استعداداها لتعيين مستشار مهمته إنجاز الدعاية والترويج للدراسة المتعلقة بالجدوى الاقتصادية للمشروع، وللتواصل بشأنها مع البنوك العالمية والشركات الدولية وشركات القطاعين العام والخاص.
ومن المرتقب أن تحتضن تونس الشهر المقبل اجتماعا لأمانة الاتحاد وعدد من المستثمرين من أجل تعريفهم بالمشروع، وحشد الموارد المالية اللازمة لتحديث وتأهيل خطوط السكك الحديدية لربط ثلاث دول في مرحلة أولى هي المغرب والجزائر وتونس، بقطار مغاربي. فهل يحيي قطار المغرب العربي حُلم شعوب المنطقة؟
المغرب… ترحيب شعبي
على الجانب المغربي لقيت الفكرة بترحيب شعبي كبير، في إعادة فتح الخط السككي الخاص بالقطار المغاربي، الذي كان قادة دول المغرب العربي قد اتفقوا عام 1989 على فتح خطه السككي الممتد من تونس إلى المغرب، وهو خط قابل للتمديد بحيث يصل إلى كل من موريتانيا وليبيا. ويرى بعض المراقبين أنه سيبقي رهينا بتطور الموقف السياسي بين المغرب والجزائر، الذي سيقرر في المستقبل الحدود الشرقية المغلقة منذ أكثر من ثلاثة وعشرين عام.
على صفحته على موقع ” فايسبوك”، رحب الناشط، نوري ندجيم، بالفكرة وقال: “إنها بادرة خير، انشاء الله تتجيد على ارض الواقع”،فيما قال ناشط آخر: “مرحبا بقطار الوحدة”.
أما الناشط خالد بوشارب، فكتب: “أرجو أن يتحقق المشروع في أقرب وقت ، و أن تفتح الحرية التامة في انتقال الأفراد و السلع و رؤوس الأموال”، فيما عبر أخرون عن تخوفاتهم من أن يكون ذلك مجرد “أضغاث أحلام”.
في تعليق على الموضوع، اعتبر ادريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أن أي خطوة من هذا النوع لها أهميتها إذا استحضرنا الوضع جامد في فيما يتعلق بآليات ومؤسسات الاتحاد المغاربي من جهة، واذا استحضرنا كذلك إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر التي أثرث بشكل سلبي على مسار الاتحاد وعلى مسار العلاقات ما بين الدول المغاربية.
مؤكداً يضيف لكريني، في اتصال مع “”، أن استحضار الجانب الاجتماعي في هذا الصدد هو امر اساسي خصوصا وأن البلدان المغاربية تواقة إلى الوحدة وإلى التواصل خصوصا وأن هناك علاقات اجتماعية وعلاقات ثقافية وحضارية بل وايضا علاقات مصاهرة وقرابة ما بين الشعوب المغاربية خصوصا بين المقيمين على الحدود بين المغرب والجزائر.
وبتنسيق مع شركات إيطالية، أنهى الاتحاد المغاربي، دراسة حول مشروع القطار العابر للبلدان المغاربية، بعد إعداد استمر لسنة كاملة.
وتبلغ تكلفة الدراسة، التي من المنتظر أن تسلم لوزراء نقل وخارجية الدول المغربية من أجل الحسم في تنزيلها على أرض الواقع، ومباشرة أعمال التشييد التي ستمكن من تعزيز الخط السككي في منطقة شمال إفريقيا على مستويات السفر السياحي، و تعزيز التبادل التجاري. 362.707 مليون دولار أمريكي، وتروم تحديث المقاطع السككية من الدار البيضاء إلى تونس العاصمة، مرورا بالجزائر، وذلك على طول مسافة 2350 كيلومترا، وستمر بعدد من المدن المغربية والجزائرية والتونسية، في أفق إعداد دراسة أخرى بالنسبة لكل من ليبيا وموريتانيا.
وتشير الدراسة، إلى أنه “سيتم تحديث الخط السككي بين فاس ووجدة على مسافة تمتد 354 كيلومترا، وبين وجدة والعقيد عباس الجزائرية، وكذا مدينة جندوبة التونسية، فيما سيتم إنشاء خط سككي جديد يربط عنابة بمدينة الطرف الجزائرية، وبين جندوبة والعاصمة تونس على مسافة 110 كيلومترات، فضلا عن تأهيل ما بين جندوبة والجديدة التونسية على امتداد 150 كيلومترا”.
وسيمكن الخط السككي، من تقليص المدة الزمنية للسفر بين البيضاء وتونس من 48 ساعة إلى 25 ساعة، فيما ستصل مدة ربط الدار البيضاء بالجزائر العاصمة 15 ساعة، وسيبلغ عدد المسافرين في القطار سنة 2025، حسب التوقعات، 4689 في اليوم، وسيحمل 4236 طنا من أدوات ومعدات التبادل التجاري في السنة ذاتها، على أساس أن ينتقل رقم المسافرين إلى 6738 سنة 2040، وسيحمل 8388 طنا من البضاعة، وفي سنة 2065 سيتمكن من الوصول إلى 12.431 مسافرا في اليوم، وسيحمل 22 ألفا و436 طنا من البضائع.
إطلاق هذا المشروع، يري رئيس منظمة العمل المغاربي، ستكون له انعكاساته الايجابية، أولا على تخفيف حدة الضغط النفسي الذي بات مهيمنا فيما يتعلق بالعلاقات المغاربية خصوصا العلاقات المغربية الجزائرية، ومن شأنه كذلك أن يشكل بداية مبادرات أخرى قد تنخرط فيها فعاليات مدنية وفعاليات اقتصادية بما يدفع صانع القرار في الدول المغاربية إلى بلورة توجهات أكثر جراءة وأكثر شجاعة تليق بالامكانيات، بإمكانيات الفرص المتاحة للبلدان المغاربية على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى وعلى المستوى الاستراتيجي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى السياسي، وأيضا في مستوى التحديات المطروحة في عالمنا على اعتبار أن عالم اليوم هو عالم التكتلات وعالم المخاطر العابرة للحدود في أبعادها الاقتصادية والأمنية وغيرها من الأبعاد التي تتطلب التكتل والتنسيق بين البلدان المغاربية.
هذا وينتظر الاتحاد المغاربي مصادر تمويل للدراسة من أجل تنفيذها على أرض الواقع، وستبلغ تكلفتها ما يقارب 3 ملايير و875 مليون دولار أمريكي، كما قام بدورة تدريبية للمهندسين والفنيين في هذا الإطار، وسيكون له برنامج دعاية خلال شهر مارس / آذار المقبل من أجل جذب المستثمرين.
وتلزم مدة سنة تقريبا في حالة توفر جميع الظروف المادية والطبيعية الملائمة من أجل إنجاز الدراسة، التي تشير إلى أن موريتانيا وليبيا ستشملهما دراسة أخرى، على اعتبار أن القطار يجب أن يمر عبر جميع الدول المغاربية لتحقيق الأهداف المنشودة بالنسبة لسكان البلدان الخمسة.
تونس… تخطي مطبات الحدود
في تونس رأى خبراء بأن مشروع القطار المغاربي سيحمل أهمية كبيرة للمنطقة من نواحي متعددة، و وفي هذا الشأن، قال الباحث في الشأن المغاربي بلحسن اليحياوي في حوار مع “” انه اذا تمكن هذا المشروع فعلا من الهروب من دفاتر الأنظمة المغاربية وتجسيده فعلا على ارض الواقع فانه سيغير المشهد المغاربي، وسياسهم في حركة تنقل الأشخاص والسلع بين دول المنطقة.
وذكر الباحث التونسي أن حلم “القطار المغاربي” تعترضه العديد من المطبات والحواجز المتمثلة أساسا في غلق الحدود بين أقطار المغرب العربي، وحواجز الجمارك وغياب البنية التحتية ما يضعف البنية التجارية بين دول مغرب العربي، موضحا ان عقبة الحدود ستكون ابرز الملفات العالقة امام عمل القطار المغاربي.
ولفت بقوله إلى أن المناطق الحدودية بين البلدان المغاربية هي مرتع لعمليات التهريب والارهاب في تونس، وتوجس كل دولة من حدودها المجاورة، ورغم ذلك غابت الاتفاقيات الدفاعية الحدودية المشتركة بين دول المنطقة، معتبراً ان غياب الأمن في هذه المناطق الحدودية وسيؤدي بنهاية المطاف الى غلق هذا الخط المشترك بذريعة امنية، وفق تعبيره.
وتجدر الاشارة إلى أن مشروع القطار المغاربي يدرس انشاء خط سكة حديدية بين محافظة جندوبة التونسية ومدينة دار البيضاء الجزائرية، علما وان محافظة جندوبة الحدودية تعتبر احد احزمة الفقر بتونس، حيث تحظى بخصوصية جغرافية وتنشط فيها عمليات التهريب والارهاب بدرجة اعلى.
ويرى اليحياوي ان حلم الاتحاد المغاربي الذي يمر على تأسيسه 30 عاما، اجهضته الخلافات السياسية بين دول المنطقة وفشل في تحقيق الأهداف التي نصت عليها المعاهدة كتحقيق التنمية الصناعية والتجارية لدول أعضاء الاتحاد المغاربي، واتخاذ التدابير والاجراءات لإحداث مشاريع تنموية ببلدان المغرب العربي.
وشدد اليحياوي، في حديثه على اهمية التعاون التجاري كأحد اهم اليات التكامل التجاري باعتباره مدخلا طبيعيا في اتجاه التكامل الاقتصادي في المغرب العربي، واعتبره من اهم الثغرات الموجودة بين دول المنطقة.
وتفيد تقارير اقتصادية مختلفة بأن كلفة عدم التكتل بين بلدان “الاتحاد المغاربي” تصل خسارتها إلى أكثر من 6 مليارات دولار على صعيد المبادلات التجارية، كما يفقد هذا الفضاء المجمد حوالي 3 نقاط من النمو كل سنة، فيما تنحصر مبادلات البلدان الخمسة في نسبة لا تتجاوز 2 بالمائة، رغم أن اقتصادات هذه الدول متنوعة ويمكن أن تشكل تكاملا في ما بينها.
ويعزو مراقبون لدور التوترات السياسية في عرقلة التكامل الاقتصادي لمنطقة المغرب العربي، من بينها غلق الحدود بين المغرب والجزائر منذ 1994 لأسباب سياسية، بالإضافة إلى ازمات سياسية نشبت بين تونس وليبيا، وجميعها عوامل ساهمت في تعطيل عملية التكامل الاقتصادي.
الجزائر… انفتاح اقتصادي وانتعاش سياحي
على الجانب الجزائري فإن مشروع “القطار المغاربي” أطل بعد سنوات، ليداعب أحلام شعوب المنطقة التي تنتظر فتح الحدود والتنقل بالدول المجاورة بجواز موحد، ناهيك عن تشجيع السياحة بين بلدان المنطقة، وتقليص مدة السفر بين البلدان المغاربية بحسب مراقبين، كما اشاروا الى انه سيقلص من نسبة الغازات المنبعثة من وسائل النقل العمومية، وتعزيز التعاون التجاري بين الدول المغاربية.
في هذا الشأن، يقول الأستاذ في جامعة الاقتصاد بالجزائر, يحي جعفري في تصريح لـ “” إنه ما دامت هناك “كوابح سياسية ” بين الدول المغاربية فلا شيء سينجز اقتصاديا، ويضيف جعفري قائلا ” لو توفرت الإرادة السياسية اللازمة فهذا المشروع يعد من أبسط المشاريع الاقتصادية من حيث تكلفته وفترة إنجازه” ولكن يرى يحي جعفري أن الإرادات السياسية “مفقودة”.
ويشير المتحدث إلى أن هناك من يعرقل تواصل “أبناء المنطقة المغاربية” بهذه الطريقة في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط ويقف ضدها لأنهم يحتاجون دول “المغرب العربي” “فرادي”، وهو ما حدث في سنوات الثمانينات حينما اجتمع قادة المغرب العربي الكبير لتحقيق خطوات في “الطموح المغاربي” وتم إنشاء لجنة الإشراف والتوجيه الاقتصادي مكونة من وزراء اقتصاد الدول المغاربية ونحو 20 لجنة اقتصادية أخرى متخصصة في إعداد البرامج، أنذاك مارست بعض القوى الخارجية تضيقا للخناق على هذه الدول.
ويؤكد يحي جعفري أن بعث المشروع مرهون بملف الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب والتي تشكل نقطة استفهام كبيرة في هذا المشروع، حيث أن إتمام خط السكة المغاربي لن يكفي لتسهيل حركة التنقل بين الدول الخمس.
ورغم هذه المطبات التي تعترض طريق هذا “الحلم”، يقول الأستاذ في جامعة الاقتصاد بالجزائر إن “شبكة النقل تعكس شبكة العلاقات وهي خطوة في الاتجاه الصحيح وفي حالة تحوله إلى حقيقة سيكون له مردود كبير على اقتصاد هذه البلدان، كما أنه سينمي السياحة بداخلها”.
إلى ذلك قال العضو في الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك، فادي تميم في تصريح لـ “” إن القطار المغاربي من شأنه تسهيل التبادلات التجارية وفتح المجال أكثر للانفتاح الاقتصادي على دول الجوار، كما أنه سينشط السياحة بين البلدان الثلاثة خاصة بين شرق البلاد وغربها وتبادل الخبرات بين شعوب المنطقة المغاربية خاصة وأنهم اليوم ورغم صعوبة التنقل يستفيدون كثيرا من المهارات الحرفية لبعضهم البعض، ويؤكد فادي تميم أن هذا المشروع سيمتن أواصر الأخوة بين شعوب الدول الثلاثة.