شرق أوسط

عائلات تفر من آخر نقاط تنظيم داعش في شرق سوريا لتواجه البرد والعوز

ـ قرب الباغوز ـ ما أن يلمح الفارون من آخر بقعة تحت سيطرة تنظيم داعش في شرق سوريا، شاحنة محملة بعبوات المياه حتى يسارعون إليها. دقائق وتفرغ حمولتها بينما يروون عطشهم بعد رحلة شاقة في منطقة صحراوية قاحلة.

ووصل 300 شخص على الأقل، من نساء وأطفال غالبيتهم عراقيون، الأربعاء إلى نقاط سيطرة قوات سوريا الديموقراطية قرب بلدة الباغوز التي يسيطر التنظيم على أجزاء منها، بعدما مشوا لساعات طويلة وسط الصحراء.

وحصل عدد قليل منهم على خيم ليبيتوا ليلتهم فيها، بينما لم يتوفر للغالبية إلا بطانيات وزعتها عليهم قوات سوريا الديموقراطية، التي وزعت كذلك كميات قليلة من الطعام وعبوات المياه في غياب لأي منظمات اغاثية وانسانية.

وتقول السيدة العراقية فاطمة، في مطلع الأربعينات وأم لأربعة أطفال، لوكالة فرانس برس “بكى الأطفال طوال الليل من البرد”.

وتضيف “هذه الليلة الثانية التي ننام فيها في البرية. في الباغوز كان هناك الكثير من القصف وكان من الأفضل لنا أن ننام في الخارج” في الليلة السابقة لخروجهم.

في منطقة الفرز قرب الباغوز، يخضع الفارون لعملية تفتيش وتدقيق أولي في هوياتهم، ثم تنقل قوات سوريا الديموقراطية المشتبه بانتمائهم الى التنظيم إلى مراكز تحقيق، والمدنيين وعائلات الارهابيين على متن شاحنات إلى مخيم الهول الواقع على بعد ست ساعات شمالاً.

تنتظر فاطمة بفارغ الصبر الوصول الى المخيم. وتقول “على الأقل ستتوفر الخيم هناك”.

على بعد أمتار منها، يلهو أطفال بالحصى والرمل الذي يضعونه في أفواههم ويمضغ أحدهم ملعقة بلاستيكية بينما يسير آخرون بين العبوات الفارغة والحفاضات المتسخة التي تملأ المكان.

 “مشينا بلا تردد”

في المكان ذاته، تقترب فتاة مراهقة ترتدي حجاباً من فتى وتسأله بخجل ما إذا كان بإمكانها مشاركته طبقاً من الأرز تمكن من الحصول عليه سريعاً من شاحنة تابعة لقوات سوريا الديموقراطية. لكنه يشيح بوجهه عنها ويتابع تناول طعامه بشراهة.

ويروي الخارجون من آخر بقعة تحت سيطرة التنظيم وتقدر مساحتها بأقل من كيلومتر واحد، الظروف البائسة التي عاشوها في الأسابيع الأخيرة مع نقص في الطعام والمياه والأدوية. ويقول بعضهم إن مقاتلي التنظيم يدخرون الطعام لأنفسهم ويستخدمون المدنيين كدروع بشرية ويمنعونهم من المغادرة.

وتوضح هدى (32 عاماً) لفرانس برس أنها امتلكت الشجاعة للهروب عندما رأت جيرانها يغادرون منازلهم.

وتقول السيدة العراقية “مشينا بلا تردد رغم وجود قناصة وقصف علينا. كان الوضع صعباً”.

وتضيف “مشينا لثلاث أو أربع ساعات ونحن نحمل الأطفال والملابس.. عطشنا لكننا لم نتمكن من أن نحمل المياه معنا”.

وجراء التعب، رمت هدى بطانيات حملتها معها نظراً لوزنها الثقيل ولطبيعة الطريق الضيقة والصعبة التي سلكوها.

سحب من الغبار

في كل ساعة، تصل شاحنات محملة بمجموعات جديدة من الفارين الى منطقة الفرز، تنبعث منها سحب من الغبار تلفح وجوه وأفواه الأطفال الذين لا يكفون عن البكاء.

ويبدي مسؤولون في قوات سوريا الديموقراطية دهشتهم جراء العدد الكبير من المدنيين المتبقين تحت سيطرة التنظيم في الباغوز ومحيطها، وهو ما يعيق تقدم قواتهم الميداني ويستنزف قدراتهم الإغاثية والإنسانية.

وفرت رقية ابراهيم (37 عاماً) من الباغوز مع شقيقتها وأولادهما. لكن رحلتها كانت مختلفة عن الآخرين، إذ اضطرت لحمل أحد أطفالها المصابين على لوح خشبي بمساعدة شقيقتها.

وأصيب طفلها معن (ثماني سنوات) قبل يومين بقذيفة هاون تسببت بكسر ساقه اليمنى وتلقيه شظايا عدة.

وتوضح السيدة العراقية “حملناه أنا وخالته على الطريق وتعبنا. كنا ننزله أحياناً ثم نحمله” مجدداً.

ولدى اقتراب الشاحنة التي ستقلهم الى المخيم المخصص لهم شمالاً، يوعز لهم سائقها بترك اللوح الخشبي مضيفاً وهو يصرخ “لا مكان له. اتركوه واصعدوا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق